بهاء طاهر.. أخلص للأدب ولا شىء غير الأدب

الإثنين، 14 أبريل 2008 10:20 م
بهاء طاهر.. أخلص للأدب ولا شىء غير الأدب تصوير شريف عبد المجيد
كتب عبد اللطيف أحمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من النادر أن يجمع مبدعون ومثقفون على شىء، فما بالك بشخص وشخص مبدع مثلهم؟ ولكن فعلها بهاء طاهر. فشهادات زملاء مهنته "الأدب" تعد جوائز تضاف إلى جائزة البوكر التى حصل عليها مؤخراً. إدوار الخراط يصف إبداع بهاء بالمذاق الخاص: "إنه ينم عن موهبة حقيقية ودراية بفن الرواية"، كما أن كل من تعامل معه يعرف مدى رقته ورومانسيته، وإن كان شديد القوة والصلابة فى الدفاع عن مواقفه وآرائه الثقافية. الأديب محمد المخزنجى يرى أن بهاء طاهر واحد من أكثر كتاب العربية المعاصرين وعيا بما يكتب وتأملا للكيفية التى يكتب بها، وواحد من أشدهم صبرا على دروب الكتابة الفنية الوعرة، ولذلك إنتاجه قليل. ويقول أبو العلا السلامونى: بهاء طاهر يعطى ملمحا آخر لبهاء، فهو رجل عايش بوعى الصراع ما بين الشرق والغرب، وركز فى كتاباته على عصب عارٍ، لما بيننا وبين الآخر بشكل هادئ بعيداً عن الانفعال، الأمر الذى يجب الاحتفاء بفعله من قبل الكتاب، و"أنا وإن كنت قابلته مصادفة عدة مرات، رأيت فيه إنسانا عميقا تمنيت لو جمعت بينى وبينه صداقة عميقة".

حبه لم يقتصر على أبناء بلده..
يقول الكاتب العراقى خضير الميرى: بهاء طاهر معنى من خلال أعماله بالواقع التاريخى، وهو قليل الحظ مع الجوائز والنشر المنتظم، الأمر الذى يحرم قراءه منه، كما أنه قليل الحظ مع النقد لعدم اهتمامه بالتنظير والتصريحات وابتعاده عن المشهد الإعلامى عموماً، وهو قليل الاختلاط والظهور، وكأنه متفرغ لأعماله التى تعد مشاريع ولا تدخل فى إطار الحالات. وبهاء طاهر معنى كذلك بالعلاقات والصراع بين الأجيال، مما يذكرنى بنجيب محفوظ، ولكن فى كتابة معاصرة لم تدخل حيز تطرف المعاصرة. من ناحيته، يقول علاء الأسوانى وهو واحد من أبنائه: "ليس بمقدور أحد أن يعرف بهاء طاهر ولا يحبه، فهو واحد من الذين يؤكدون أن الكاتب العظيم لابد وأن يكون إنساناً عظيماً، ولبهاء طاهر فضل علىّ بشكل شخصى، فهو من أوائل من قرأوا أعمالى وقدمونى وتحيزوا لأعمالى، وإن كانت الصداقة التى نشأت بيننا قد بدأت عندما كتبت عملا نقديا عن مجموعة قصصية لبهاء طاهر، وفوجئت باتصاله وبدأت بعدها صداقة عميقة بيننا بما يتميز به من أخلاق راقية.
د. سحر الموجى تشير إلى أن علاقتها ببهاء طاهر تعود إلى أيام طفولتها، وتقول: "عرفته أمى إعلاميا زميلا فى الإذاعة المصرية، وأحبه أبى إلى الدرجة التى جعلته يقرأ واحة الغروب فور صدورها وهو على سرير العناية المركزة. فهمت أن طاهر الذى كُتبت فيه التقارير الأمنية أيام عبد الناصر والذى شغل موقعا حساسا داخل الجهاز الإعلامى الرسمى، لم يفقد موضوعيته فى تقييم الفترة الناصرية، إذ لم يسمح لمشاعر المرارة أو الرغبة فى الانتقام أن تتحكم فيه.

عمق ممزوج بالبساطة والابتسام
ومن الأجيال التى أكدت تواصل بهاء طاهر مع الشباب، محمد علاء الدين الذى يقول: "إن الحب والامتنان الذى أحمله لبهاء طاهر سينزعان عنى صفة الموضوعية، هذا بشكل شخصى. ولكن بشكل عام، فإن بهاء طاهر بما يمثله من قيمة وتأثير فى الأدب العربى الحديث لا يحتاج مدحه إلى حب، بل إلى بعض القراءة فحسب. إن ذلك العمق الممتزج بالبساطة، وهذه الإعجازية فى كتابته السلسة المصفاة التى أعتبرها هدفًا ومبتغى لأى كاتب، كفيلة بانحيازك إلى جانب بهاء طاهر، سواء كنت قارئًا أم ناقدًا".
ويحتفظ بهاء طاهر بابتسامته الطيبة، وتحمل ضحكته الصغيرة الفكاهة بلا تهكم والسخرية بلا حقد. ويقول بهاء طاهر: "إن الوضع صعب. كم عدد القراء؟ كم عدد النسخ المطبوعة؟" يقول إنه كان يمشى فى الشارع مع ابنته، فأتى أحدهم وسلم عليه بحرارة متمنيا له طول العمر، وقال إنه قارئ مواظب ومتحمس. شكره الأستاذ بهاء ومضى فى طريقه مع ابنته التى قالت فى حماسة: "ها هم القراء" الذى يشتكى والدها من انقراضهم، فقال لها: "إن القراء خمسة عشر فردًا، يعرف منهم أربعة عشر، وهو مسرور بمقابلة القارئ الخامس عشر..."

بهاء طاهر سيبقى واحدًا من أعظم كتابنا وأعلاهم شأنًا وقيمة
يقول محمد كمال: عندما كنت فى آداب القاهرة، درست رواية الحب فى المنفى لبهاء طاهر. وكنت أعتقد أن بهاء روائى رحل عن عالمنا، إذ لابد أن من ندرس أعماله يكون قد رحل، هكذا تعلمنا من مقررات الثانوية! وعندما تخرجت كنت قد انتهيت من قراءات عديدة وعرفت قيمة بهاء طاهر إلى حد كبير، بعد أن أنهيت مجموعة رواياته وقصصه. وبعد ذلك بعام، انتهيت من روايتى الأولى "تماثيل الملح". ثم قابلت الأستاذ فى مكتبة ديوان لأول مرة. كنت خائفًا بشدة وعندما سألنى عن روايتى لم أُجب كما ينبغى، فبدوت أمامه أكثر من ساذج. ولكن بعد أن صدرت قاومت مخاوفى وأهديت نسخة له، وبعد ذلك فوجئت باتصال شديد الحميمية ليخبرنى أن الرواية أعجبته بشدة مع بعض الملحوظات بالطبع. وتجاسرت: هو ينفع حضرتك تناقش الرواية فى الأتيليه؟ أجاب بسرعة: "طبعًا". لكن ما أراه الأهم، هو ما حدث بعد ذلك، إذ تعددت اللقاءات بيننا بشكل لم أكن أتوقعه، تحدثنا فى كل شىء، تعددت استشاراتى له إزاء ما يواجهنى. قلت له ونحن عائدون من احتفالية تكريمه بمناسبة حصوله على البوكر: "عارف حضرتك الناس بتحبك ليه؟"
- ليه يا محمد؟
- لأنك لا تكره أحدًا.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة