حسنين كروم

أولاد حارتنا وألف ليلة.. وابتعاد القوى الدينية عن التشدد

الأحد، 23 مايو 2010 08:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أولاد حارتنا وألف ليلة.. وابتعاد القوى الدينية عن التشدد حسنين كروم طبعاً من حق الكثير من الكتاب والصحفيين والأدباء أن يثوروا بسبب البلاغات المقدمة من بعض المحامين وغيرهم ضد الهيئة العامة لقصور الثقافة والقائمين عليها، وعلى بعض إصداراتها لنشرها حكايات ألف ليلة وليلة. وأن يعتبروها واحدة من الموجات التى يشنها التيار الدينى المتشدد أو الظلامى ضد حرية الفكر والإبداع، واستعادتهم أحداثا سابقة مؤلمة مثل محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ. واغتيال صديقنا الكاتب فرج فودة. وما حدث بالنسبة لنشر رواية - وليمة لأعشاب البحر - والحكم الصادر ضد الدكتور نصر حامد أبوزيد. وضد صديقنا الموجود الآن فى أمريكا الدكتور أحمد صبحى منصور باعتباره زعيم القرآنيين. ومهاجم السنة النبوية الشريفة وأفكارها.

وغير ذلك.. من القضايا والمواقف مما لا تسمح المساحة بالإشارة إليها. لكن المهم أن هناك مبالغات فى ردة الفعل وتخوفات فى غير محلها ، وكان متوقعا أن يكون أكثر هدوءا. وثقة فى النفس. لأنها معركة لا يمكن اعتبارها ماسة بحرية الفكر والإبداع لعدة أسباب. منها أن من قدموا البلاغات لا ينتمون إلى تيارات دينية لها تأثير سياسى أو شعبى. فلا هم إخوان مسلمون أو جماعة إسلامية أو جهاد أو ينتمون لجمعيات دينية سنية سلفية أو صوفية. من التى تضم فى عضويتها الملايين. ولا من بينهم دعاة مشهورون لهم أتباع وأنصار.. ومنها أنها مجموعة ترى إما عن إيمان. أو بدافع الشهرة.. وجود ألفاظ وعبارات جنسية صريحة خادشة للحياء فقط. ومطالبها تنحصر إما فى حذفها من الطبعة. أو عدم إصدارها. وليست موجهة ضد مؤلف موجود تطالب بحبسه. وحتى لو كان ميتا لتهاجمه. لأنه غير معروف، ومنها كذلك أن أحدا لن تثيره هذه العبارات لو قرأها. أو تخدش حياء البنات والسيدات اللاتى يقرأنها. وإنما ستكون مدعاة للتسلية من الروايات مثلما تمتعوا بها عندما قدمتها الإذاعة من عشرات السنين. أو قدمها التليفزيون بعدها.

وأنا لم أقرأ طبعة الهيئة العامة لقصور الثقافة. وإنما قرأت من سنوات طويلة مضت الطبعة القديمة الأصلية كاملة فى أربعة أجزاء. والحكايات والروايات الجنسية الواردة فيها كانت تثير الغرائز فى الثلاثينات والأربعينيات وحتى الخمسينات من القرن الماضى. أما لو قرأتها بنات ونساء اليوم فسيضحكن منها وتثير سخريتهن. وكذلك الشباب لأنها غير معقولة. وأبطالها كاذبون.. فمثلا أذكر فى إحدى الروايات. أن رجلا كان ذات يوم مارا بالقرب من أحد البيوت.

فسمع امرأة تشكو من معاناتها الجنسية وعبرت عنها بالشعر. وقال إنها ضربت بيدها على فرجها وتنهدت تنهد الحزين الآسف الباكى وقالت. يا مسلمون. أمة تفوح.. »وذكرت العضو التناسلى«.. وأكملت وتغيث الآسف الشاكى فانقض من تحت الغلالة قائما »وذكر اسم عضوه التناسلى« وأكمل. وقال لها.. اتاكِ. اتاكِ. وغدوت أرهزها رهزا لطيفا لا يضر بالأوراك. ولما قمت عنها بعد سبع أو ثمانية قلت لها هناكِ. »وذكر الاسم العامى للعملية الجنسية. وأكمل. فقالت. هناكى.. هناكى..

طبعا لا يمكن أن تصرخ امرأة وهى فى بيتها ويسمعها المارة من أزمة جنسية طالبة العون والمدد لمواجهتها من المسلمين الأتقياء.. ويسمعها هذا الكذاب الأشر وينقذها. مما هى فيه. وهو كذاب بسبب عدد المرات التى قال إنه ضاجعها فيها لدرجة أنه لا يستطيع أن يحصيها بسبع أو ثمانية، وهو لا يقدر عليه عنترة أو من هو أشد بأسا منه. ولأن الفياجرا لم تكن متاحة لهم. وحتى لو كان لديهم ما ماثلها. فالعدد الذى تحدث عنه مستحيل تحقيقه. فمن من شباب وشابات اليوم تخدش حياءه وتثيره مثل هذه الروايات والألفاظ وهو يشاهد على شبكة النت وغرف الشات والموبايلات والقنوات الفضائية والسيديهات عمليات جنسية فى أى وقت يريده؟

وبالتالى. فهذه المعركة لم تثر أى اهتمام جماهيرى أو سياسى ودينى ولأن هناك تحولا هاما حدث لدى الرأى العام المصرى. بحيث لم يعد حساسا لمثل هذه الدعوات. بل وللدعوات الأخرى الأخطر التى تعتبر العمل الأدبى ضد الدين، وهو ما لا يتوافر بالنسبة للبلاغات المقدمة ضد ألف ليلة. وهو تطور نلمسه من التطورات التى مرت على رواية أولاد حارتنا. فكلنا يذكر أن الأهرام عندما كان أستاذنا الكبير محمد حسنين هيكل رئيس تحريرها، بدأت نشرها مسلسلة عام 1959 وأحدثت ضجة هائلة وثورة علماء الدين.

واتهموا نجيب محفوظ بأنه يشبه الله بالجبلاوى وشخصيات الرواية بآدم وحواء والأنبياء. وتشكلت لجنة بطلب من الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر لوضع تقرير عنها. كان أبرز أعضائها المرحوم الداعية الشيخ محمد الغزالى. أدانت الرواية. وكان الحل هو استمرار نشر حلقاتها. وأخذ هيكل هذه المسئولية على عاتقه مع عدم طبعها فى كتاب.

وطبعت الرواية فى العاصمة اللبنانية بيروت. وكان يتم تهريبها إلى مصر. وتعرض محفوظ بسببها لمحاولة اغتيال. وتحديا لقرارا منعها أخذ زميلنا وصديقنا الكاتب عبدالعال الباقورى عندما كان رئيسا لتحرير صحيفة الأهالى الناطقة بلسان حزب التجمع على عاتقه مسئولية نشرها فى ملحق وزع مع أحد أعدادها. ومرت العملية دون ضج. ثم قامت دار الشروق بطبعها فى مصر ولم يحدث شىء. صحيح أنه حدثت ردود أفعال كانت أقرب إلى المناوشات والنقاش الهادئ. لكن القوى الدينية لم تحولها إلى معركة. ولو نحن قارنا موقفها هذا بمواقفها السابقة ومن رواية وليمة لأعشاب البحر لأدركنا مدى التحول الكبير الذى حدث. فالإخوان المسلمون - على سبيل المثال - الذى قام مرشدهم الثالث المرحوم عمر التلمسانى بالهجوم على فوازير رمضان التى كانت تقدمها فى التليفزيون الفنانة نيللى ومطالبته بإلغائها فى الثمانينات من القرن الماضى. تغير موقفهم تماما نحو الأخطر، وهو أولاد حارتنا، بالإضافة إلى أنه دارت معارك ضارية بين الإسلاميين أنفسهم. وتبادل الاتهامات. سواء بسبب كتاب الدكتور عبدالصبور شاهين عن آدم. أو ما سبقه من كتاب الشيخ محمد الغزالى عن السنة النبوية وأهل الحديث. أو بين شيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى عندما كان مفتيا وبين شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق على جاد الحق. وبين طنطاوى وقطاع عريض من علماء الدين وأساتذة جامعة الأزهر وجبهة علماء الأزهر. وهذه المعارك التى تخللها تبادل الكثير من الاتهامات. وكانت أكثر ضراوة من المعارك ضد روايات الأدباء أو غيرهم.. أبعدت أنظار التيار الدينى عن المثقفين.

والمثقفون بدورهم لاحظنا أن قطاعات عريضا منهم رفض اعتبار المعارك التى فجرتها الدكتورة نوال السعداوى وسيد القمنى معارك تخصهم. أو لها علاقة بحرية الفكر. وانسحب هذا الموقف أيضا على الحكم الصادر ضد زميلنا وصديقنا الشاعر عبدالمعطى حجازى وصديقنا الدكتور جابر عصفور. لصالح صديقنا الشيخ يوسف البدرى. واعتباره خاصا بحرية الفكر. لأنه حكم تعويض مالى وقضية سب وقذف. ما أريد أن أنتهى إليه.. أن المعركة حول ألف ليلة فيها مبالغات. وأن المجتمع المصرى يخطو خطوات أوسع بعيدا عن التشدد.. والله أعلم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة