أشرف عبد الشافى

الضحك

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010 06:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ متى لم تضحك ضحكة يا رجل؟ سألتُ نفسى وكنتُ ثقيل الظل عليها تلك الليلة، شىء غريب يا أخى، عشرات الساخرين ومئات الكتب والأفلام الكوميدية وخط لنُكت "عادل الفار" وفرّته الفضائيات لنتصل به كى يُضْحكنا، ونحن لا نضحك، أوأنا تحديداً لا أضحك بشكل جيد، أو حتى مقبول، بل أجدنى أكثر تأثراً بحالة الأسى التى يبحث بها الفنان عبد الباسط حمودة عن ضحكة حتى ولو سلف، والعيب ليس فى الساخرين ولا الأفلام ولا فى عادل الفار بطبيعة الحال، لأننا أحياناً نضحك معهم، لكن دائماً فى ضحكنا قلق وفى الروح نكد وخوف من غياهب المجهول وبكرة وشقة العمر اللى نفسنا فيها والعيال اللى لازم تتعلم بشكل محترم وباقى قصة الكّبْد واللهاث الذين خُلقنا فيها ولهما، ولا تظن أننى قادم لأزيدها سواداً وكحلاً وبلاء أزرق، بالعكس فقد وجدت الضحك بحمد الله محشوراً وسط كتب التراث كثير منها ثقيل الظل واللغة والأسلوب ويحتاج إعادة كتابة لكن قليل منها يشفى الروح ويحمل فيروس الضحك الذى تسرب إلىّ وأنا أتخيل هذا الإعرابى النحيف وقد خففّ من صلاته، وهمّ بالخروج من المسجد وكاد أن يلبس الخُف ويمضى، وفجأة سمع صوت عمر ابن الخطاب: يا عبد الله، ورآه قادما خلفه وفى يده العصا، فانخلع قلب الرجل، وعاد وأعاد الصلاة، كما طلب منه أمير المؤمنين، فلمّا فرغ منها، سأله عمر: أهذه خير أم الأولى؟ قال: بل الأولى. فسأله: لم؟ قال: لأن الأولى صليتها لله، وهذه للعصا، فضحك عمر رضى الله عنه، وضحكت أنا، وكان للشاعر الفرزدق واسمه همّام بن غالب وعاش فى القرن الثالث الهجرى حكايات وقصص مع زوجته وابنة عمه "النّوار" وفكر يوماً فى خيانتها مع جارية صغيرة وجميلة كانت لا تقبل رؤية وجهه، فظل يطاردها ويهددها بفضحها فى القصائد والأشعار، فقررت الجارية الانتقام، وذهبت إلى زوجته وأخبرتها بالقصة، فطلبت منها الزوجة الماكرة أن تجاريه فيما يريد، وواعدته بالفعل، واتفقا على اللقاء المرتقب فى دار مهجورة.. ودخل الفرزدق متسللاً فى شوق ولهفة واحتضن فتاته بلهفة ورغبة، وفجأة هبط قلبه وتعطلت لغة الكلام والأحلام والرغبات، وجاء صوت زوجته الذى يحفظ نبراته: "يا عدو الله، يا فاسق"، فعرف أنه خُدع، فقال لها بغضب وغيظ: "وأنت يا سبحان الله! ما أطيبك حراماً وأردأك حلالاً".

وهذا النوع من الضحك ستجده فى قصة تلك المرأة التى ذهبت إلى المُعلم بولدها تشكوه، فقال له: إما تنتهى يا ولد وإلا قبّلتُ أمك، فقالت: يا سيدى هذا صبى لا ينفع معه الكلام، ولا يجدى معه تحذير، وستجده فى قصة أخرى عن الفرزدق الذى تخاصم مع زوجته فذهبا إلى بيت الوالى ووصلا متأخرين، فجلس الفرزدق مع أبناء الوالى وحكى لهم عن زوجته وعمايلها التى لا تحتمل، وتعاطف الأولاد معه ووعدوه بالحديث إلى أبيهم فى الصباح قبل أن ينظر إلى قضيتهما، ونام الفرزدق وفى بطنة بطيخى صيفى بأن الحكم لصالحه وأن الوالى سيعُنف النّوار ويبوخها، وحدث العكس تماماً، وفهم الفرزدق السر سريعاً، فقد جلستْ النّوار مع زوجة الوالى وكانت تدعى "بنت أبى السفانا" وبثت لها الشكوى، ووعدتها خيراً فكان وعداً مفعولاً، وابتلع الفرزدق الهزيمة ونظر إلى الوالى وأبنائه وأنشد:
بنوه لم تقبل شفاعتهم وشفعتْ بنت أبى السفانا ليس الشفيع الذى يأتيك مؤتزرا كالشفيع الذى يأتيك عرياناً!

وفى حكايات "الحمقى" ستجد هذا الرجل الذى جاء بولده إلى القاضى وهو يبكى: يا مولانا إن ولدى هذا يشرب الخَمر، ولا يُصلى، فأنكر الولد ذلك، فقال أبوه: يا سيدى، أفتكون صلاة بغير قراءة؟ فقال الولد: إنى أقرأ القرآن، فقال له القاضى: اقرأ حتى أسمع، فقال:
علق القلب الربابا.. بعدما شابت وشابا
إن دين الله حق.. لا أرى فيه ارتيابا

فقال أبوه: إنه لم يتعلم هذا إلا البارحة، لقد سرق مصحف الجيران وحفظ هذا منه.

وسأل أحد الحمقى عمر بن قيس عن حصاة من حصى المسجد يجدها الإنسان فى ثوبه أو خفه أو عالقة بملابسه؟ فقال له: ارمِ بها، فقال الرجل: زعموا أنها تصيح حتى تعود إلى مكانها فى المسجد، فقال عمر: دعها تصيح حتى ينشق حلقها، فقال الرجل: سبحان الله ولها حلق يا سيدى؟ فقال عمر: فمن أين تصيح إذاً؟

واعترض رجل طريق المأمون، فقال: أنا رجل من العرب، فقال: ليس ذاك بعجب! قال: وإنى أريد الحج فقال: الطريق أمامك نهج! قال: وليست لى نفقة! فقال: قد سقط عنك الفرض! قال: لقد جئتك مستجدياً لا مستفتيا!

إن ضحكتْ فأسرع إلى كتب التراث (المستطرف فى كل فن مستظرف لأبى الفتح الأبشيهى، الحمقى والمغفلين لابن الجوزى، الإمتاع والمؤانسة للتوحيدى) وإن لم يحدث فعليك بالضحك على منظرى وأنا أضحك وحدى أمام سطور سوداء دون أن أعرف تلك براعة القدماء أم حالة هطل.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة