طه أمين يكتب: الجيتو.. خطر الانفجار من الداخل

الخميس، 16 أبريل 2015 06:02 م
طه أمين يكتب: الجيتو.. خطر الانفجار من الداخل ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتشر "الجيتو" فى أوربا وبالذات فى ڤينسيا بإيطاليا فى منتصف القرن السابع عشر.. والجيتو ghetto إو gheto هو مصطلح يشير إلى منطقة تعيش بها أقلية عرقية أو دينية لأسباب اجتماعية من بينها الضغط الاجتماعى أو الدينى أو الطائفى أو الاقتصادى.. فيفضل عدد من السكان ذوى الانتماء الواحد الانعزال عن المجتمع فعليا وجسديا، وذلك من خلال العيش معا فى أماكن مغلقة عليهم يتعاملون فيها مع بعضهم البعض اجتماعيا بالزواج من داخل الجيتو أو اقتصاديا بالمتاجرة فيما بينهم.. أو ثقافيا من خلال انغلاقهم فى التعليم والتعلم وحتى النقاشات حول كل الموضوعات مع بعضهم البعض.. وقد عرفت المجتمعات العربية الجيتو فى كثير منها بالذات فى المغرب ومصر والعراق، حيث انتشرت الطائفة اليهودية التى انغلقت على نفسها تماما طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وعرفت أماكن تجمعاتها فى المدن الكبرى باسم حارة اليهود.

ومع مرور الزمن اختفت ظاهرة الجيتو من الواقع الجغرافى المعاش لتنتقل إلى الواقع النفسى والثقافى.. فتحولت المجتمعات إلى الانغلاق على نفسها لأسباب سياسية أو طائفية حتى داخل الدين الواحد.. فتجد الشيعة فى المجتمع السنى يختلقون جيتو اجتماعيا وثقافيا خاصا بهم فلا يتعاملون مع السنة إلا فى أضيق الحدود.. بل وتخطت الظاهرة ذلك لتصل إلى الواقع السياسى.. فكل جماعة ذات منظور سياسى مختلف تنعزل وتنغلق على نفسها.. ولا تقبل من "الآخر" إلا التحيات أو المجاملات أو فى أقصى الأحوال، التهليل والتمجيد الذى لابد أن يصل إلى حد التمجيد والانبطاح الكامل أمامها.. وهنا يصبح الجيتو ليس فقط انعزالا اجتماعيا، إنما يصبح حالة نفسية ديكتاتورية يعيش فيها جماعة من الناس تنظر للاخرين بعدائية وتعال فى نفس الوقت.. ولا تقبل منها إلا الانبطاح الكامل كى تتسامح معها وتنفى عنها جريمة الاضطهاد الدينى أو الاجتماعى.. وتصبح تلك الحالة "الشوفينية" هى بوابات حارة اليهود التى تنعزل داخلها تلك الجماعة.. ويصبح المجتمع ليس فقط "الآخر" المختلف، ولكنه يصبح "الآخر الأدنى أو الآخر المجرم" الذى يجب البحث عن طريقة لتركيعه أو تتم مقاطعته.. وتنتشر ثقافة "تضخيم" الأحداث الفردية لتصبح وكأنها واقع يومى معاش، ثم يتم تضخيم الأحداث الإيجابية التى يقوم بها أفراد من مجتمع "الآخر" وكأنها "نوادر تاريخية" لم تحدث من قبل.. ليصبح الأمر فى النهاية تسجيلا وتأريخا لواقع غير موجود يسوقه أهل الجيتو ويقتاتون عليه حتى يصدقوا فيه أنفسهم ويتعاملون على أساسه، والجيتو النفسى يكون أخطر على المجتمعات من الجيتو الجغرافى.. فالجيتو الجغرافى هو واقع معاش يمكن التعامل معه بدراسته أو بإصلاحه أو تغييره.. أما الجيتو النفسى هو تصور لطائفة أو جماعة عاشت مع نفسها وتناقشت مع نفسها وقررت مع نفسها فى مونولوج نفسى داخلى أن تنتهى إلى الانعزال.. لتتعدد حارات الجيتو النفسى على أسس سياسية أو طائفية ويعيش المجتمع حالة من التفت التى تجعل الجميع على شفا حفرة من الاقتتال فى أى لحظة ليس دفاعا عن وطن وإنما دفاعا عن حالة انعزال نفسى هى فى تصور أصحابها السور الأخير للحماية.

إننا نحتاج إلى مزيد من الصراحة فى الوقوف مع الذات للاعتراف بأننا جميعا أصبحنا فى مجتمعاتنا العربية نفضل الانعزال النفسى الميال إلى فكرة الجيتو.. ونحتاج إلى مزيد من الصراحة والشجاعة مع النفس كى نبحث عن حلول تقترب إلى حد إعادة التأهيل النفسى لمجتمعات بأكملها حتى تخرج من هذه الحالة.. لتبتعد المعالجات عن الأكلاشيهات المحفوظة عن الحرية السياسية أو حرية التعبير أو قبول الآخر أو التسامح الدينى.. لتنتقل إلى حديث صريح من علماء النفس يوقظون فيه فى كل المجتمعات روح الانصهار والاندماج تحت الواقع الوطنى الكبير حتى نتجنب انعزالا قد يؤدى بنا فى النهاية إلى اقتتال أهلى يفجر المجتمعات من داخلها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة