محمد حماد

خالد سعيد.. أنعى إليك أنفسنا

الجمعة، 11 يونيو 2010 08:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أدعى أنها المرة الأولى التى أحس بكل هذا الوجع فى قلبى وأنا أقرأ تفاصيل الجريمة البشعة التى راح ضحيتها شاب فى مقتبل العمر كل جريرته أنه اعترض على طريقة تفتيشه من مخبرى وزارة الداخلية، ولكنى أعترف أننى من كثرة ما قرأت من الحوادث الشبيهة، ومن كثرة ما طالعت من جرائم ترتكب تقريباً كل يوم فى حق مواطنين لا حول لهم ولا قوة أمام جبروت سلطة تسلطت وطغت وتجبرت فى الأرض، أحسست هذه المرة بقلبى ولم تدمه كثرة المظالم بقدر ما أدماه فجور الظلمة، فتذكرت مقولة التابعى الجليل سعيد بن جبير للحجاج وهو فى طريقه إلى الموت بأمر الظالم الفاجر: "عجبت من جرأتك على الله ومن حلم الله عليك".

كان خالد سعيد يجلس فى أحد محلات الإنترنت بمنطقة كيلوباترا، ودخل مخبران من قسم سيدى جابر "الكافية نت" وطلبا من المتواجدين إبراز تحقيق الشخصية وقاما بتفتيش الموجودين وعندما اعترض خالد على طريقة تعامل المخبرين الهمجية والوحشية، قام أحدهما بتقييده من الخلف لشل حركته، فحاول التخلص منهما فقاما بطرحه على الأرض وركله فى البطن والصدر، واصطحباه إلى مدخل العمارة المجاورة لمحل الإنترنت، وواصلا الاعتداء عليه بالضرب المبرح والركل بأقدامهما فى مختلف أنحاء جسده، وسط ذهول الموجودين، وفقد خالد وعيه ونزف سيلا من الدماء من أنفه، واعتقد المخبران أنه يمثل عليهما، فحاول أحدهما إفاقته بضرب رأسه فى "ترابزين" السلالم فكسرت جمجمته وفارق الحياة، فقاما باصطحابه وهو جثة هامدة إلى ديوان قسم شرطة سيدى جابر، وبعد أقل من 15 دقيقة أعادا جثته مرة أخرى إلى مكان الواقعة وتركوها مسجاة على الأرض.
ألم يأن لهذا الظلم أن يتوقف!، ألم يأن لكل هذا الفجور فى الظلم أن ينكسر!، قناعتى التى لا أشك فيها أنه مادامت النخبة تتحدث عن قانون الطوارئ بجوانبه التى تسئ إلى الحركة السياسية فقط ولا يهتمون بالجانب الأعظم من مساوئه التى تحول حياة الناس إلى جحيم لن يتوقف الظلم وسنكون جميعاً مسئولين عن استمراره.
سعيد بن جبير من كبار التابعين، كان شجاعاً فى الحق لا يخشى فى الله لومة لائم، لم يستطع أن يصبر على المظالم التى يتعرض لها الناس على يد الطاغية الحجاج فنهاه عن ظلمه، ودعا الناس إلى مخالفته والوقوف فى وجهه، فأرسل الحجاج إلى أمير مكة يطلب منه أن يبعث إليه بسعيد بن جبير، فجىء به مكبلاً فى قيوده من مكة إلى العراق حتى دخلوا به على الحجاج، ودارت بينهما محاورة يحفظها التاريخ فى قالب من نور، أرادها الحجاج محاكمة صورية لسعيد بن جبير، وأرادها التابعى الجليل إقامة للحجة عليه أمام الله والناس والتاريخ.

سأله الحجاج: ما اسمك، قال: سعيد بن جبير، قال الحجاج: بل شقى بن كسير، فقال سعيد: أمى سمتنى وهى أعلم باسمى منك، قال الحجاج: شقيت وشقيت أمك، فقال سعيد: لا يعلم الغيب إلا الله تعالى، قال الحجاج: والله لأبدلنك بدنياك ناراً تلظى، قال سعيد: لو أعلم أن بيدك ذلك لاتخذتك إلها، وسأله عن الخلفاء من بعد النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: سيجزون بأعمالهم فمسرور ومثبور، ولست عليهم بوكيل، وحين سأله على بن أبى طالب، قال: من أولهم إسلاماً وأقدمهم هجرة وأعظمهم فضلاً، زوجه الرسول الله، صلى الله عليه وسلم، أحب بناته إليه، قال: أفى الجنة هو أم فى النار؟، قال سعيد: لو أدخلت الجنة وفيها أهلها، وأدخلت النار وفيها أهلها لعلمت يا حجاج، فما سؤالك عن علم الغيب يا حجاج وقد حجب عنك، ولما سأله الحجاج عن رأيه فيه قال: أعفنى، قال: لا عفا الله عنى إن أعفيتك، قال سعيد: إنى لأعلم أنك مخالف لكتاب الله تعالى، قد ظهر منك جوراً وجرأة على معاصى الله تعالى، ترى من نفسك أموراً تريد بها الهيبة، وهى التى تقحمك الهلاك، قال الحجاج: فأى رجل أنا، قال سعيد: يوم القيامة تخبر، قال: أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً قبلك ولا أقتلها أحداً بعدك، قال: إذن تفسد على دنياى، وأفسد عليك آخرتك، فقال الحجاج: اختر يا سعيد أى قتلة أقتلك؟، فقال سعيد: اختر لنفسك يا حجاج، فوالله لا تقتلنى قتلة إلا قتلك الله مثلها فى الآخرة، قال: أتريد أن أعفو عنك؟، قال: إن كان العفو فمن الله، أما أنت فلا براءة لك ولا عذر، قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه، فلما ذهبوا به ضحك، قال الحجاج: ردوه، فلما ردوه قال: ممَ ضحكت، فقال سعيد: تعجبت من جرأتك على الله وحلم الله عنك، فأمر الحجاج بنطع فبسط، وقال: اذبحوه.
لم يعش الحجاج بعد مقتل سعيد إلا ستة عشر ليلة مرض خلالها، وظل يردد: مالى ولسعيد بن جبير، كلما أردت النوم أخذ برجلى، ثم يأخذ بمجمع ثوبى، ويقول لى: يا عدو الله فيمَ قتلتنى، فيستيقظ الحجاج مذعوراً وهو يقول: مالى ولسعيد بن جبير.
اللهم إنى لا أملك غير أن أردد وراء عبدك بن جبير قولته: عجبت من جرأة الظلمة عليك ومن حلمك يا الله عليهم، اللهم لا تسلطهم على أحد من بعد خالد سعيد.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة