قال إن المياه المعدنية لا وجود لها فى مصر والعالم العربى!!

د. مغاورى دياب يحذر من حروب المياه

الأحد، 20 يوليو 2008 08:55 ص
د. مغاورى دياب يحذر من حروب المياه دياب أكد أن المياه العذبة فى العالم 3% فقط
حاوره إبراهيم الزغبى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من حين للآخر تتردد التصريحات والتقارير الصادرة من هيئات ومنظمات عالمية، حول خطر نقص المياه والحروب المتوقعة مستقبلا للحصول عليها، فى الوقت الذى تنعم فيه مصر بواحد من أكبر الأنهار فى العالم، لكنها وفقا لآراء العلماء تقع ضمن الدول الفقيرة مائيا، مما يدعو إلى ضرورة البحث عن مصادر بديلة لضمان المستقبل "المائى" لمصر، خاصة فى ظل الصراعات الحالية فى القرن الأفريقى، بالقرب من منابع النيل، بالإضافة إلى متطلبات التنمية المستدامة التى أصبحت أحد أهم أولويات المرحلة الراهنة والمستقبلية.

اليوم السابع كان له هذا الحوار مع واحد من أكبر خبراء علم الجيولوجيا فى مصر والوطن العربى، د. مغاورى دياب أستاذ الجيولوجيا والمياه الجوفية ورئيس جامعة المنوفية الأسبق، وعضو هيئة اليونسكو.

بداية ... ما حقيقة الزوبعة التى تظهر من حين لآخر حول نقص الماء و اشتعال الحروب فى المستقبل من أجل الحصول عليه؟
يجب أن نعرف أن نسبة المياه العذبة تمثل (0.3 %) من حجم المياه فى العالم، ومصادر مياه الأنهار محدودة للغاية، وطبيعة الأنهار الكبرى أنها تمر فى أكثر من دولة.. فعلى سبيل المثال نهر النيل ينبع من خارج الأراضى المصرية، من هضبة الحبشة فى أثيوبيا ومنابع أخرى من البحيرات الاستوائية، أيضا هناك نهر دجلة والفرات الذى ينبع من هضبة الأناضول فى تركيا، وهنا يأتى مصدر الخوف من احتمال نشوب صدمات بين الدول التى تمر بها الأنهار، كما حدث عندما قامت تركيا ببناء سد أتاتورك ومنعت المياه عن سد الفرات.

كما أن بعض دول حوض النيل أحيانا تتنصل من اتفاقياتها وتعتبرها اتفاقيات عفا عليها الزمن، لأنها تمت فى عهد الوصاية والانتداب. وهنا تحركت مصر نحو تنفيذ بعض المشروعات المشتركة، للحفاظ على مياه النيل بالتعاون مع هذه الدول فى مجالات الكهرباء والبترول وغيرها.

وتعتبر المياه أيضاً عنصرا أساسيا من مكونات الصراع العربى الإسرائيلى، ولا تقل أهمية عن قضية الأرض المحتلة، حيث تتمسك إسرائيل بهضبة الجولان لما فيها من مياه، وهناك الصراع على نهر الأردن ونهر الوزانى فى لبنان وصراع بين سوريا وتركيا.

وهناك نزاع غير معلن على الملاحة النهرية فى وسط أوروبا خاصة فى نهر الراين الذى يمر بأكثر من دولة. لذا فإن المشكلة تنبع من واقع نقص كمية المياه العذبة وتداخل الدول المشتركة فيما يسمى "بالأنهار الدولية" أو "العابرة للحدود"، وعدم وضوح الرؤية بالنسبة لحقوق الاقتسام الاقتصادى لتلك الأنهار، والتى وضعتها الأمم المتحدة فى ديسمبر 1997، فى صورة اتفاق إطارى وليس قانونا ملزما للتعامل بين الدول.

وتستند هذه الاتفاقية الإطارية على أسس ومصطلحات فضفاضة مثل: عدم الضرر، والتوزيع العادل، والتعاون فى مجال الدراسات والأبحاث المائية، ولم توضح من المسئول عن تحديد وجود ضرر من عدمه، وطبيعة هذا الضرر، وهل هو التلوث فقط أم أشياء أخرى، وعلى أى أساس يكون التوزيع العادل، هل حسب تعداد السكان أم الموقع أم مساحة الأرض الزراعية؟.. لذا فإن بوادر الصراع موجودة وقائمة لأن الماء أساس التنمية فى كل المجالات.

كيف يكون هناك نقص فى المياه رغم السيول والفيضانات التى تحدث من حين لآخر؟
كما أشرت من قبل إلى أن نسبتها قليلة جدا فى الأنهار، ومعظمها يتسرب إلى مياه البحار والمحيطات أو يتحول إلى بخار أو مياه جوفية.

ما هو مستقبل مصر فى هذا الاتجاه؟
أوضحت تقارير منظمة الصحة العالمية أن مصر من الدول التى تعانى الفقر المائى، لانخفاض حصة الفرد عن المعيار العالمى والمحدد بـ 1000 متر مكعب من الماء سنويا، حيث يبلغ نصيب الفرد فى مصر حوالى 750 متر مكعب فقط نسبة إلى عدد السكان، لذلك تسعى مصر إلى زيادة حصتها من مياه النيل بعقد اتفاقيات شراكة مع دول حوض النيل، وإقامة مشروعات تبادلية فى الكهرباء والطاقة مقابل الماء، وهذا حق مكفول لمصر بسبب تعداد سكانها المرتفع، وقيامها بعدد من المشروعات التنموية التى لا تؤثر بأنشطتها على مياه النهر، لكونها دولة المصب.

ما هى المصادر البديلة التى يمكن الاعتماد عليها فى المستقبل لمواجهة خطر نقص المياه؟
مصر بها مخزون هائل من المياه الجوفية الواعدة، يعادل 500 ضعف حصتها السنوية من مياه نهر النيل، وتذخر بها الصحراء الغربية، والساحل الشمالى الغربى، وشبه جزيرة سيناء، ويتم الآن ومنذ سنوات فى بعض المواقع التعامل مع هذا المخزون، وإن كانت هناك بعض الصعوبات فى مقدمتها الحاجة إلى دعم مادى يصل إلى مليارات الجنيهات حتى يمكن التعامل مع الطبيعة الجغرافية الوعرة لبعض المناطق، كما أنه أحيانا يحدث قصور فى تطبيق المنهج العلمى من البعض، سواء فيما يتعلق بتحديد مواقع الحفر وكيفية تنفيذ وإدارة الآبار، أو عدم مراعاة المسافات بينها، وهذا ما أدى إلى مشكلة هبوط منسوب المياه بالآبار ببعض المواقع، وصعوبة ضخ المياه وانحسار الزراعة وتبوير بعض الأراضى نتيجة طريقة السحب العشوائية، وعدم تقنين كمية المياه بكل بئر.

تفاءل الكثيرين عند سماعهم طرح د. فاروق الباز لفكرة "ممر التعمير" بالصحراء الغربية... ولكنك دائما من أشد المعارضين لهذه الفكرة.. لماذا؟
مع كل احترامى للدكتور فاروق الباز باعتباره قيمة علمية نعتز بها، لكن ما جاء به من طرح مشروع "ممر التعمير" الموازى لنهر النيل على طول خط الصعيد بعمق 20 إلى 30 كيلو مترا داخل الصحراء الغربية ليس بجديد، وتم البدء فيه منذ سنوات وهناك عدة مشروعات قائمة بالفعل، وكذلك الوصلات العرضية من مدن ومراكز الصعيد موجودة فى بنى سويف والمنيا وأسيوط وغيرها.. والطرق مرصوفة والأنشطة قائمة، ويجرى الآن فى هذه اللحظة التى نتحدث فيها عمل ازدواج لطريق أسيوط الغربى فى عمق الصحراء الغربية.. وإن كان المقترح كما أشار د. الباز هو الدخول بعمق أكبر لمسافة 40 كيلو مترا بالصحراء الغربية، فهذا طرح مستحيل تنفيذه لعدة أسباب أهمها: عدم توافر المياه اللازمة لإقامة مجتمعات عمرانية جديدة على طول هذا الخط، والتى لا يمكن توفيرها من خلال مفيض توشكى أو قناة الشيخ زايد.

كما افترض د. الباز المشروع مرتبط بحصة مصر من مياه نهر النيل، ومثل هذا المفيض لا يمكن أن يفى باحتياجات هذا الممر والاستمرارية له غير مضمونة، ومسألة ضخ المياه عبر أنبوب قطره متر أو متر ونصف، سيواجهه مشكلة الطبيعة الجغرافية الصعبة عند مفيض توشكى، والتى يستحيل معها ضخ المياه لأعلى لوجود هضبة "سن الكداب" بارتفاع 220 مترا تقريبا، وبعدها لا تسير المياه فى خط مستقيم 100% لوجود منحنيات وارتفاعات، يصعب معها مد مثل هذا الأنبوب. أيضا هناك مشكلة توفير الطاقة اللازمة للمشروعات التنموية والمجتمعات العمرانية، وعدم إمكانية توليدها من تدفق مياه تسرى فى أنبوب قطره متر ونصف كما هو مقترح، إضافة إلى أن هناك الكثير من الهيئات العلمية فى مصر منذ أواخر الثمانينيات، قامت بدراسة هذا المشروع وأوصت موسوعة الصحراء الغربية عام 1989 بوضع استراتيجية متكاملة، للنهوض بالصحراء الغربية، وبالفعل تم مد الطرق الممهدة وإقامة عدد من المطارات، بدءا من غرب العلمين وحتى وادى النطرون والفيوم وسيوة والفرافرة والداخلة والخارجة وشرق العوينات وغيرها من المناطق، التى تحاول الدولة تنميتها والخروج بها من الوادى الضيق حول نهر النيل.

انتشر فى الآونة الأخيرة الحديث عن تلوث مياه الشرب واختلاطها بالصرف الصحى ببعض المناطق .. ما تعليقك؟
بعض القرى فى وادى ودلتا نهر النيل تعتمد على ما يسمى بالطلمبات الحبشية كمصدر رئيسى لمياه الشرب، وتكمن المشكلة فى قيام الأهالى بدق تلك الطلمبات إلى أعماق قريبة جدا من سطح الأرض، فلا يتجاوز عمقها من 5 إلى 12 مترا على أقصى تقدير، وحتى فى الأماكن التى بها شبكات مياه يلجأ بعضهم إلى استخدام الطلمبات على سبيل العادة، أو لعدم كفاءة شبكة المياه وانقطاعها بصورة متكررة إلى جانب اعتمادهم على البيارات المنزلية فى الصرف الصحى، المسماة بالطرنشات التى تكون على أعماق قريبة جدا، ونتيجة تشبع الأرض بمياه الصرف وفائض مياه الترع والمصارف والرياحات، أدى ذلك إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية واختلاطها بمياه الصرف الصحى والزراعى بالقرى والمناطق المحرومة من الصرف الصحى، ورغم ما تبذله الدولة من محاولات تطهير للترع والمصارف وشبكات الصرف، وإن كانت غير كافية بالدرجة المطلوبة إلا أن هناك خللا فى طريقة إنشاء المصارف الموازية لترع الرى، والتى يجب أن يكون منسوبها أعمق من الترع لاستيعاب الصرف الزراعى، إلى جانب حاجة الكثير من شبكات الصرف الصحى إلى التجديد والتطوير لأن معظمها تم إنشائه منذ عشرات السنين، إضافة إلى ضرورة مد شبكات مياه الشرب إلى القرى المحرومة وتوعية المواطنين حول مخاطر استخدام مياه الطلمبات.

ما هى مظاهر التلوث التى تواجهها المياه عبر رحلتها الطويلة فى نهر النيل وحتى وصولها للمنازل؟
هناك الكثير من الممارسات غير المقبولة على امتداد نهر النيل، خاصة فى صعيد مصر، حيث تقوم بعض المصانع وحتى المنازل، بإلقاء مخلفاتها فى النهر، ضاربة بقوانين الصحة والبيئة عرض الحائط، وعند وصول المياه إلى محطات المعالجة تواجه مشكلة نقص الخبرة من بعض القائمين عليها فى كيفية المعالجة، وطريقة ضخ المياه.

كما أن بعض شبكات المياه متهالك وغير مطابق للمواصفات، فمثلا فى بعض المناطق بالإسكندرية يتم استخدام مواسير الأستوتبس الأسمنتية، وهى محظورة دوليا ولم نعد نستخدمها، وإلى الآن لا يوجد معمل تحاليل مرجعى يمكن الاستناد إليه فى تحديد مدى صلاحية المياه، حيث تتضارب التقارير فى كثير من الأحيان على نفس العينة.

معنى ذلك أن الماء الذى نشربه من الصنبور غير صحى وغير آمن؟!
بالطبع لا أقصد ذلك لأن هناك فرقا بين الماء الصالح للشرب والماء الصحى، فهناك نسب ومعايير محددة للأملاح والمعادن بالمياه، حتى تكون صالحة للشرب ومعظم محطات المعالجة الحديثة أكثر كفاءة، ويمكن للمواطن أن يشرب من ماء الصنبور بأمان، شرط ترك كوب الماء بعد ملئه لمدة دقيقة، حتى يتطاير الكلور الزائد وفى الريف يفضل غلى الماء وتركه فترة يبرد قبل الاستخدام.

ما الفرق بين المياه الصالحة للشرب و المياه الصحية وهل تقصد بها المياه المعدنية؟
أولا لا يوجد فى مصر ولا الوطن العربى بأكمله ما يسمى بالمياه المعدنية، وهو خطأ شائع لأن هذه النوعية من المياه لا تستخرج إلا من مناطق معينة، مثل تلك الموجودة فى سويسرا وبها تركيب معدنى خاص، أما الموجود حاليا بالأسواق العربية ما هو إلا مياه معبأة من آبار جوفية تم معالجتها لتصبح أكثر نقاء.

وهناك معايير لتحديد صلاحية المياه للشرب منها، ألا يزيد مجموع العناصر المسببة لعسر الماء عن 370 جزءا فى اللتر، وتركيز الكالسيوم والماغنسيوم عن 170 جزءا و إذا زاد بها مجموع الأملاح المذابة فى جرام لكل لتر تكون المياه غير صالحة للشرب.

أما المياه الصحية تكون فيها نسبة الأملاح والمعادن بها محددة بشكل دقيق لأغراض معينة، فمثلا لا يجب أن تقل بها نسبة تركيز الكالسيوم والماغنسيوم، حتى لا تضر مرضى القلب، ولا يجب أن تزيد الكبريتات عن 400 جزء فى الماء المستخدم لأغراض البناء، وانقى أنواع المياه هو المستخدم فى الصناعات الغذائية.

وكيف يمكن الحد من مشكلة تلوث المياه أم أن ذلك مستحيل؟
لا يوجد شئ مستحيل طالما وجدت الإرادة، والدولة وحدها لن تستطيع فعل كل شئ بدون تعاون الأفراد والمؤسسات، للحفاظ على تلك الثروة، إضافة إلى ضرورة مد شبكات المياه لتغطية كافة القرى، وهو ما وعدت به الحكومة خلال السنوات القادمة، مع مراعاة المواصفات الفنية بها، للحد من المشكلات المستقبلية وإصلاح الشبكات المتهالكة، التى تعد مصدرا لتلوث المياه، وتفادى التماس بين شبكات مياه الشرب وخطوط الصرف الصحى والتزام محطات المعالجة بالمعايير القياسية ومراحلها التقنية والتأكد من سلامة مرافق المياه، قبل ضخ المياه إلى المواطنين الذين تقع عليهم مسئولية الحفاظ على مصادر المياه وعدم تلويثها أو إهدارها دون فائدة، لأن هذه ثروة لن نعرف قيمتها إلا فى السنوات المقبلة.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة