محمود طرشوبى

الحج مؤتمر المسلمين العالمى للتغيير

الإثنين، 15 نوفمبر 2010 08:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن الدعوة لهذا المؤتمر العظيم جاءت بأمر من الله تعالى لنبيه إبراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – :{وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }، وهى دعوة قديمة، ومكان الانعقاد الدائم الذى لا يتغير هو بيت الله الحرام وأكنافه المقدسة التى جمعت بين البركة الإلهية، والعراقة التاريخية، والحرمة الدينية.

يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ ولمَّا سُئل عليه السلام: أى الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم أى ؟ قال: جهاد فى سبيل الله. قيل: ثم أى ؟ قال: حج مبرور.

إن أعظم وأكبر وأقوى مؤتمر يعقد فى كل عام هو الحج, فالحج بالنسبة للأمة الإسلامية مؤتمر عظيم , يجتمع فيه المسلمون بأشهر معلومات, وأيام معدودات بهذه الأعداد الكبيرة فى كل عام, فهو بحقيقة الأمر أعظم مؤتمر للأمة الإسلامية, حتى أنه أعظم مؤتمر بالنسبة للبشرية كلها, فلا يوجد على وجه الأرض مؤتمر آخر يجتمع فيه المسلمون بأعداد كثيرة فى أى مكان, وفى أى زمان من العالم كاجتماعهم فى الحج , ولو تـُرك الأمر للمسلمين لأصبحت أعدادهم أضعافاً مضاعفة مما هى عليه اليوم.

حقاً إنه مؤتمر جامع لم تألف مثله البشرية فى ظل أى مبدأ من المبادئ، أو أيدلوجية من الأيدلوجيات، إنه مؤتمر مازالت تتعاقب على حضوره أجيال المسلمين المتلاحقة عاماً بعد عام ، ويجتمع فيه الحجاج الذين وفدوا من كل بلد وصل إليه الإسلام وأشرقت فى ربوعه كلمة التوحيد, ألوان شتى، وألسنة مختلفة، واختصاصات متعددة، كلها قد التقت على صعيد واحد فى هذا المؤتمر العالمى الفريد.

نعم إن الحج واحدة من العبادات الرئيسية الكبرى التى يتعبد بها المسلمون، ولعل من أسرار هذه العبادة أن يجمع الله عز وجل مندوبين من كل بلد مسلم ليلتقوا فى تلك الرحاب المقدسة الطاهرة فيتدارسوا أحوالهم، ويوحدوا جهودهم ويستفيدوا من خبرات بعضهم بما يرفع شأنهم ومكانتهم بين أمم الأرض قاطبة، ويعيدهم إلى دور الريادة والقيادة الذى ضاع منهم منذ أن اغتربت حقائق الإسلام فى ساحة حياتهم.

إن الحج ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة, وهو فرض على كلِّ مستطيع, ذكراً كان أو أنثى, وهو مؤتمر سنوى, إلاَّ أن مشكلة الأمة اليوم أنها لا تتعامل مع هذا الحدث العظيم كما يجب أن تتعامل معه, نعم: إنها لا تتعامل مع هذا الحدث العظيم على أنه مؤتمر للأمة الإسلامية من كلِّ حَدَبٍ وصوب, وإنما تتعامل مع هذا المؤتمر العظيم على اعتبار أنه عمل فردى يلتقى فيه الناس لوقت معلوم! ثم يعودون من حيث جاؤوا! نعم: هكذا يتعاملون, بمعنى أن كل مسلم يذهب للحج, فيحج ثم يعود إلى بيته بدون أن يضيف إليه هذا الاجتماع شعور بالانتماء إلى هذه الأمة.

هذا المؤتمر العالمى للمسلمين الذى يجب أن يتدارسوا فيه جل أمورهم وأهمها، فى جو من الحب والتجرد والتقرب إلى الله تعالى، ينبغى أن تزال فيه الانقسامات، وتُحَلُّ فيه الصراعات، وتتآلف القلوب، هذا التجمع الفريد يجب أن يُستغَلَّ ولا يضيع، ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ (الحج: من الآية 28), وأفضل المنافع وأحسن التآخى هو الحب فى الله، والاجتماع على غاية واحدة وهدف سواء.

ولكن الأعوام تمر، والحال هو الحال، وكأن الأمر ليس له صلة من قريب أو بعيد بالناحية الإسلامية أو الدينية، وكأن الحجيج جماعة شردوا من أممهم وليست لهم صلة بفرائضهم وشعائرهم، مع أنهم قد حضروا من بلاد قد تسير المظاهرات و تقوم الدنيا و تقعد من أجل مصالح ضيقة تخص الحكام و لكن مصالح الأمة لا يلتفت إليها!.

الحج عملٌ عظيم مبارك، ولكن هل يُصدق إنسان عاقل أن اجتماع هذا العدد الهائل من الناس فى صعيد واحد! وفى أيام ٍمتتالية لا يمكن أن يؤدى إلى تغيير عظيم على مستوى الدنيا جميعها, إذا ما وُجِّه الوجهة الصحيحة ؟! وهل يمكن أن يصدق إنسان عاقل بأن اجتماع هذا القـَدر من الناس فى مكان واحد, وفى وقت واحد, لا يمكن أن يُغير للأفضل! على العكس تماما! فالذى يتبادر للذهن بأنه إذا لم يكن هناك قدرة للناس على التغيير وهم متفرقون! فإن اجتماعهم هذا يقربهم من التغيير المنشود, ولكن المعضلة أن هذا التغيير لا يجرى!.

على الرغم من رضوان الله تبارك وتعالى, وعلى الرغم من الأجر العظيم الذى يكرم الله به الحجيج, حين يُباهى بهم ملائكته وقد جاؤوا إلى بيته شـُعثا غـُبرا, ويشهدهم أنه قد غفر لهم, إن الحج هو مؤتمر سنوى للأمة الإسلامية، رغم كونه فرضاً على الفرد مرة فى عمره، وفى هذا إشارة إلى أن المقصود الأعظم من الحج هو اجتماع المسلمين فى هذا المؤتمر الكبير ليشهدوا منافع لهم، إضافة إلى المنفعة الفردية التى تتحقق للمسلم بأن يعود من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

لا يخفى على أحد أن وحدة المسلمين تقف على رأس منافع الأمة الإسلامية اليوم، فما أحوجنا للوحدة بعد أن تشرذمنا وتفرقنا.

ما أحوجنا للوحدة كى نواجه أعداءنا، ونسترد ديارنا المغصوبة، وننقذ مقدساتنا المدنسة، ونصون أعراضنا المنتهكة، ونعيد ثرواتنا المنتهبة، وننتصر لنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.

ما أحوجنا للوحدة كى نحوز على رضا ربنا وخالقنا ورازقنا الذى أتاح للحجاج منا فرصة الاجتماع والمشاركة فى هذا المؤتمر العظيم لغفران الذنوب والتنقية من الخطايا ولكن كيف تتحقق الوحدة و أزمات المسلمين لا تنتهى؟.

إن عدد الحجيج الكبير, والطاقة البشرية الهائلة, والاجتماع فى بيت الله الحرام فى هذا الموسم العظيم, وهذا المنسك الكريم, الذى تتجه فيه أنظار المسلمين إلى هذا المكان, فى هذه الأيام المباركات, فى هذا المؤتمر الكريم, و ينالون رحمته ورضوانه ومغفرته وبركاته, وتحملُ المسلمين هذه المشقة وهذا التعب, وتلك المسئوليات, وكل هذه التكاليف, وهم يرجون رحمة ربهم الذى وعدهم بالمغفرة والرحمة بإذنه.

نعم لا نبالغ فى الحقيقة حينما نقول بأن تفكير الكثير من المسلمين ضيق للغاية, وهمهم فردى متعلق بأشخاصهم, نعم يجتمع ملايين البشر فى صعيد واحد, يذهب المسلم للحج ويعود وهمُّه الهدايا ! ثم يستمع كما فى كل عام لخطبة يوم عرفة المكررة يثنى صاحبها على الحكام, وكأنهم أعادوا الأندلس وطهروا فلسطين, وأنقذوا العراق, وأجابوا نداء الأفغان، ثم يعود بعد ذلك إلى سابق عهده بالحياة وكأن شيئا لم يكن, وكأن المسلمين بأحسن حال وأهنأ بال.

والأصل أن يكون هذا المؤتمر لمعالجة قضايا المسلمين كافة, فقد كانت مواسم الحج فى السابق مؤتمرات, فالرسول عليه السلام كان يتقصد قبائل الحجيج فيدعوهم إلى الله, وكذلك الحال زمن الخلفاء الراشدين ومن خلفهم من بعدهم كانوا يعتبرون موسم الحج بمثابة تأكيد على وحدة بلاد المسلمين كلها, والأصل فينا أن نكون قد بدأنا بهذا منذ زمن بعيد, نقرب الناس ونبين لهم على أن موسم الحج يجب أن يكون مؤتمراً للتغيير فى بلاد المسلمين .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة