محمود طرشوبى

الإعلام العربى والتبعية المرفوضة

الإثنين، 27 سبتمبر 2010 07:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيراً ما تخرج وسائل الإعلام الإسرائيلية بحملات إعلامية يكون لها تأثيراتها المحلية والدولية، وما حدث من قبل بشأن الحديث عن صحة الرئيس لهو الدليل القوى على أن الآلة الإعلامية الصهيونية لها تأثيرها القوى فى الرأى العام الدولى، ولقد وصل التأثير إلى الرأى العام المصرى، وخرجت الصحف القومية وقتها لكى ترد على الإعلام الإسرائيلى السبب فى نشر هذه الأخبار، وأياً كانت صحة الخبر أو كذبه جعلنا ندرك تأثير الإعلام الصهيونى فى الواقع الإعلامى العربى، ومما يزيد الأمر تعقيداً أن الإعلام الغربى لا يمسك بزمامه سوى مجموعة من الأسماء الصهيونية أو على الأقل ترتبط بعلاقات مع إسرائيل وفى غمرة هذه التبعية والضعف الشديد فى وسائل الإعلام العربى تسربت عشرات من الكلمات والأسماء والمصطلحات والأوصاف فى العلام العبرى والغربى إلى إعلامنا العربى، سواء عن طريق استعارتها من الإعلام الصهيونى مباشرة أو نقلها نقلاً بدون النظر فى مدلولها عن الإعلام الغربى - الحاضن الرئيسى للإعلام الصهيونى ـ وقد أدى استخدام هذه المصطلحات، بل وشيوع استخدمها فى الإعلامى العربى إلى نشر معلومات كاذبة وإشاعة مفاهيم سياسية خاطئة.

فقد كانت كلمة مثل نشر الديمقراطية هى الغطاء الشرعى لعملية احتلال أفغانستان، واستخدمها الإعلام العربى بنفس المعنى وبرر بذلك احتلال أفغانستان من قبل القوات الأمريكية ومعها حلف الناتو، وبنفس الطريقة استخدمت كلمات مثل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة ومفاوضات الوضع النهائى وكثيراً من المصطلحات التى اخترعها الإعلام الصهيونى والغربى وانتقلت إلى الإعلامى العربى بدون النظر إلى مدلولها السياسى فى مد أجل المسألة الفلسطينية وتحويلها من قضية شعب احتلت أراضيها ويجب الدفاع عنها ومقاومة الاحتلال إلى مشكلة تكاد تكون داخلية سوف تحل بالمفاوضات ووضع المراحل المختلفة لكى تصل إلى الحل وقد ساعد الإعلام العربى بدون أن يشعر بنقل كل هذه المصطلحات والتى تظهر إسرائيل على أنها فى جانب الحق وهم يريدون السير فى طريق السلام بخطوات معينة، وليس كل هذه الخطوات من جانب الكيان اليهودى إلا لابتلاع باقى فلسطين بموافقة الرأى العام العربى.

وكل هذا أدى فى النهاية إلى غزو ثقافتنا ولغتنا الأم وتشويه أهدافنا ولغتنا وديننا.. كان الفخ الذى وقعت فيه كل وسائل الإعلام العربى هو اتباع لما تقوم به وكالات الأنباء الغربية الكبرى بإغراق الإعلام العربى بأخبار يتم اختيارها وصياغة مفرداتها وفقاً لمعايير اجتماعية وسياسية لا تراعى مصالح المجتمعات الموجهة إليها أو أولوياتها، ولكنها تحاول تمرير العبارات والمصطلحات ذات المضامين الفكرية والسياسية التى تراعى فى الدرجة الأولى مصالح القوى والجهات الدولية التى تعمل على ضمان احتواء الوطن العربى ثقافياً وسياسياً.

وكانت التبعية الكبرى من وسائل الإعلام العربى فى استقاء أخبارها وتحليلاتها وصورها من مصادر أوروبية أمريكية فى الأساس، خاصة إن هناك سيطرة من أربع وكالات أنباء غربية – على الأقل - على نحو 85% من المجموع العالمى للمادة الإعلامية المتدفقة وهى ما يلى طبقا لإحصائيات منظمة اليونسكو: وكالة استوشتدبرس الأمريكية وتبث 17 مليون كلمة فى اليوم الواحد، وكالة يونايتدبرس الأمريكية (11 مليون كلمة فى اليوم)، وكالة رويتر البريطانية (10.5 مليون كلمة فى اليوم)، وكالة الصحافة الفرنسية (3 ملايين كلمة فى اليوم).

وكان طبيعياً أن تقع صحفنا ووسائل إعلامنا الأخرى التى تعتمد اعتماداً شبه كلى فى استقاء معلوماتها على هذه المصادر الخارجية.. والسبب كما نعلم جميعا تبعّية إعلامنا العربى للإعلام الغربى.

ولم يكن غريبا أن نجد هذه التبعية فى الأخبار الدولية والتى تبعد عن محيطنا الجغرافى والإقليمى، ولكن ما العمل ونحن نجدها فى قضايانا الداخلية، لقد نقلت الصحف المصرية مثلاً عشرات المقالات والتحليلات عن فترة ما بعد الرئيس مبارك وقضية التوريث من صحف غربية بل وإسرائيلية، وكانت هذه المواد الإعلامية هى المسيطرة على بعض الصحف المصرية لمناقشة هذه القضية، وكان من اللافت للنظر هى نقل بعض وسائل الإعلام المصرى والعربى لأخبار محلية من إذاعة صوت إسرائيل "فقد نقلت وسائل الإعلام المصرى فى أكثر من حدث كان أبرزها خبر القبض على مجموعات من السلفية الجهادية فى عدد من المحافظات المصرية عن إذاعة صوت إسرائيل و ذلك منذ عدة أشهر".

وكان الشىء المحزن حقاً أنك لا تجد إعلامياً عربياً واحداً ينقل أخبار الحرب الدائرة فى أى منطقة فى العالم يكون فيها المسلمون طرفاً وتتصدى وسائل الإعلام الغربى لذلك لتنقل لنا صورة مشوهة من الحرب حسب وجهة نظره، مما جعلنا عالة على الغرب حتى فى الأخبار التى تخص العالم الإسلامى.

إن الإعلام الغربى نجح فى تغيير الرأى العام العربى فى تحويل وجه نظره فى مسائل كثيرة، فلقد لاحظنا – مثلاً- أثناء الغزو الأمريكى للعراق، أن كلمة غزو قد اختفت تماماً من الخطاب الإعلامى العربى – بتأثير الميديا الغربية - وأطلق على عملية الغزو مصطلح (تحرير العراق) فأصبح الغزو (تحريراً) وأن أمريكا لم تغزو العراق وإنما جاءت لتحرر الشعب العراقى من نظام صدام حسين! وما نجحت أمريكا فى ذلك إلا لأننا شعوب بلا ذاكرة فلقد برعت أمريكا فى أن تبيع لنا الأوهام من كل لون وصنف وأن تسوّق إعلامها النافذ فى أوساطنا ليحوّل الأكاذيب إلى حقائق، ولأننا لا نربط حدثا بآخر، ونستصعب البحث فى الأصول، ونكره مقارنة المعلومات "ببعضها البعض" ويشق علينا أن نشتغل بالأخبار بالفحص والرجوع إلى مصادرها الأولى، ونظراً للتبعية المطلقة من قبل وسائل الإعلام عندنا أصبح الإعلام الأمريكى يتمتع بالمصداقية الخالصة أكثر من إعلامنا العربى المتهم دائماً عندنا دائماً بالتزييف والكذب والخضوع لإملاءات السلطة.

كانت النتيجة المؤلمة –فى كل هذا- أن الرأى العام هو الضحية دائما حيث تنفق مئات الملايين من الدولارات لإحكام القبضة عليه.
وليس من شك، فى أن المواطن العربى العادى لن يجد مُتسعاً من وقت وسط انشغالاته الحياتية المتلاحقة ليسأل نفسه: هل كل ما يبلغه من أنباء "صحيحا".. وهل كل ما يشاهده عبر الشاشات أو يقرأه على صفحات الصحف حقائق لا أكاذيب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة