أسامة الزغبى يكتب: الريف المصرى ورخاوة الدولة

السبت، 05 سبتمبر 2015 01:13 ص
أسامة الزغبى يكتب: الريف المصرى ورخاوة الدولة الأراضى الزراعية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمدخراته القليلة تمكن أبى رحمه الله فى بداية السبعينيات وبمساعدة محمودة من أهله وأخرى متوقعة من سيدة أصيلة هى أمى رحمها الله والتى باعت كل ما تمتلك من قطع ذهبية، من أجل شراء قطعة أرض صغيرة فى أطراف قريتنا. شيئأ فشيئأ تمكن أبى من بناء الجزء الأكبر من الأرض وبنى منزلا صغيراً وأقام سوراً حول الجزء المتبقى والذى سوف تستخدمه أمى لاحقا فى تربية كل أنواع الطيور المنزلية كعادة أهل الريف حتى وقت قصير.

تركنا منزل الأسرة الكبير والذى كان يتشاركه أبى مع أعمامى وزوجاتهم وانتقلنا للعيش فى المنزل الجديد والذى كان يمثل مع بضعة منازل أخرى بقعة نائية ومنعزلة عن الكتلة السكانية للقرية الأصلية. نشأت أنا وأخوتى فى المنزل الجديد والذى كانت تحده أراض زراعية لا متناهية من جميع الجهات، وتظل تلك الأراضى والمياه تغمرها أو عندما كانت تأتى مواسم الحصاد ويجمتع الفلاحون بآلاتهم الزراعية البدائية فى ذلك الوقت للحصاد هى أجمل مشاهد طفولتى. كنا نتخذ من أجران القمح ملاعب ومن أكوام القش عند حصاد الأرز مخاىئ.

مع مرور الوقت وكان ذلك فى بداية الثمانيات ذهب الكثيرون لبلاد النفط ومدن الملح وغابوا عدة سنوات وبعودتهم ومعهم الكثير من الأموال والعادات والقيم الغريبة على مجتمعنا وفهما مختلفا للدين الإسلامى عن ذلك الذى اعتدناه فى مصر، كانت هناك حاجة ملحة لشراء الأراضى الزراعية من أجل بناء منازل جديدة، وبما أن معظم محافظات الدلتا حيث نشأت لا يوجد بها ظهير صحراوى، فكانت النتيجة الحتمية هى شراء أرضى زراعية خصبة ظلت تزرع لآلاف السنين. من هنا بدأ التغير الكبير والكارثى فى نفس الوقت.
ففى خلال سنوات قليلة خُطت شوارع ضيقة وكثرت المنازل من حولنا ولم يعد بيتنا منعزلا كما كان من قبل سنوات قليلة. عند حصولى على الثانوية العامة واضطرارى للذهاب للقاهرة لبدء دراستى الجامعية فى بداية التسعينات كانت لا تزال هناك مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية وكنت لاأزال أستطيع رؤية الرياح التوفيقى من شرفة منزلنا. لم تترك لى القاهرة رفاهية العودة المنتظمة للقرية سوى فى إجازات نصف العام ولأيام قليلة وتمكنت من إيجاد عمل فى أحد الفنادق فى الإجازات الصيفية وبالتالى تباعدت وطالت المدد التى أزور فيها القرية. وكنت فى كل زيارة أفاجأ بجديد قبيح ومؤذى للعين ومُدمر لذكرى جميلة من ذكريات طفولتى وشوارع تضيق أكثر فأكثر ولم أعد أستطيع رؤية الرياح التوفيقى من شرفة المنزل كما اعتدت فى الماضى.

ابتلعت الكتل الخراسانية معظم الأراضى الزراعية وأصبح أكبر شوارع الجزء الذى يقع فيه بيتنا والذى كان نائيا جدا عن الكتلة الرئيسية للقرية يوما ما، لا يتسع للدخول فيه بسيارة صغيرة.

أعتقد أن ماحدث فى قريتنا هو نفس ما حدث فى معظم إن لم يكن كل قرى مصر، وأرى أن رخاوة الدولة فى الحفاظ على الرقعة الزراعية يعد جريمة يحب ألا تسقط بالتقادم وكثير من المسئولين عن هذا الدمار لا يزالون على قيد الحياة. أتصور أن هناك من سيقول وماذا كان على الفلاحون أن يفعلوا، هل كان يتوجب عليهم ألا يستثمروا ما جلبوه من أموال فى بناء منازل لهم ولأبنائهم. بالطبع أنا هنا لأ ألوم على الفلاحين بقدر ما ألوم على الدولة التى لم تتدخل بمشروع إسكان ضخم يقوم على التوسع الرأسى لا الأفقى بمعنى تنظيم هدم البيوت القديمة التى كانت عبارة عن دور واحد ملحق به أماكن لتربية الطيور وأفران بلدية وإقامة مبان حديثة ذات أساسات تحتمل العديد من الأدوار. أعتقد أن الدولة مطالبة الآن وليس غدا بأن تتدخل للحفاظ على الجزء الصغير المتبقى من الأراضى الزراعية والمهدد بشدة من زيادة سكانية متسارعة وإلا فسوف نواجه كارثة محققة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة