الناقد أحمد حسن يكتب: شكرى عيِّاد ناقد بدرجة فيلسوف

الإثنين، 14 يونيو 2010 03:48 م
الناقد أحمد حسن يكتب: شكرى عيِّاد ناقد بدرجة فيلسوف الناقد أحمد حسن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقيم المجلس الأعلى للثقافة اليوم الاثنين، ندوة على مدار يوم كامل، للاحتفاء بالناقد الكبير شكرى عياد، ولا أدرى لماذا تم الاقتصار على يوم واحد فقط، فى حين أن إسهامات عياد فى النقد الأدبى والترجمة والإبداع كبيرة ومتنوعة وثرية، كما أننا لم نحتفل بهذا الناقد الكبير منذ وفاته فى عام 1999 حتى الآن، بما يؤهله لأن يكون محورا لمؤتمر كبير يناقش فيه تلامذته من المحيط إلى الخليج أفكاره وأطروحاته وإبداعه ومنهجه فى الترجمة والبحث والتأصيل والتحقيق.

عياد ذلك الناقد الرائد والمنظر الموسوعى كان أنموذجا مثاليا لتجسيد دور الناقد باعتباره جسرا بين المبدع والمتلقى، وأتذكر حينما كنتُ طالبًا فى السنة التمهيدية للماجستير بكلية دار العلوم، أحاول أن أتحسس موطئًا لقدمى على طريق المعرفة النقدية فيما وراء الكتب الدراسية المقررة، باحثًا عن مرشدين جدد يأخذون بيديَّ؛ حتى لا تضلَ خطاى فى عالم تفرقت به السُبل وكثرت فيه العناوين والأسباب، واختلط الأصيلُ فيه بالزائف، ساقنى قدرى السعيد بعد عناءٍ طويل إلى كتاب كان عنوانه "دائرة الإبداع" وكان اسم مؤلفه شكرى محمد عيَّاد.

بدأت فى قراءة الكتاب وغمرنى شعور عميق بالبهجة والرضا جعلنى أبحث عن كتبٍ أخرى لذلك الناقد الفذ، وأحرض أصدقائى من الشعراء والباحثين على قراءتها، وأنا ممتلئ زهوًا بذلك الاكتشاف النقدى المذهل – بالنسبة لى فى ذلك الوقت المبكر – وقد أدركتُ ساعتها معنى مقولة ديكارت العميق "إن الجهل التام أفضل من المعرفة المضطربة" وأحسستُ بعبقرية شكرى عيَّاد، وعقله النقدى المنضبط، وثقافته الموسوعية الممتدة، وقدرته التذوقية الباهرة.

وهى ملكات مكنته من أن يغوص فى أعقد القضايا الأدبية الشائكة دون أن نستشعر اضطرابًا فى الرؤية أو خللًا فى التوصيل أو التواصل، كما نرى لدى كثير من النقاد الشغوفين بنقل المعارف الأدبية الحديثة أو المناهج النقدية الجديدة دون أن يأخذوا وقتهم من "الاستيعاب المتأنى"، فضلاً عن "التمثل الضرورى" الذى يعد خطوة أولى تهيئ الوافد الغربى للالتحام بحركة الحياة الأدبية لدينا، ولا يبدو أشبه بالأعضاء الغريبة المزروعة فى جسد الثقافة العربية.

وفى هذا الإطار نستطيع أن نفهم نزعة "التأصيل" لدى شكرى عيَّاد، وهى نزعة أكثر عمقًا ونفاذًا من الشعارات التى كنَّا نسمعها لدى من يتشدقون بفكرة "الأصالة والمعاصرة" وينتهون فى أغلب الأحيان إلى "تلفيق" بين المصطلحين، بالرغم من تذرعهم بفكرة "التوفيق" بين الوافد الغربى والتراث العربي، فتجد فى كتبهم فصولاً عن القديم إلى جوار أخرى عن الجديد، دون أن ترى التحامًا حقيقًا يفتح ممرات الاتصال أو الحوار البناء، الذى قد يجعلنا نحظى بثمرةٍ جديدة تكون نتاجًا لتلاقى الأمزجة الحضارية المختلفة.

إن أصالة شكرى عيَّاد تتجلى فى أنه لم يكن من أولئك النقاد الذين يصبحون على رأى ويمسون على آخر، فقد كان ناقدًا بدرجة فيلسوف، يتأمل الظواهر فى حضورها الإنسانى الشامل، وإطارها الحضارى الممتد، يأخذُ موقعًا متوازنًا للرؤية، يجعله قادرًا على الإمساك بخيوط القديم والجديد فى آنٍ، فكما كتب عن أثر أرسطو فى البلاغة والنقد العربي، فقد كتب عن البنيوية وعن اتجاهات البحث الأسلوبى الحديث، وكما قام بتأصيل "المذاهب الأدبية والنقدية" فى حقل نظرية الأدب، وبتأصيل "الفن القصصى"، فقد أسهم أيضًا بدراسات تطبيقية عميقة، كدراسته الأسلوبية عن شعر حافظ ودراسته عن أفعل التفضيل فى شعر المتنبى، ومقالاته التطبيقية التى كان ينشرها تباعًا فى مجلة الهلال، وجمعت فى كتابه "القفز على الأشواك" إلى غير ذلك من مقالاته التى جمعت فى كتبٍ أخرى، مثل "الرؤيا المقيدة" و"الأدب فى عالم متغير" و"على هامش النقد" و"تجارب فى الأدب النقد".

وبالإضافة إلى ذلك، فقد استمتع شكرى عيَّاد بقدرةٍ تجريدية فائقة، جعلته قادرًا على صياغة أفكاره بطريقة السهل الممتنع، فمازلتُ أذكر حديثه فى سياق التفرقة بين المدرستين الرومانسية والواقعية، حين قال "إن الرومانسية تضع الإنسان فى "الكون"، بينما تضع الواقعية الإنسان فى المجتمع".

وإذا كان وجه الناقد المنظر المفكر هو الوجه الأبرز لشكرى عيَّاد فى الحياة الثقافية العربية، فإن له وجهين آخرين، لا يقلان أهمية عن دوره النقدي، هما وجه المترجم المقتدر الذى ترجم كتبًا لـ"إليوت، وتشارلز مورجان، وبريستلى، وروايات لدستوفسكى وجورج ديهامل وطاغور وتورجينيف"، ووجه القاص المبدع الذى كتب مجموعات قصصية منها "رباعيات، كهف الأخيار، حكايات الأقدمين، وطريق الجامعة".

ولولا أن لشكرى عيَّاد حسًا إبداعيًا مرهفًا ما كان له أن يكتب هذه الأسطر التى تعبر عن جوهر مشكلة الوجود الإنسانى الخاص ومأزق علاقته بالعالم وبالمعرفة، فى صياغة صافية وموحية، يقول عياد: "من منَّا لم يقف أمام وجوده الخاص موقف التساؤل أو حتى الإنكار؟ من منَّا لم يشعر أنه تائهٌ بين شخصية يرسمها له الناس وشخصية أخرى يبحث عنها داخل كيانه ولا يجدها؟ من منَّا لم يشعر أن للأشياء حقائق لا تعبر عنها الأسماء، ولا يعرف هو كيف يسميها؟ ولكن ليس كلنا يملك الإصرار على المعرفة التى لا تكون إلا بالكتابة".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة