رشيدة الركيك تكتب: حوار مع الذات"4"

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016 10:00 م
رشيدة الركيك تكتب: حوار مع الذات"4" صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ممتع جدا أن أشعر بنوع من التميز على المستوى الوجودى مقارنة مع باقى الموجودات، فأردد بفخر واعتزاز: أنا الذات المفكرة التى أثبت وجودها ديكارت، أنا الذات القادرة على الشك والفهم والنفى والإثبات، أنا الذات التى تستطيع تصور الأشياء فى غيابها وتتخيل وتريد وتستطيع الإحساس بكل هذه الأشياء كذات حاسة، أنا الذات التى لا تعرف فى قراراتها سوى أريد أو لا أريد، أنا ذات مريدة إذن كما أكد شوبنهاور وأن الإرادة هى الجوهر الثابت فى كل الإنسان، ينتابنى نوع من الغرور كلما قرأت لسارتر وأجده يعتز بحريتى وبقدرتى على الاختيار، بل وقدرتى على تجاوز الأوضاع و أن حياتى مشروع بيدى إنجاحه أو إفشاله، ثم إننى أنا من يجعل من نفسه جبانا أو قويا... ومع ذلك، أتمتم باستحياء عندما تجتاحنى دبدبات الإحساس بالخوف فى جل محطات حياتى، فيخترقنى بقوة بدون استئذان، هو خوف يتجاوز عالم المعقولات ليرمى بى فى سلة المهملات.. والغريب أنه خوف يجمع بين المتناقضات ولا يترك لى فرصة الاختيار: فمن غير المعقول أن أخاف النجاح كما أخاف الفشل، أريد القناعة وأخاف الطموح أريد التميز وأخاف الاختلاف، أريد إثبات الذات و أخاف الاصطدام .. أنا الذات إذن التى تريد وتخاف مما تريد . يعجبنى كثيرا الحديث عن أحلامى وأتلذذ بوجودها، فأجتر الحديث عنها كلما سمحت لى الفرصة بذلك. ولكن كل الذوات لديها أحلام تجد لها مكانا فى عالمها الاستيهامى وتبقى دائما إنتاجا استيهاميا واقعه الخيال يتحقق باسمرار داخل الذات، دون أن يعترف به الآخر، والحقيقة يجب أن يكون إنتاجا اجتماعيا خارج الذات يعترف به المجتمع وينتقده أو يرفضه، المهم أنه واقع اجتماعي...ألا نستحق أن نجرى وراء أحلامنا دون خوف وكثم لأنفاسنا وتمزيق لحريتنا ؟

ألم يحن الوقت لاستخدام جهاز الاستشعار الذاتى الذى نمتلكه ؟ أم أننا سنبقى حبيسى أفكار ثابتة ترفض التغيير بشدة، وهى حقيقة أفكار لا تواكب التغير السريع الحاصل اليوم؟

لقد ارتاحت الذات لبرنامج الجمود لأنها تخشى التغيير، تخشى كل مبادرة، تخشى اتخاذ قرار التنقيب عن قدراتها من أجل البحث عن نسختها الأفضل لوجودها.

إن كان الخوف المبرر صفة كل الكائنات الحية، فقد اختنقت ذواتنا من شدة الخوف الغير المبرر ليستنزف كل طاقتها ويحرمها من وجودها الطبيعى، حين تبالغ فى التفكير وتخاف العواقب وتمنطق الفعل بسخاء.

أليست المخاوف صوتا داخل كل واحد منا يتكرر ويعلو كلما سمحنا له بذلك، فيكبر فينا متخذا حيزا ليقمع كل إرادة وكل قدرة وكل اختيار، ويجعل منا أبطالا فى عالم المخاوف ونتسابق من أجل جوائز فى مباراة الخوف من القدر، أو مباراة الخوف من الخوف أو من المجهول، و من سيفلح فى التوقعات السلبية باستفاضة وبراعة و إتقان ...؟

لقد أصبحت ذواتنا اليوم فريسة القلق والإحساس بالنقص، لتصاب فى مناعتها النفسية بسبب مخاوفها وحتى الكلام عن الخوف استغرق منها وقتا لتتطاول عليه وتحطه فى دائرة الحوار...

فعذرا لديكارت خيبت آمالك، فأسقط الخوف بفلسفتك العقلانية والتى بسببها سميت أب الفلسفة الحديثة، لم يعد العقل يكتفى بالتمييز بين الخطأ والصواب بل عليه أن يتخذ قرار التغيير. لم يعد الشك المنهجى يِؤدى إلى اليقين إلا يقينا واحدا هو ضياع صفات الذات لتتخبط فى الإدمان وتختار لنفسها نوعا من التخدير الذاتى بالتظاهر و الرياء وإظهار جبروتها وفنطزتها وكأنها الفارس المغوار ...

عذرا سارتر ولفلسفة عودة الإنسان ولتيارك الوجودى معتبرا أن الوجود سابق على الماهية، وأن الإنسان من يحدد ماهيته ويختارها. فهل اخترت الخوف أم هو من اختارنى؟

وهل للإرادة يا شوبهاور مكان فى عالم الأشباح، اليوم تعطلت الصفات المثيرة عن العمل و نحن فى انتظار استئنافها عندما تنطلق المحفزات وتفرض نفسها على الإنسان على شكل التزامات والعمل الطويل بتحد وحماس وإيجابية والخروج من المألوف وتجاوز الروتين اليومى.

عندما تتعاقد الذات مع نفسها وتؤمن حتى النخاع بضرورة الخروج والتخلص من البرمجة السابقة وتعيد البرمجة الإيجابية من أجل التطوير الذاتى والدفع بالإنسان إلى التفوق والعيش بنوع من الاطمئنان.

والهدوء عوض دبدبات الخوف على المستقبل والانشغال بلحظة انتهاء العالم، والنظر إلى الكون بنوع من التأمل وإلا سوف نطرح سؤال الحكيم اليونانى القديم : ماذا لو سقطت السماء؟ ونتوه فى بحر المآسى.

لا زالت الذات تبحث عن كينونتها فى هذا الوجود وكأنه وجود متشرد وضائع.

ومع ذلك يستمر الحوار معها بنوع من الصحبة بطرح السؤال، بل إنها تدرك معنى الحياة بدوام الاشتغال بالسؤال، خصوصا وأن الضياع يطاردها و التاريخ يشهد لها بذلك فى مختلف محطاته .

أكيد إذن أن معنى الحياة هو ما تبحث عنه كل الذوات وتستشف معنى وجودها منه، وتطاردها فى بعض لحظاتها مخاوف قرار الخروج، من أجل دفعة لتطوير الذات والرقى بها والعيش بشكل أفضل .

لذلك فهل أستطيع التوقف عن محاورة الذات كمادة دسمة وضعت على مائدة نقاش طويل قديما وحديثا ولا زال اليوم فى الساحة يجلب كل رواد التنمية الذاتية بنوع من الإصرار؟










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة