أمانى ناجى تكتب: هكذا فهمت الحب وفهمته شجرة الدر

الخميس، 29 أبريل 2010 10:16 م
أمانى ناجى تكتب: هكذا فهمت الحب وفهمته شجرة الدر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سبقتنى شجرة الدر حين حكمت مصر، نسيت أو تناست أنها امرأة لا تستطيع أن تتحكم فى مشاعرها أو تسيطر على عضلات وجهها حين تغضب أو تعرف أن عز الدين أيبك يجلس عند زوجته (أم على) فتشتد غيرتها وتذوب مشاعرها وتكرس كل جهدها فى الاستبداد بكليهما، نعم الحب وحده هو رمز الاستبداد عند البشر، فالمحب دائما مستبد والعاقل دائما لا يحب، والحرية دائما تناهض الحب، وبما أنى مجنونة ومحبة لكل الأرض فقد قررت ترشيح نفسى لمركز (حاكمة العرب) "آه، نسيت أن أذكرك – عزيزى القارىء – أن شعوب الدول العربية قد اتفقوا على توحيد دولهم واختيار حاكم واحد أو حاكمة لهم، حيث لا تنازع ولا جامعة عربية ولا وزراء ولا أى صيغة جمع، فصيغة المفرد ستحل محل أى جمع، وبذلك يضعون الحل الأمثل– من وجهة نظرهم- للقضاء على الفرقة والتشرذم، متمنين العمل سويا على بناء دولة عربية كبرى تخلصهم مما هم فيه من فرقة وفقر وخراب"، المهم رشحت نفسى لهذه الانتخابات وبعد حرب ضروس مع المرشحين الآخرين نجحت، وكيف لا أنجح وكل جزء فى شخصيتى يمثل جزءا من أرض العرب فماء نيل مصر والسودان يجرى فى عروقى، وعيناى المتطلعتان دائما إلى المستقبل نسخة من أعين فينيقيى بلاد الشام، وهامتى مرفوعة تأبى الإذلال كنخيل الخليج، وأصولى البربرية تجعلنى الأصلب والأصعب بين البشر، ولغتى العربية تجمع بين كل هؤلاء.

صحيح أننى لست الأفضل بين المرشحين ولكننى كنت الأقدر على خداع هذه الشعوب صارفة أبصارهم عن هويتى ولونى ودينى، فالعاطفة وحدها من سيحدد من سيفوز ومن سيخسر، العاطفة وحدها هى من يملأ صناديق الاقتراع، ولغة القلب تناهض مفهوم السعى الى الحرية والعيش الكريم، فالمرء قد يعيش طيلة حياته ذليلا لمن يحب مستمتعا بهذا الحب والاستبداد.

أقنعتهم بأن الحب وحده سيبنى ويعمر ويعيد المجد القديم واستشهدت على كلامى بروايات لرواة بلهاء كانوا يقولون لنا "إن بلادنا جميلة رغم عتاقة عهدها وبعدها عن الحضارة قدر الآلاف من السنين الضوئية" وبالفعل صدقوا روايات الراوى الأبله الذى حكى لى أن بلادى كانت جميلة قبل أن ينهشها الوحش وحتى بعد أن نهشها استمر الناس فى مناداتها بالجميلة وإن كان لايبدو عليها أى جمال، فقد مات الجمال وانتصر القبح، وماتت الجميلة وانتصر الوحش، ماتت الروح وبقى الجسد فانيا متعفنا.

ومع ذلك ومع كل ما رأوه وعرفوه وعهدوه، صدقونى حينما قلت لهم أنهم لابد أن يكونوا العشاق الذين يزودون عن محبوبتهم كل عدوان ويدفعون عنها كل قبح، ويوردون إليها كل أسباب المدنية والحضارة، ولكنهم لم يفهموا أن معشوقتهم هذه جاهلة متخلفة متسخة مهزومة تستنجد بعشاقها فلا تجد من يجيب فجمالها ذهب وذهب معه العشاق, فالبشر لا يحبون القبح وطالما أصبحت قبيحة فليهجرها العشاق بينما تظل هى وحيدة مستكينة يعبث بها كل جبان محب للقبح.

طالما هاجر العشاق أو قتلهم الحب (أقصد الاستبداد) فلم يبق إلا المستبدون (أقصد المحبون) أمثالى الذين يعشقون هذا الوطن ويستبدون بأهله.

لا أعلم إن كانت شجرة الدر تقصد بحبها "استبدادها" قتل كل من قتلت، ولا أعلم ماذا كانوا يقصدون حين قتلونى ولا ذنب لى فهكذا فهمت الحب وفهمته شجرة الدر فهمناه من تاريخ ابائنا وأجدادنا.
هل أخطأت حين أحببتهم؟ هل أخطأت حين قصدت بحبى لشعبى أن لا يخرج عن طوعى؟ قد تكون الإجابة نعم، فالحب قهر وظلم واستبداد، فعندما نحب فإننا نريد ممن نحبهم أن يتبعون أهواءنا لا أهواء أنفسهم ولكنى لم أخطىء فقد أحببتهم.

أمرتهم بالصمت وعدم علو الصوت، فالمحب لا يعلو صوته فوق صوت حبيبه ولا يوجه له اللوم، والمحب لا يعارض حبيبه ولا يتمنى زواله، والمحب لا يشكو بل لابد أن يشكر الله دائما على نعمة هذا الحبيب والمحب لا يستنجد بعدوه كى يقهر حبيبه، والمحب يجوع كى يشبع حبيبه، ويعرى كى يكسى حبيبه، ويتعب كى يرتاح حبيبه.

أم أن الحكم الرشيد- كما يريدون– هو أن أتركهم يرفعون أصواتهم فوق صوتى ويعملون دون توجهاتى وينقمون علىّ عيشتى ويسخطون علىّ وعلى حاشيتى– الذين أبغضهم فلا أستطيع الاستبداد بهم؟
هل أخطأت شجرة الدر حين أرادت الحب والحكم معا؟- وفى داخلها- هل أرادت أيبك أم عرش مصر؟
لا أعلم فلربما الاثنين سواء، فقد استبدت بهما جميعا وخسرت– فى نهايتها- أيبك وعرش مصر وحياتها.

أثكلها أيبك حين فضل أخرى عليها وقتلها المصريون حينما كرهوا هذا الحب، وقتلنى شعبى حين نزع منى ملكى لم يعلموا أن التاريخ سيذكرنى كما ذكر شجرة الدر وكليوباترا وكل رموز الحب، سينسى أيبك والمصريين وضحايا الحروب وسيذكرنى وهتلر وموسولينى ونابليون والإسكندر الأكبر وكل هؤلاء المحبين.

وأخيرا.. أفقت من أضغاث أحلامى هذه التى جمعتنى بكل هؤلاء المحبين ذوى النهايات المأسوية واستيقظت على أصوات عائلتى، أبى ينهر أمى وأمى تنهر أختى وأختى تنهرنى، فأدركت حينها مدى حبهم لبعضهم البعض، وتحسرت على نفسى التى لم تستطع أن تبادلهم نفس المشاعر فالحب عندى فى الأحلام وفقط، لأننى أبغض الاستبداد وأفضل الحرية والتمرد والثقة، وتحسرت أيضا لأن حلمى لم يتحقق بلم شمل وجمع هذه الشعوب على كلمة واحدة، وعرفت سر هذه الفرقة وهو الحب المتبادل بين هذه الشعوب وحكامهم وزعمائهم وشعرت بمدى خطأ شجرة الدر وأمثالها ممن أحبوا وافتخرت بنفسى أنا الكارهة الحرة الرافعة لشعار (فليحيا الكره وليسقط الحب.. ولتسقط الجميلة وليحيا الوحش).








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة