فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى بين العبادة وتزكية النفس وعمارة الأرض.. الإسلام حرص على تنمية الإنسان.. وإشاعة الفوضى إثم كبير

السبت، 07 مارس 2015 08:45 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى بين العبادة وتزكية النفس وعمارة الأرض.. الإسلام حرص على تنمية الإنسان.. وإشاعة الفوضى إثم كبير فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حرص الإسلام على تنمية الإنسان، وتنمية موارده الاقتصادية، كى يعيش عيشة كريمة هانئة، ملؤها الإنجاز والعمل، هذا العمل الذى ينقله من حد الكفاف إلى مرتبة الكفاية والرفاهية، والذى يتمثل فى المجهود الذى يبذله الإنسان لتحقيق عمارة الأرض التى استُخْلِفَ فيها، والاستفادة مما سخره الله فيها لينفع نفسه وغيره فى تحقيق حاجاته وإشباعها، قال تعالى: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها»، فـ«استعمركم فيها» أى جعلكم عُمّارها وسكانها، قال الضحاك: «أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه فيها من بناء مساكن وغرس أشجار»، وقال ابن العربى: «قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب»، فالآية تؤكد وجوب عمارة الأرض.

ولقد استخدم الإمام على، كرّم الله وجهه، لفظ العمارة للدلالة على التنمية فى خطابه لواليه فى مصر مالك بن الحارث الأشتر، جاء فيه: «وليكن نظرك فى عمارة الأرض أبلغ من نظرك فى استجلاب خراجها؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة»، وعمارة الأرض لا تقوم إلا بالعمل لأن العمل هو شرط الملكية، وكل عمل ابن آدم محاسب عليه، قال تعالى: «ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون».

ولعظم مكانة العمل فقد ذكره القرآن الكريم مقرونًا بالإيمان فى أكثر من سبعين آية من آياته، وقد حث الإسلام على العمل، وأعلى من شأنه، وبيّن أهميته، فحياة الإيمان بدون عمل هى عقيم، كحياة شجر بلا ثمر، ودائمًا ما كان يحث النبى صلى الله عليه وسلم على العمل والبناء، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها، فله بذلك أجر»، وحرص الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم، على الحث على العمل، فهذا سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كان يهتم بالعمل والترغيب فيه، فيقول: «ما من موضع يأتينى الموت فيه أحب إلىّ من موطن أتسوق فيه لأهلى أبيع وأشترى»، وعن عائشة، رضى الله عنها، قالت: «كان أبو بكر رضى الله عنه اتجر مع قريش حتى دخل فى الإمارة».

وبلادنا اليوم تحاول العمل والنهوض والبناء، وجذب الاستثمار، وإقامة المشروعات، وغيرها من سبل التنمية، مما يجعل الخطاب الدينى أمام مهمة كبيرة للقيام بدوره فى الحث على الإعمار، وغرس ثقافة العمل والبناء فى نفوس الناس، وبيان فقه البناء والإعمار، وحقيقة خلق الإنسان واستخلافه على الأرض؛ فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وأوجده فى هذه الحياة لأجل تحقيق أمور ثلاثة هى جوهر وجوده ووظيفته على الأرض، وهى عبادة الله، وعمارة الأرض، وتزكية النفس.

فعبادة الله هى الغاية التى خلق الله تعالى الخلق لأجلها، فقال تعالى: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»، وبعث الرسل لأجل تحقيق هذه الغاية من خلق الإنسان، فقال تعالى: «وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون»، وما إن تتحقق هذه المهمة- شريطة أن تكون خالصة لله تعالى- تبدو آثارها على الخلق ظاهرة، متمثلة فى صلاح الفرد والمجتمع، بل الكون كله، فالعبادة الحق هى الضمانة للإنسان من أن تنحرف نفسه البشرية إلى مهاوى الضلال والتطرف.

أما تزكية النفس فهى من مقاصد القرآن الكريم، قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا»، لذا نجد أن النصر والتوفيق مرتبط بهذه التزكية، وأيضًا الهزيمة مرتبطة بالتقصير والإهمال فى حقها، وبما أن التزكية تكون سببًا للوصول إلى الجنة فى الآخرة، فهى أيضًا تكون سببًا للوصول إلى جنة الدنيا وزهرتها، لأنها تهذب سلوك الإنسان بعد أن هذبت أخلاقه، فكان انعكاس صلاحها على جميع أفعال المرء المسلم فى حياته أمرًا واقعًا لا محالة، وأصبحت أفعالاً تساهم فى البناء والعمران.

أما المهمة الثالثة، فهى عمارة الأرض التى اعتنى بها الإسلام عناية شديدة، لأن العمل مطلوب فى الإسلام لعمارة الأرض، قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»، فالمتأمل فى فقه البناء والعمارة فى الإسلام يجد أن الإسلام اهتم بالإنسان أولاً، وبإعمار نفسه وتزكيتها ثانيًا حتى يصل إلى إعمار الكون حوله، فإعمار النفوس هو الأساس الذى يُبنى عليه إعمار الأرض؛ لأنه لا يمكن التأسيس لأية حضارة راقية إلا بإعمار وتزكية الجانب الخلقى للإنسان، قال تعالى: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».

ولأجل عمارة الأرض حذر الإسلام فى تشريعه من الإفساد فى الأرض، ورغب فى الإصلاح، وحذر من سفك الدماء، واعتبر أن سفك دماء شخص واحد كسفك دماء الناس جميعًا، بل الأمة كلها، قال تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»، لذا كانت العقوبة التى أقرها التشريع الإسلامى رادعة وقوية على كل مفسد فى الأرض، حتى لا يشيع الفساد فى الأرض، وحتى لا يشيع القتل والدمار الذى يلحق البلاد والعباد.

ولقد أشاع الإسلام ثقافة الإحياء، وحثّ عليها، فقال تعالى: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، لأجل تحقيق السلم الاجتماعى، ولم يكن هذا مقصورًا على الإسلام، فحسب بل إن كل الأديان جاءت لتحقيق السلم الاجتماعى فى مجمل رسالاتها، ووقفت ضد كل ما يهدد هذا السلم، سواء جاءه التهديد من الداخل أو الخارج، وهذا ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة من إشاعة مبدأ تعزيز السلم، ومحاربة كل ما يهدده، حتى لو تستر هذا التهديد بستار الدين، أو اتخذه قناعًا يخفى خلفه مآربه السيئة، بل إن الإسلام اعتبر المشاركة أو الدعوة إلى تكدير السلم، وإشاعة الإرهاب والفوضى، والإفساد فى الأرض من الذنوب، بل من الآثام التى لا تلحق بالجناة فقط، إنما كل من أيد وارتضى هذه الخطايا فهو كمن شهدها أو شارك فيها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة