د. راندا رزق تكتب: "مصر بلا غارمات" ورؤية جديدة للتعامل مع القضية

الأربعاء، 15 أبريل 2015 04:00 م
د. راندا رزق تكتب: "مصر بلا غارمات" ورؤية جديدة للتعامل مع القضية الغارمات فى السجون - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يرى البعض أن الإفراج عن تسع وأربعين من السيدات الغارمات، بواقع حوالى 400 قضية، بمتوسط يتراوح بين 39:8 قضية لكل غارمة، فى إطار مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى "مصر بلا غارمات"، أمر لا يمثل أهمية، وهاجم البعض الآخر المبادرة بنظرة سطحية دون استيعاب أهدافها والتحقق من البُعد الذى تطرحه. فكلمة "مبادرة" فى اللغة تعنى السبْق إلى اقتراح أمرٍ أو تحقيقه، فلكى نصدر حكمًا عقلانيًا على مبادرة ما، يجب النظر إلى أهدافها بشكل عام ودراسة مدى ملاءمتها للتحقيق على أرض الواقع. تمثلت المبادرة فى دعم السيد الرئيس للغارمات لترسيخ رؤية إعلاء ركائز قيم التكافل الاجتماعى، وأنه على المصريين حل المشكلة بأنفسهم دون انتظار تبرعات مؤسسات أو جهات خارجية. فلو كانت مبادرة الرئيس السيسى تهدف إلى الإفراج عن بعض السجينات فحسب، لكان من السهل عليه أن يصدر عفوًا رئاسيًا عنهن وتنتهى المشكلة!، لكن المبادرة تهدف إلى تجفيف منابع المشكلة واقتلاعها من جذورها بطرح العديد من التصورات المتعلقة بإصلاحات اجتماعية وأخرى تشريعية. فالمبادرة لا تتعامل مع قضية الغارمات بشكل عشوائى، بل تطرح خطة دقيقة لعملية حصر قضاياهن، بالإضافة إلى وضع برامج تنموية بهدف رفع مستواهن التعليمى والتوعوى والعمل على محاور التمكين الاقتصادى والحماية الاجتماعية لهن. وتهدف المبادرة إلى تجفيف منابع المشكلة لتجنب حدوثها مستقبلاً، وإعلاء مبدأ الحماية الاجتماعية لتجنب حدوث مشكلات مماثلة كأطفال الشوارع، والأطفال بلا مأوى، وعمالة الأطفال، والتسرب من التعليم. وتمكين الغارمات اقتصاديًا بتوفير فرص عمل نمطية وغير نمطية، لخلق مصدر رزق يضمن حياةكريمة لهن، حتى لا تضطررن للاستدانة مرة أخرى. وتخضع عملية اختيار الغارمات لمعايير المبادرة، التى تعتمد على وضع الأولوية للفقيرات غير القادرات على سداد الدين، والمستدينات بسبب حادثة أو كارثة، والمستدينات لإصلاح ذات البين، والمستدينات لتجهيز بناتهن، والضامنات مالا عن رجل متعثر، مع وضع الأولوية لفئات المسنات والمرضعات والحوامل والأرامل وذوات الأمراض المزمنة. وتطرح المبادرة حلاً اجتماعيًا للمشكلة، يتمثل فى توفير السلع المعمرة للمواطنين وربطها ببطاقات التموين وفتح منافذ بيع مخصصة لذلك، كما لم تغفل المبادرة التعامل القانونى مع المشكلة بوضع قاعدة بيانات للشركات المحتكرة للاتجار باحتياج المواطنين والتعامل قانونيًا حيال نشاطها الأمر الذى تتضاءل معه نسب وقوع المزيد من المواطنين فريسة لأنشطة هذه الشركات المشبوهة. كما تطرح المبادرة مقترحات منطقية تتعلق بالإصلاح التشريعي، كإيقاف العمل بالمادة 341 وتفعيل المادة 340 من قانون العقوبات، والعمل على تفعيل المادة398 وكذلك المادة 15 من اللائحة التنفيذية مع تفعيل قانون حماية المستهلك بالمواد 5 و 11 والمتعلق بالضوابط الحاكمة بمعاملة الفاتورة، وإنشاء مكتب مساندة قانونية للغارمات بالمحاكم أسوة بمحاكم الأسرة، وتخصيص دائرة بالمحاكم لإيصالات الأمانة الخاصة بالبيع بالتقسيط.

الفرق بين استراتيجية "مصر بلا غارمات" للتعامل مع القضية ومبادرات المجتمع المدنى النمطية

قد يتساءل البعض ما الفرق بين مبادرة المجلس التخصصى لتنمية المجتمع ومبادرات منظمات المجتمع المدنى التى تهتم بنفس القضية، والحقيقة انه ليس هناك وجهًا للتشابه بينهما، فمبادرة "مصر بلا غارمات" تطرح رؤية جديدة كليًا للتعامل مع القضية، تتمثل فى محاور اجتماعية وتشريعية عديدة، وتضع خطة لاعادة تأهيل وتنمية الغارمات لتحقيق التمكين الإقتصادى لهن بخلق مشروعات صغيرة وإعداد برامج لتدريبهن، وتوفير فرص عمل تضمن لهن حياة كريمة، بعيدًا عن المبادرات النمطية التى اتبعتها منظمات المجتمع المدنى لسنوات عديدة، والمتمثلة فى سداد الديون عن بعض الغارمات فحسب، فالرئيس السيسى يحرك الوضع الساكن بمبادراته من خلال المجلس التخصصى لتنمية المجتمع.

التحديات التى تواجه المبادرة

تواجه المبادرة تحديات كبيرة على رأسها، عدم وجود معلومات دقيقة لدى مصلحة السجون، وعدم توافر أية معلومات حول الدائنين لدى بعض الغارمات، وعدم تعاون أهالى بعض الغارمات مع المبادرة، ورفض بعض الدائنين التنازل لوجود خلافات شخصية، و استغلال بعض محاميى الدائنين و طلب مبالغ إضافية كأتعاب محاماة، بالاضافة إلى أن بعض قضايا الغارمات تم حرقها بمحاكم مثل مغاغة و بنى مزار وملاوى و مطاي، وإحتكار بعض الشركات الكبيرة و المحترفة لمثل هذه التجارة، و كثرة عدد الدائنين فى بعض الحالات وصلت إلى 39 قضية لغارمة واحدة، ثم انهاء الأمر بالنيابة العامة، ثم المحامى العام، ثم العودة إلى مصلحة السجون واخلاء طرف الغارمة من قسم الشرطة التابع لها. بالاضافة إلى أن بعض الغارمات محبوسات على ذمة قضايا لا تتعدى قيمةالتسوية فيها أكثر من 300 إلى 900 جنيه!، بينما تتكلف الدولة بحوالى من 40 إلى 50 ألف جنيه كمصاريف إعاشة وإقامة وغيرها. وتلقى المبادرة الضوء على البُعد الاقتصادى للمشكلة، إذ تشير إحصائية أخيرة تولتها المبادرة، إلى أن تكلفة إعاشة الغارمين والغارمات داخل السجون يصل إلى مليار جنيه!، وهذا يعنى أن الدولة تنفق سنويًا أموالا تفوق بكثير حجم الديون المتعلقة بقضايا من هذا النوع. أعتقد أن المبادرة تطرح رؤية تستحق الاحترام للتعامل مع مشكلة الغارمات، ولنيتثنى لنا تقييمها بشكل دقيق من دون العمل على تحليل النتائج الأولية لكل محور من محاورها على حدة، لكى يكون تقييمنا عقلانيًا ونقدنا بناءًا. هدف المجلس التخصصى لتنمية المجتمع فى النهاية، هو وضع حلاً جذريًا لمشكلة الغارمات، واسدال الستار على هذه القضية التى لم يعد وجودها مقبولاً فى مصر "المستقبل"، مصر "السيسى". ولا يحضرنى فى النهاية سوى "تحيا مصر".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة