مجد خلف تكتب: وليس الذكر كالأنثى

الأربعاء، 12 مايو 2010 02:45 م
مجد خلف تكتب: وليس الذكر كالأنثى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ خلق الله الأرض ومن عليها وُجد هذا السؤال الأزلى: هل المرأة كالرجل، أم أنها أقل شأنا؟ وهل خلقت لخدمة الرجل وراحته كما يتصور البعض؟ وهل هى فعلا ناقصة عقل ودين؟

لم تكرم المرأة أبدا قبل نزول القرآن، وقد ظلمت ولاتزال فى الغرب والشرق، وكانت فى معظم الحضارات التى سبقت الإسلام تعامل معاملة مهينة، فلا رأى لها ولا كيان مستقل، ولا حق لها فى إرث، بل كانت تعتبر متاعا يورث؛ تـُباع وتـُشتـَرى أو تهدى كمحظية إلى علية القوم..

وعندما تنزّل القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ رفع من شأنها وكرمها، ونزلت آياته تحث على حسن معاملة النساء منها قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) - النساء 19، ثم أنزل الله عز وجل من القرآن ما يُتلى حتى تقوم الساعة ما أنصف المرأة وأعطاها نفس الحقوق التى كانت حكراً على الرجل، الحق فى أن تعمل، والحق أن تختار زوجها بعد أن كانت تزوَج قسرا رغم إرادتها، وحقها فى أن تتعلم، حقها فى أن ترث، حقها فى طلب الطلاق عند استحالة العشرة، وحقها فى أن تكون لها ذمة مالية منفصلة ، وكل هذه الحقوق تحصل عليها وتعمل ما وجب عليها بالمعروف ، قال تعالى: (ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) البقرة 228 .

إن هذا الاهتمام الفائق بالمرأة مرجعه إلى كونها المحور الأساسى فى تكوين الأسرة السليمة التى يبدأ حُسْن إنشائها عند المرأة ، وما لم تحصل على حقوقها؛ ستبقى لديها مشاعر الحرمان والذل والقهر ولن تستطيع أبدا بناء أسرة سليمة، ففاقد الشيء لايعطيه ، والأسرة أصل المجتمع، وهى المنشأ والمحضن الطبيعى لتنمية الأجيال وبناء عقولها وأرواحها ، وهى الأساس فى حماية النشء من الزلل ووقايته من الوقوع فى مهاوى الفساد بأنواعه إن كانت مبنية على أسس سليمة من التقوى والإيمان، وهذا يدلنا على أن الإسلام اعتبر المرأة إنسانا كامل الأهلية وليس ناقصها كما يدعى البعض افتراء وزورا، لما لها من دور رئيسٍ فى بناء سليم للأسر والمجتمعات..

وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم آيات الذكر الحكيم فى حسن معاملة النساء والإعلاء من شأنهن على نسائه ونساء عصره باعتباره معلم الإنسانية الأعظم، فكان خلقه فى بيته القرآن كما قالت عنه السيدة عائشة رضى الله عنها، وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى) ، حتى شهد به خالقه: (وإنك لعلى خلق عظيم ) - القلم 4 .

وكانت النساء على عهده صلى الله عليه وسلم تعملن، كما نعرف عن السيدة خديجة رضوان الله عليها أنها عملت فى التجارة وكانت السيدة عائشة رضى الله عنها تشرح للنساء ما غمض عليهن من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى لقبت بفقيهة النساء الأولى، وكانت أعمال النساء آنذاك من تجارة أو طبابة النساء ، أو شرح وتفسير كعائشة ؛ ليس فيها مايشغلهن عن وظيفتهن الرئيسة والأهم ؛ وهى إعداد النشء كى يربو فى بيئة خالية من المفاسد والعيوب والمصائب التى نرى الكثير منها فى زماننا عندما تركت الأمهات بيوتهن جريا وراء وهم أسموه تحرير وتمكين المرأة..

وهذا والله هو خراب مستعجل للمرأة ولأسرتها، أو متأخر، فلا هى تعمل بإتقان فى وظيفتها لانشغال بالها على أبنائها، ولا هى تملك وقتا يعينها على التفانى والإخلاص لتأسيس أسرتها تأسيسا قويما، وهذه ليست كما قد يتصور البعض دعوة للمرأة بالرجوع إلى البيت، فكل امرئ له مطلق الحرية فى أن يعمل أو لا يعمل، ولكنها دعوة للتفكير مليا فى ماذا سيفيد المرأة إن عملت ؟ وهى مشتتة التفكير بين العمل وتحقيق الذات وترك أسرتها تغرق فى تربية الخادمات (إن وجدن) أو بيوت الحضانة المنتشرة فى ربوع مصر، كى ترمى الأم طفلا لم يتجاوز عمره عاما أو عامين فى عُهدة من لايهمهن - مثلها - سوى جنى المال، أو قضاء الوقت بعيدا عن مسئوليتهن الجسيمة فى بناء المجتمع .

إن أى فساد فى المجتمع كبُر أو صغـُر أساسه ترك المرأة لبيتها وأبنائها دون وعى منها أنها خلقت من أجل أن تبنى ، لا أن تكون معولا يتسبب فى هدم القيم والمجتمع . وإن أرادت المرأة أن تعمل فلتصبر حتى تنتهى مهمتها الأسمى والأجل وهى بناء أسرتها على أسس سليمة قويمة متينة تبنيها بيدها ولا تتكل على غيرها لإنجاز وإتمام هذه المهمة الجليلة، إن أحبت أن تعمل بعد إتمام بناء أسرتها فلتعمل لا لوم عليها ولا تثريب.

قد لا يعجب هذا الرأى الداعيات إلى تحرير المرأة، وسيعتبرن أن جلوس المرأة فى بيتها كى تبنى أسرتها هى دعوة رجعية، ولتنظر هاته النسوة إلى قريناتهن الأوروبيات اللاتى يطالبن النساء المتزوجات ويناشندهن بالعودة إلى بيوتهن ، بعدما أدركن أن عمل المرأة ليس تحررا ، بل هو لعنة وتضحية بالأطفال رصيد المستقبل البشرى ، مقابل ماذا ؟ مقابل زيادة فى دخل الأسرة لا تكاد تذكر ولاتستحق هذه التضحية الغالية بالأبناء ومستقبلهم .

إن من شروط نجاح الإنسان فى عمله أن يكون متقنا له ، مخلصا فيه، منكبا عليه بكل تركيز وتفان وحب ، ولا ننسى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه) ، وعمل المرأة المتزوجة أيّا كان نوعه ، من طب أوهندسة أو فضاء أو قضاء ، أو أى عمل آخر (وبخاصة ما يحتاج من الأعمال لصفاء الفكر والذهن ؛ كالحكم بين الخصوم فى ساحات القضاء) ، لايمكن أن يكون متقنا ، فنصف عقلها مشغول بأبنائها وزوجها وبيتها.

ربما لن تظهر نتائج عدم إتقانها لعملها خارج البيت أو داخله فوراً وقد تظهر لاحقا ، حينها سيكون السيف قد سبق العزل ، ولن تعود بها السنون لكى تصلح ما دمرته بيديها وهى واهمة.

ونذكر هنا قول امرأة عمران أم مريم عليها السلام ، عندما توجهت إلى خالقها بأن نذرت ما فى بطنها خالصا لربها محررا من كل قيد ، ولقد كانت فى قرارة نفسها تنتظر ولدا ذكرا ، فالنذر فى المعابد لم يكن إلا للصبيان حتى ينقطعوا عن كل شىء إلا العبادة والتبتل، ولا تستطيع الأنثى بما خلقت عليه من بنية رقيقة ، أن تنهض لهذه المهمة الصعبة ، فقالت رضى الله عنها: (فلما وضعتها قالت إنى وضعتها أنثى و الله أعلم بما وضعت و ليس الذكر كالأنثى ) - آل عمران 36 , إذ إن هناك من الأعمال ما لا تستطيع الأنثى القيام بها ، وليست مكلفة بها رغم قدسيتها ، لأن مهمتها فى بناء الأسرة تماثل التعبد والتبتل قدسية.

وجدير بالذكر أن الدراسات الحديثة التى أجرتها جامعة ستانفورد قد أثبتت أن المرء ؛ رجلا كان أو امرأة ؛ إذا كان له أكثر من عمل لا يمكن أن يبرع فى أحدهما ولا أن يتقنه، وبقاء المرأة فى بيتها لبناء أسرتها لا يحط من شأنها بل هو إعلاء وتكريم لها، وإبراز لأهمية دورها فى تنمية المجتمعات، وهذا ينبع من فهمها لدورها الهام الذى خلقت من أجله، والله من وراء القصد ..

*سورية مقيمة فى مصر








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة