حـسن زايـد يكتب: مـواقـع الـتـواصـل الاجتماعى أسـطـح بلا أعـمـاق

الجمعة، 27 مايو 2016 06:00 م
حـسن زايـد يكتب: مـواقـع الـتـواصـل الاجتماعى أسـطـح بلا أعـمـاق مـواقـع الـتـواصـل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مواقع التواصل الاجتماعى المعروفة على الشبكة العنكبوتية، من مستحدثات العصر الراهن، ولا يتعدى عمرها فى حياتنا سوى سنوات قليلة، فقد ظهرت فى مصر فى تسعينيات القرن العشرين.

وقيل أنها قد سهلت التواصل بين البشر، وحولت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة، يتواصل أهلها دون حواجز زمانية أو مكانية. ربما كل ما يُقال عن تلك الطفرة التكنولوجية الهائلة صحيحاً، شأنها فى ذلك شأن كل شيء أضافته التكنولوجيا للبشر.

ومع ذلك فإن لى على تلك المواقع ملاحظتين، قد يختلف أو يتفق معى الكثير حولهما. الملاحظة الأولى وهى تتعلق بكونها ليست مواقع للتواصل بقدر ما هى مواقع للتفسخ الاجتماعى.

الملاحظة الثانية وهى تتعلق بكون علاقات مواقع التواصل الاجتماعى أسطح بلا أعماق، وصنعت بديلا متوهماً للعلاقات الإنسانية.

أما عن الملاحظة الأولى، فقد حققتها من خلال أمرين: الأمر الأول: القضاء على النظام الأسرى. الأمر الثانى: تجميع الاتجاهات المتشابهة، وجعل الاتجاهات الاجتماعية فى جزر منعزلة. أما عن الأمر الأول والمتعلق بالقضاء على النظام الأسرى.

فقد ساهمت هذه المواقع فى عزل أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، وجعلت لكل فرد فيها عالمه الخاص، الذى يشبع حاجاته، ويحدد احتياجاته، ويحقق له الإشباع النفسى والاجتماعى، ويحدد له منظومة قيمه التى تحكمه. وهذه الأمور تمثل بديلاً متوهماً للنظام الأسرى، لأن كل ما يتحقق من خلالها افتراضياً لا نصيب له على أرض الواقع. فقد أذهبت هذه المواقع الإحتياج للأب والأم، والأخ والأخت، والأقارب، والأصدقاء، الذين هم من لحم ودم، وعاطفة، ومشاعر، وأحاسيس، وأفكار. وجعلت بينهم وبين بعضهم سداً منيعاً، وحجراً محجوراً.

وأحلت محلهم بدائل افتراضية تمتلئ بها الرؤوس. فى الأولى لا تنقطع العلائق إلا بالموت، وإن قطعت اقتطعت معها جزءاً من النفس. أما فى الثانية فتنقطع العلائق وتعود وتموت بضغطة زر على لوحة المفاتيح.

أما عن الأمر الثانى المتعلق بتجميع الاتجاهات المتشابهة فى مجموعات، كل مجموعة منعزلة عن الأخرى، فذلك يتم على نحو إلى، من خلال دراسة وتحليل شخصية المشترك، والتعرف على اتجاهاته من خلال تحليل البيانات التى يسجلها، والاختيارات، والتعليقات، واختيار الأصدقاء. ثم يجرى توجيه المشترك ـ دون أن يعى ذلك أو يدركه ـ إلى المتشابه معه فى ذات التوجهات، حتى أنه يبدو للمشترك أن الموجودين على المواقع لهم نفس التوجهات والاهتمامات.

وهكذا نجد المجتمع يحمل اتجاهات فى حقيقتها متناقضة متناحرة متحاربة، مع تصور كل طرف أنه يحمل بذور التوجه العام للمجتمع، وهذا يفضى فى محصلته إلى حالة من حالات التفسخ الاجتماعى والنفسى، ويخلق نوع من التناقضات المجتمعية التى تشيع طاقة سلبية فى المجتمع. أما الملاحظة الثانية وهى تلك المتعلقة بكون علاقات مواقع التواصل الاجتماعى أسطح بلا أعماق، صنعت بديلاً متوهماً للعلاقات الإنسانية. فالعلاقات الإنسانية فى الحقيقة كائنات حية تمشى على الأرض، تصاحب الإنسان، وتتعايش معه، فيها دفء الحياة، وحركتها، وتدفقها. علاقات لها أبعاد وأعماق لا تقاس بالمقاييس المتعارف عليها، ولا توزن بموازين البشر، ولها لغة خاصة غير تلك اللغة المنطوقة أو المكتوبة، ولها هواءها الخاص الذى تتنفسه، وغذائها الخاص الذى تتقوت به وتتغذى عليه. أن يتم اختزال كل هذا فى أزرار لوحة المفاتيح، وفى شاشة فضية تعكس حروفاً، أو صوراً، أو فيديوهات، أو ميكرفوناً ينقل صوتاً من حيث لا ندرى، فلا شك أنه بديل بارد، ليس له أبعاد، وليس له أعماق. مجرد أسطح عاكسة. صحيح أنه يمكن للمرء أن يعيش كل التصورات السابقة، ولكن فى عالم الافتراض ليس أكثر، ويبقى كما هو وحيداً فى غرفة مغلقة أو مفتوحة، قابعاً فوق كرسى، خلف مكتب خشبى، يتعامل مع آلة، إذا ضغط على زر الإغلاق تنغلق، وتنغلق معها هذه الحياة. فهل يصح القول بأنها حياة تصلح بديلاً للحياة. بالقطع لا. وفى النهاية تبقى أسطح بلا أعماق. دعك من القول أن هذه المواقع تمثل جاسوس العصر الاختيارى المجانى، فقد يتفق معك البعض فى ذلك، وقد يختلف. ولكن ما لا يمكن الاختلاف حوله أنها لص العصر الذى سرق الإنسان من حياته، وألقى به فى حياة افتراضية متوهمة، بلا طعم، ولا رائحة. أنا أفهم أن هناك علاقات أكثر حيوية ودفئاً من الحياة الواقعية. بل وربما تكون الحياة الواقعية هى البديل الافتراضى لها. كل ذلك أتفهمه، وأعيه، وأدركه، وأقدره، وأثمنه، ولكنه يبقى فى إطار الاستثناء من القاعدة، والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها، ولا يمكن القياس عليه بحال من الأحوال. ويبقى كلامى فى النهاية وجهة نظر، قد تحتمل الصواب، وقد تحتمل الخطأ، ويصعب قبولها بالكلية، أو رفضها بالكلية. ولكنها حالة جديرة بالتأمل. أليس كذلك ؟.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة