قراءة فى ديوان "عن دقات قلبك المصلوب فى اتجاه الشمس" للشاعر أمين نبيل

الجمعة، 13 مارس 2015 01:28 ص
قراءة فى ديوان "عن دقات قلبك المصلوب فى اتجاه الشمس" للشاعر أمين نبيل ديوان عن دقات قلبك المصلوب فى اتجاه الشمس
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد قراءته لديوان "عن دقات قلبك المصلوب باتجاه الشمس" للشاعر أمين نبيل أكد الكاتب أشرف ضمر، أنه عبر سبع وعشرين قصيدة ثقيلة مثل مطرقة هائلة قادرة على تحطيم العالم ببساطة، وضع أمين نبيل بصمته بقوة، لم تكن لمسة شاعرة، بل سمعناها صرخة احتضار مدوية، وأغنية مأساوية ملتهبة المشاعر، واستغاثة من غريق غرته أمواج الأحلام الهادئة ذات ليل، فقرر أن يبحر بزورق أحلامه الرومانسية الطوباوية، وتمادى فى الإبحار دون أن يدرك أن رياح الواقع العاتية سوف تأتى بما لا يشتهى زورقه الصغير الذى لن يتحمل وسينهار سريعًا، ربما أسرع مما توقعه أكثر المتشائمين فى رحلة محفوفة بمخاطر الابتعاد عن أرض الحقيقة الصلبة وشاطئ الواقع المرير.

وأضاف أشرف ضمر أنه عبر سبع وعشرين قصيدة بلون الدم والكوابيس والأحزان والاغتراب والأمل المفقود والإنسانية الضائعة، استطاع الشاعر أن يملأ سكون مقابر أحلامه صخبا، وأن يثير الفوضى والضجيج فى لحظات هدوء غروب شمس أحلامه المنتحرة وانحسارها البطىء، متسائلا بدهشة وربما باستنكار:
"فين فرحتك؟ ضاعت وغيرها الزمن؟ ولا انت تاهت خطوتك؟ ليه الهلال ماظهرش لسة فى السما ولا حتى لاح؟"
فلتغرب الشمس كيفما ووقتما شاءت، لكن أين القمر الذى يستتبع الغروب؟ وإن كان الوقت لايسمح بطلوعه بدرًا مكتملا فأين الهلال إذن؟ أين الخطوة؟ أين الطريق؟
إنه الغيام الذى يلوح فى الأفق فيترك فى العيون رؤية يائس ونظرة ضرير لا يجد فارقا جوهريا بين النهار والليل أو الشمس والقمر، فكلا النقيضين لا وجود له، ولا أثر، وكأن أولى القصائد وبداية الديوان تهيئ القارئ لأجواء انفعالية فى رحلة لا أمل فيها، ولا تمنحه حرية الرجوع أو التراجع، عليه أن يبحر ويغرق ويستغيث مع الشاعر/الإنسان/ الحبيبة/ الوطن، بل سيجد نفسه مثل دون كيشوت يحارب طواحين الهواء فى قصيدة تحمل نفس الاسم "طواحين الهوا".
التى يتساءل فيها:
"فبتسأل ليه من الغربة فى وسط الأهل أصعب؟!"
ثم فى نفس القصيدة يخبر حبيبته بعدم جدوى طرح الأسئلة بعدما قضى عمره كاملا فى طرحها ولا إجابات:
"أنا ياحبيبتى باعيش وياكى بشكل بدائى فماتسأليش عن بكرة ولا تقولى هنعمل إيه"
وذلك لأن الشاعر يرى:
"الوطن فيه فجوة كبرى بين الحقيقة والخيال".
لتعلو الصرخات والتحذيرات بوصف مشهد عبثى بامتياز فى القصيدة التى يحمل الديوان اسمها.. عن دقات قلبك المصلوب باتجاه الشمس" من خلال جمل تلغرافية سريعة وخاطفة مثل البرق:
"باب بيخبط/ نور مرعوش/ دخان كثيف/ أنفاس متلاحقة/ ترنيمة موت/ وعيون فى الحيط بتراقب دقات قلبك المصلوب باتجاه الشمس/ مستنى شروق النهار من جوف الليل/ لا شموس الكون هتتعامد على وشك ولا روحك هتعود إليك".
ذلك لأنه لاشىء، ففضلا عن أنه لا يستحق تعامد الشمس على وجهه كالملوك، فهو ليس حتى مواطنا عاديًا يستحق أدنى درجات الحياة بآدمية فى وطنه، فهو يعبر عن مأساة يحياها إنسان القرن الواحد والعشرين- الجيل الذى ينتمى إليه الشاعر- إنها معاناة التهميش والتشظى والتوهة والضياع والاغتراب فى الوطن، إنه الإحساس بالتقزم واللا قيمة وتحطم الكبرياء الإنسانى/ الوطنى، فى زمن الهزائم الكبرى، سواء على المستوى الشخصى أو حتى العام.
هذا ما يحيل شاعرنا إلى الإحساس بالاضهاد دائما وكأن هذا طبيعى جدًا بل و"العادى فى زمن الحرية" أن يقول فى مطلعها:
"أوقات/ بتكون التوهة مصاحبة ملامحك/ والحزن يخاصم كل وشوش الناس يسكن وشك/ وده شيء عادي/ وجايز جدًا/ لما بتعرف إنك تافه".
حتى أنه لا يشفع له تقمص دور المنقذ/ ضمير أمته ووجدانها/ المُخلِص/ المسيح المصلوب ليفدى شعبه من خطاياهم، فيرى نفسه فى القصيدة ذاتها هكذا:
"إنك تبقى يسوع الألفية التالتة/ مصلوب على كف الكلمة/ تاجك شوك من طرح زمانك/ وإن يهوذا الوقت الحالى قابض على حرف سؤالك/ وانت بتنزف: {إلهى إلهى لماذا تركتنى؟}"

ربما تكون مأساة الإنسان الذى فقد معانى وقيم إنسانيته، وخسر - فى الألفية الثالثة وزمن العولمة - مبررات ومسوغات وجوده كإنسان له قيمة شخصية وكبرياء وكرامة وحقوق آدمية لا يجب أن يبذل حياته بأكملها للحصول عليها (حقوقه)، فالحياة إنما لتحقيق الأحلام وتحصيل الطموحات، والعمر يبذل للتمتع بالحقوق التى يتيحها الوطن لمواطنيه بمجرد الميلاد لا بالحرب للحصول عليها.

وإلا تحول هذا المواطن إلى "الكلب المطرود من الشارع" فينبح من وطأة هذا الطرد والنفى ويزيد خوفه:
"اللى بيتتشكل سجانى فى أربع جدران بتعيد ترتيب المشهد بزوايا مختلفة كوابيس بتطارد حلم وحيد" ثم: "وأنا متكلبش بكلابش الفقر متكلبش خلف/ والخطوة تقيلة فى أيامى تسحبنى لمشانق من جدل الزمن الرافض لحروف تكوينى/ أهرب فيكى/ وكأنى الكلب المطرود من آخر الشارع".

هناك إجابة بسيطة لبرنارد شو عن سؤال ما هو الفن؟ فقال: "أن تحب الفن فأنت إنسان؟ أن تمارس الفن فأنت أكثر إنسانية" .

هكذا يكون الشاعر دائما أكثر إنسانية وأوضح رؤية وأعظم أحلاما وأنقى روحا وأشد بصيرة، إذ كيف لا وهو من رضى بالتورط فى الكتابة وقَبِلَ أن تقض الكوابيس نومه المتقطع بأرق وقلق من أجل الآخرين الذين هم وطنه المفقود الضائع؟ يستيقظ الشاعر كل صباح تشغله قصيدة وتربكه أسئلة عملاقة وتعرقله مآسى مواطنيه ويهزمه جهلهم وانسحاقهم وتحطم أحلامهم، ينشد السلام لكنه لا يرتكب حماقة الغناء للسلام بأغنيات ساذجة وفتعلة تصلح لأوبريت مدرسى فى حفل يحضره المسئولون، بل ينشد السلام بطريقته الخاصة، بالصراخ عن أهوال الحرب ودمار الهزيمة غير المشرفة، يحكى عن سرقة الأوطان من حكامها وسياسيها، حتى لو أجبرت الظروف الشاعر على العمل بالسياسة، فهو يريد أن يصلح بالشعر ما أفسدته السياسة وعندما يفشل فى تحقيق أهدافه الرومانسية تلك يكتشف قبح العالم ليعلن بمنتهى الشجاعة:
"كنا سكارى من قع الصدمة/ لسنا سكارى/ فالدم لا يسكر أحدًا/ الدم يشرب ساخنًا، كى يروى عطش الرب/ رغم سطوع الشمس الأرض لا تشرب دما، الأرض تأكل الجسد/ هذا الفارق بين الرب وبين الأرض/ الرب يرتب أوراق اللعبة/ رفع الدعم/ بات يغازل الملائكة/ فى وسائل الإعلام يظهر/ هل سيعود ليلعب معنا؟!/ واللعب تافه مااتخضيش ولا تخافى/ أنا اللى واهب لك أنفاسى/ أنا اللى فى حلقهم واقف لهم رافع راسى بكلمة لا".

وأخيرًا "عن دقات قلبك المصلوب باتجاه الشمس" للشاعر أمين نبيل، ديوان يستحق التهنئة الحارة من قلوب قارئيه لأنه صوتهم وصرختهم وثوراتهم الضائعة وأوطانهم المسلوبة، وضميرهم ووجدانهم ورفضهم وانسحاقهم وأحلامهم العريضة وكوابيسهم المؤرقة.


موضوعات متعلقة



عمرو الجندى: "مسيا" رواية مختلفة والكاتب الحقيقى هو الأكثر مبيعا








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة