أحمد الطاهرى يكتب: الشوارع الخلفية فى الحركة الدبلوماسية.. الحركة الجديدة اعتمدت على شعار الكفاءة واتسمت بجرأة كبيرة.. والقاهرة تستعد لمرحلة جديدة من العلاقات مع واشنطن

الإثنين، 22 يونيو 2015 12:51 م
أحمد الطاهرى يكتب: الشوارع الخلفية فى الحركة الدبلوماسية.. الحركة الجديدة اعتمدت على شعار الكفاءة واتسمت بجرأة كبيرة.. والقاهرة تستعد لمرحلة جديدة من العلاقات مع واشنطن أحمد الطاهرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بالأمس اعتمد الرئيس عبدالفتاح السيسى حركة التنقلات العامة لسفراء ورؤساء بعثات مصر الدبلوماسية.. وهى ما تعرف باسم الحركة الدبلوماسية.. من ناحية الشكل هو إجراء اعتيادى يجرى كل عام.. ولكن المدقق فى الأسماء التى شملتها الحركة الدبلوماسية وخريطة توزيع المواقع والتى جرت بدقة وامتياز يجعل هذه الحركة تسحب وصف الاستثنائية وإن خرجت فى قرار قد يبدو روتينيا للبعض.

هذه الحركة شملت عواصم مؤثرة فى صناعة القرار العالمى.. وبداخلها دول تحتضن نصيب الأسد من جالياتنا فى الخارج.. ومعها عادت معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية إلى نقطة الثبات الكامل.. أما إطارها العام هو الدفع بجيل دبلوماسى مميز على درجة كبيرة من الحرفية والانضباط فى بعثات محورية بما يؤكد أن صانع القرار الدبلوماسى المصرى ومخطط السياسة الخارجية المصرية يملك استراتيجية ورؤية ويعرف أين يضع خطواته.

ولكى نكون أكثر وضوحا هذه الحركة فى تقديرى اعتمدت شعار الكفاءة اولا واتسمت بجرأة تؤكد استقرار الوضع المؤسسى داخل الجهاز الدبلوماسى المصرى وعدم خضوع وزير الخارجية لأى مؤثرات خارجية، ففى التاريخ القريب كان الراى العام عنصر ضاغط على وزراء الخارجية بعد 25 يناير ودفع ثمن ذلك كفاءات تمت الإطاحة بهم إرضاء لبعض كتاب الرأى! بل أكثر من ذلك ظهرت نماذج غريبة على العرف الدبلوماسى المصرى كانت تشكل ما أشبه باللوبى الاعلامى لكى تضغط على وزراء سابقين لكى يتم نقله هنا أو هناك.. وأشياء من هذا القبيل التى من الممكن تصورها فى فترة عدم الاتزان التى شهدتها مصر بعد 25 يناير وأن كانت تظل وزارة الخارجية أحد الأعمدة الرئيسية فى مؤسسات الدولة التى حافظت على نفسها كثيرا من محاولات الهدم.

وبالعودة إلى الحركة الدبلوماسية الأخيرة سنجد الاسم الأول الذى يستدعى التوقف عنده هو السفير ياسر رضا، مساعد وزير الخارجية لشئون مكتب الوزير، والذى تم ترشيحه ليكون سفيرا لمصر لدى واشنطن.

هذا الاختيار يعكس أولا أن القاهرة تستعد لمرحلة جديدة من العلاقات مع واشنطن وتم اختيار سفير مخضرم لهذه المهمة والذى من المقرر أن يبدأ عمله فى الخريف المقبل بالتزامن مع استعداد إدارة أوباما للملمة أوراقها.

السفير ياسر رضا وهو بحكم المنصب كان يصنف على أنه الرجل الثانى فى وزارة الخارجية يملك من الأدوات والقدرات ما يمكنه من أحداث طفرة وجيزة فى العلاقات المصرية الأمريكية وخلال فترة زمنية قصيرة وأعتقد أنه فور إبلاغه بالترشيح للمهمة بدأ إعداد خطة عمله التى سيحددها له خطاب التكليف.

أزمة مصر فى التأثير داخل عملية صنع القرار فى الولايات المتحدة ظهرت بوضوح بعد ثورة 30 يونيو، ففى واشنطن دوائر أربعة تؤثر فى صنع القرار تبدأ من مراكز الأبحاث ثم وسائل الإعلام ثم الكونجرس وأخيرا الإدارة الأمريكية ومؤسساتها وأجهزتها.. مصر كانت تعمل على محورين وهما الكونجرس والإدارة وغير قادرة على الوصول لمراكز الأبحاث وغير قادرة على التواصل مع الإعلام فى حين كان خصوم مصر ممثلين فى الإخوان وحلفائهم سواء قطر أو تركيا يعملون على إحداث التأثير فى المحاور الأربعة.

أعتقد أن هذه الخريطة واضحة المعالم أمام السفير ياسر رضا والذى بات عليه أن يحدث اختراقا مصريا فى المحاور الأربعة وهى مهمة شاقة ولكن فى تقديرى إنها أسندت لكفاءة دبلوماسية قادرة عليها.

أما الاسم الثانى فى الحركة وهو السفير بدر عبد العاطى، المتحدث باسم وزارة الخارجية، والذى تم ترشيحه للعمل سفيرا لمصر لدى برلين، وقد لا يعرف البعض خارج الوسط الدبلوماسى خبرات السفير عبد العاطى السابقة والتى تجعله دبلوماسيا مميزا له باع فى ملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، وتولى هذا الملف أثناء عمله فى سفارتنا فى بروكسل والدفع به إلى ألمانيا والتى تعد قاطرة الاتحاد الأوروبى الاقتصادية ودولة لها كلمتها فى صنع القرار الأوروبى يعكس أن مصر تريد دفع قوى وحركة سريعة فى العلاقات مع برلين.. وأن مصر لا تريد مجرد التمثيل الدبلوماسى النمطى وإسناد هذه البعثة لسفير على حافة التقاعد مثلما كان يجرى العرف فى السابق ولكن على العكس تم الدفع بسفير محسوب على جيل الشباب، وهو الأمر الذى اثبت نجاحه فى الحركة الدبلوماسية الماضية بدفع السفير إيهاب بدوى إلى باريس وفى الحركة الدبلوماسية التى سبقتها بدفع السفير محمد البدرى إلى موسكو.

أما المحطة الثالثة فى الحركة الدبلوماسية فهى ترشيح السفير حازم خيرت، مساعد وزير الخارجية لشئون السلك الدبلوماسى والقنصلى، ليكون سفيرا لمصر لدى تل أبيب، والسفير حازم خيرت اسم دبلوماسى له رونقه سبق له العمل سفيرا لمصر لدى تشيلى، ومن قبلها كان مندوبا لمصر لدى الجامعة العربية، ومن قبلهما سفيرا لمصر لدى سوريا.. وقبل بضع سنوات كان قد طرح اسم السفير حازم خيرت فى اروقة صناعة القرار الدبلوماسى ليتولى المهمة نفسها وهى الدفع به إلى تل أبيب ولكن لم يطرح هذا الترشيح إلى العلن ولكن يبدو أن الفكرة ظلت مستقرة لدى دوائر صنع القرار الخارجى المصرى.

وبإعلان خبر ترشيح السفير حازم خيرت إلى تل أبيب تكون معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عادت إلى نقطة الثبات الكامل بعد استدعاء السفير المصرى من تل ابيب احتجاجا على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام.

ومن مفارقات القدر أن السفير حازم خيرت هو حفيد محمد خيرت قنصل مصر فى القدس فى ثلاثينات القرن الماضى عندما كانت القدس بين يد أهلها الفلسطينيين، والذى يعد جواز سفره وثيقة تاريخية فى حد ذاته تثبت السيادة الفلسطينية على القدس حتى فى فترة الاحتلال البريطانى.

وشملت الحركة الدبلوماسية أيضا سفراء لمصر فى كل من الرياض وأبوظبى والكويت وهى الدول التى تحتضن الغالبية العظمى من جاليتنا فى الخارج فضلا عن كونها تمثل عمقا استراتيجيا لمصر الذى أصبح أمنها القومى مرتبطا بشكل مباشر بأمن منطقة الخليج العربى.

ففى الرياض تم ترشيح السفير ناصر حمدى وهو يملك خبرة مميزة فى القطاع القنصلى، وفى الإمارات تم ترشيح السفير وائل جاد، وفى الكويت تم ترشيح السفير ياسر عاطف.

واتصالا بالأمن القومى المصرى شهدت الحركة ترشيح سفير جديد لمصر لدى أديس أبابا وهو السفير أبو بكر حفنى خلفا للسفير محمد إدريس، ويذهب السفير حفنى إلى إثيوبيا بواقع جديد بعد الاختراق الذى تحقق فى العلاقات المصرية الاثيوبية والانتقال من نقطة الصدام إلى نقطة الحوار والتعاون وهو الأمر الذى تحقق بإرادة مباشرة من الرئيس السيسى وجهد مميزة من السفارة المصرية فى إثيوبيا.

ويتبقى ترشيح السفير علاء رشدى سفيرا لمصر لدى البرازيل خلفا للسفير حسام زكى والذى يعود إلى الديوان قبل عام من انتهاء مدته فى البرازيل، ولم يعلن عن ترشيح السفير حسام زكى لبعثة أخرى ونقله من الخارج إلى الخارج، وهو ما يعنى عودة السفير زكى إلى الديوان العام فى القاهرة.

ومن وجهة نظرى تعد عودة السفير حسام زكى، والذى سبق وشغل منصب المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، ومن قبله كان متحدثا باسم الجامعة العربية، فضلا عن توليه ملف إسرائيل فى مكتب وزير الخارجية الأسبق وأحد أهم مهندسى ملف المصالحة الفلسطينية فى وقت مضى، مكسبا للإطار المؤسسى العام فى الجهاز الدبلوماسى وإضافة حقيقية أيا كان الموقع الذى سيشغله فى الديوان العام.

وأخيرا.. لم يتسع المجال للحديث عن كل السادة السفراء الذين شملتهم الحركة وفى السطور السابقة سجلت قراءتى للحركة الدبلوماسية والتى أثبتت من وجهة نظرى أن وزير الخارجية سامح شكرى رجل دولة بامتياز يضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة