قصة حب ملكية

الجمعة، 06 أغسطس 2010 11:03 م
قصة حب ملكية الشهبانو فرح ديبا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت المزحة المفضلة لزملائى فى المدرسة الفرنسية بباريس.. لماذا لا يتزوجك الملك؟.. إنك جميلة.. وكنت أقول.. لماذا لا تكتبون له وتحاولون اقناعه أنه توجد هنا فتاة مناسبة جدا.. وكانت صديقتى الأفعانية دائما تقول لى.. أنت رائعة.. لا بد أن يتزوجك الشاه؟.. وكانت دائما تنادينى بفرح بهلوى بدلا عن فرح ديبا!!.

وهكذا صدقت المزحة وتحققت النبوءة.. وتصف فرح بهلوى ليلة زفافها على شاه ايران محمد رضا بهلوى.. استيقظت مع بزوغ يوم ٢١ ديسمبر ١٩٥٩، وتقرر الاحتفال بزفافى فى بداية فترة العصر.. كان ثوب الزفاف من تصميم ( إيف سان لوران ).. بوجود خبيرتين فرنسيتين جاءتا خصيصا لتصفيف شعرى.. وكان مقررا أن أرتدى إكليلا مصنوعا من مجوهرات التاج الإيرانى صممه (هارى وينستون) كان جميلا على نحو لا يصدق.. وكان هذا الإكليل الذى لا يقدر بثمن كان عيبه أن يزن نحو كيلوجرامين.. وكانت مجوهرات التاج الملكى ممتلكات للدولة، وهى تضمن العملة، ونادرا ما كانت تغادر خزائن البنك المركزى الإيراني، ويجب أن يوقع على التفويض بخروجها عدة أشخاص بينهم وزير المالية.. وتذكرت صانعى الثوب فى بيت أزياء (كريستان ديور) فى باريس الذين حاكوا إحدى حواف الثوب بالأزرق حتى " تمنح الجنيات الطيبات للملك أخيرا الولد الذى تمناه".

سرت تحت المصحف الذى رفعته والدتى.. وبدأ موكب السيارات الرحلة ببطء.. ثم رأيت الشوارع مكتظة بالناس.. احتشدوا على طول الطريق.. والأغلب أنهم ظلوا هناك لعدة ساعات وأضاءت وجوههم بالفرحة أثناء مرورنا.. كان الملك ينتظرنى عند قمة السلم الكبير بقصر الرخام، واقفا ممشوقا، طويلا فى زيه الرسمي، وما أن هبطت من السيارة حتى اصطفت خلفى ست فتيات صغيرات يرتدين ثيابا بيضا وتويجات من الزهور.. وقبل لحظات من الاحتفال بزواجنا انتبهت إلى أنه ليس معى خاتم من أجله ! لم يكن أحد فكر فى ذلك، ولا أنا، ولكن العروس هى التى يجب أن تحضر الخاتم، وتقدم (أردشير زاهدى)، صهر الملك، لإنقاذ الموقف بمنحى خاتمة، فوضعته بعد لحظات فى إصبع زوجى.. وبعد عدة أيام قدمت له خاتم زفاف، ومنذ وفاته وأنا أرتدى خاتمى زفافنا معا فى نفس الإصبع..

هكذا وصفت فرح ديبا التى صارت تعرف فيما بعد بفرح بهلوى بعد أن صارت الزوجة الثالثة لملك إيران وأم ولى العهد ليلة زفافها على ملك إيران محمد رضا شاه بهلوى فى مذكراتها التى صدرت مؤخرا وتشتمل على الكثير من التفاصيل الممتعة.. والحكايات الهامة.. ورصد من الداخل لشاهد عيان على الكثير من الوقائع التى غيرت شكل ومجرى الأحداث فى العالم الإسلامي.

فى مقابلة قصيرة بعد الزواج مع مراسل صحيفة (تايمز) اللندنية، قلت له خلالها: (إننى سوف أكرس حياتى لخدمة الشعب الإيرانى والنساء بوجه خاص، بإتاحة الفرصة لهم للدراسة والعمل).. وما إن عدنا إلى طهران حتى أدركت إلى أى مدى لا أستطيع خدمة أى شخص، فنظرا لعزلتى فى القصر، حيث يعمل الملك من الصباح إلى المساء، لم يكن لدى أى فكرة عن الأدوات التى تجعل الحركة ممكنة، فلم أكن تعلمت بعد كيفية عمل الملكة.. وكان الملل أول ما واجهته فى حياتى الجديدة.

كانت أول مرة أقابل الملك فيها فى باريس عام ١٩٥٩ حيث كنت أدرس.. وكان هو فى زيارة رسمية.. وكانت عادة تلك الزيارات الرسمية أن يتم جمع عدد من أبناء الجالية والطلبة للقاء الملك.. كان اللقاء عابرا وسريعا لكنه كان مؤثرا.. بعد ذلك وجدت نفسى ضمن خطة لترتيب لقاء مع الملك بتخطيط من (أردشيز زاهدى) زوج الأميرة (شاهناز) ابنة الملك الوحيدة من زواجة الأول.. ففى ١٩٣٩ تزوج الملك وهو فى العشرين الأميرة فوزية المصرية، شقيقة الملك فاروق.. التى دعتنى إلى منزلها وكنا من نفس الجيل.. هى فى الثامنة عشرة وأنا فى العشرين.. وهناك وجدت الملك وقد دخل علينا ودار بيننا حوار شيق ولقاء دافئ.. امتد إلى الكثير من التفاصيل.. وتكررت تلك اللقاءات.. لحظتها أدركت أن ثمة أمر كبير بانتظارى.. وفى أول زيارة لى الى باريس بصحبة الملك كتبت الصحافة الفرنسية حكاية الفتاة التى تركت البلاد قبل عامين كطالبة هندسة معمارية صغيرة.. ثم عادت كملكة أم وشابة !!.. وكان الملك قد تزوج أيضا بعد فوزية من ثريا اصفينازى لكنها لم تنجب.

أردت.. مثلى فى ذلك مثل جميع ذوى الإرادة القوية أن أخدم حيثما يتيح لى موقعى أداء دور، فى دعم المبادرات، وتنفيذ المشروعات، وإزالة العراقيل، وشجعنى زوجى على هذا العمل منذ اليوم الأول فكان مرشدى وسندي. أراد أن أكون الى جانبه، وأن أعمل لصالح البلد.. وإلى حد ما أبعدنى إنجابى لـ"رضا" ثم "فرح ناز" عن أنشطة مكتبى. لكننى شرعت فى تنظيم وقتى بعد فترة.. وفى بداية الأمر مرت أيام شعرت فيها بالضجر.. لكن الأمور اصطلحت بعد ذلك.. ووجدت أن كثير من الأمور والتعاقيد حلت بعد تدخلى فيها.

بعد انجاب رضا.. رأيت الملك يتغير تماما.. فبعد أن كان خجولا ومتحفظا فى العادة، لم يعد يحاول إخفاء ما يشعر به من حنان وعاطفة اتجاه ابنه.. وكان يختلس الوقت بين مقابلاته الرسمية ليكون معنا.. كان الملك منتشيا.. كنا نخرج ثلاثتنا يوم الجمع الى الريف فى أعالى (شميران) ويتدحرج الملك فوق العشب مع ابنه.. ويؤدى جميع الألعاب له.. صار الملك أكثر هدوءا، وأكثر استعدادا للضحك رغم عبء العمل الثقيل.

فى منتصف الستينات.. بعد خمس سنوات من زواجى.. شعرت أخيرا أننى عثرت على ضالتى.. كان ذلك عندما قرر الملك ورئيس وزرائه الجديد "أمير عباس هويدا" تعيينى وصية على العرش، وهو ما يعنى أننى فى حالة وفاة الملك، سأكون مسؤولة عن مصير إيران، حتى يبلغ "رضا" سن العشرين. ولم أفكر أبدا - لثانية – أن هذا ممكن أن يحدث.. كنت فى الثامنة والعسرين، وزوجى لم يتجاوز السادسة والأربعين، وأنتظر قدوم ولدنا الثالث.. واعتبرت هذا القرار تكريما رسميا، حتى بعد التصديق عليه رسميا من البرلمان.. رأيت فيه برهانا على تقدير زوجي، وثقتة فى.. جعلنى ذلك أشعر بالفخر الشديد والسعادة البالغة.

تصف فرح بهلوى حياتها فى بلاط الشاه بالكثير من التفاصيل الشيقة.. وتتوقف عند بداية النهاية فى عام ١٩٧٨ عندما انطلقت أولى شرارات النهاية مع خروج أولى المظاهرات فى مدينة "قم" المقدسة التى تطورت وشملت مدنا أخرى ومداهمات وصدامات فى العديد من أنحاء البلاد.. وقد كتبت حينها فى مذكراتى : “ لدى شعور بأنه لم يعد هناك أمل. فالموقف ليس سيئا بهذا الشكل حاليا فحسب، ولكننى متشائمة.. كما أننى متعبة! وما زلت أفعل ما أستطيع. ينبغى أن أظل قوية، فهو السبيل الوحيد للمواصلة.. أنا قلقة بشأن الأولاد.

بعد تلك الاضطرابات والأزمات والمظاهرات التى كانت تقودها المعارضة.. تغيرت حيتنا رأسا على عقب.. وصرت أشاهد توترا فى الحكم واستقالات كثيرة لقادة البلاد.. وهروب عدد كبير من ضباط الجيش خشية من الضغوط والقتل الذى كانوا يتعرضون له.. وشيئا فشيئا كان بساط الحكم يسحب من تحت أقدامنا.. كان الملك مجهدا.. فقد اتخذ لتوه القرار الحاسم بمغادرة البلاد لفترة.. لكننى كنت متأثرة للغاية بحزن التابعين المخلصين.. خاصة الجيش.. وأدى بى ذلك لأن أسأله إن كنت أستطيع أن أبقى فى إيران.. وقلت له لن أفعل شيئا.. لن أستقبل أحدا.. لكننى سأبقى هنا فى القصر، كرمز لحضورك.. فأجاب فى حزن.. لست مضطرة لأن تكونى جان دارك.. وطلب منى أن أبقى إلى جواره.

تركنا فى طهران الرياح الجليدية، وعندما هبطنا فى (أسوان) بعد عصر ذلك اليوم ١٦ يناير ١٩٧٩، كان الرئيس (السادات) وزوجته فى انتظارنا عند سلم الطائرة.. واستقبلانا بحنان خاص.. لعلمهما بمدى مصيبتنا.. ولكنهما لا يعرفان بمرض الملك.. قال له (السادات) وهو يحتضنه.. اطمئن.. لأن هذا البلد بلدك، وإننا إخوتك وأهلك.

وفى يوم ١١ فبراير ١٩٧٩، استمع الملك وجميع الإيرانيين الذين برفقتنا إلى إذاعة طهران، ونحن فى فيلا (مراكش).. بينما كنت أعبر القاعة سمعت.. انتصرت الثورة، وانهار معقل الديكتاتورية.. وظننت لثوان أننا انتصرنا فبالنسبة لى كنا الأخيار وهم بالتأكيد معقل الفزع.. ولسوء الحظ كانوا هم من فازوا للتو.. فقد أطاحوا بآخر حكومة عينها زوجى.

كنا نشعر بأننا نسبب الحرج لبعض القادة الذين عرضوا استضافتنا فى المنفى.. وعلى رأسهم الرئيس أنور السادات.. والملك الحسن الثانى ملك المغرب.. الذين هدد قادة الثورة بإيذائهم.. ورفضت أمريكا استضافتنا.. وصار العثور على ملجأ أمرا ملحا.. وانسحبت فرنسا.. وكذلك إمارة موناكو وسويسرا.. وتلقينا رسالة من مارجريت تاتشر تعدنا بقبول استضافتنا إذا ما فازت فى الانتخابات.. وبعد أن فازت تراجعت عن وعدها.. كانت لدينا علاقات مع معظم بلدان العالم.. بعضها علاقات وثيقة وصداقة.. والآن يديرون جميعهم ظهورهم لنا.

فى المنفى أمضينا بعض الوقت معا.. وعندما كنت أنظر إلى الملك كنت أدرك كم أحببته.. وكم هو مؤلم أن أراه يعاني!.. لقد عشنا معا عشرين عاما فى دوامة مستمرة.. وإذا كان القدر قد قارب بيننا مرة أخرى، فذلك ليسمح لنا بأن نواجه هذه المحنة معا.. وعندما قلت لنفسى ذلك استطعت أن أتقبل حياتنا الجديدة كما هى، وأيضا أن أحدد الكيفية التى سأتحرك بها.. مهما حدث.. ينبغى أن أقف بثبات وأمنح هذا الرجل الذى أحبه حبا نفسيا.. وكل ما أستطيع شحذه من قوة.

تفاصيل كثيرة روتها فرح بهلوى فى مذكراتها الشيقة عن قصة الحب الملكية التى جمعتها مع شاه إيران.. مرورا بالعديد من الأحداث السياسية الدامية التى زعزعت عرش الحكم.. وصاروا بعدها الى يومنا هذه أسرة فى المنفى.
ودمتم سالمين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة