"الموريسكى الأخير" لـ"صبحى موسى" : يرصد أزمة المصريين بين الماضى والحاضر

الجمعة، 06 مارس 2015 08:10 ص
"الموريسكى الأخير" لـ"صبحى موسى" : يرصد أزمة المصريين بين الماضى والحاضر غلاف الكتاب

كتب أحمد إبراهيم الشريف
رواية «الموريسكى الأخير» للكاتب صبحى موسى، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، تتنقل بين الأفراح والطموحات الكبرى فى التاريخ المصرى المعاصر، آخذًا القارئ معه إلى عوالم شجية، تربط بين الماضى الأسطورى المفعم بالألم، والحاضر الاستثنائى المشبَّع بالأمل.

تدور الرواية حول شخصية "مراد"، الموريسكى الأخير، أو عميد الموريسكيين، الذى يعيش فى مصر حياة أشبه بحكايات جدته عن المجد الغابر، وحماية العين الراعية للأبناء والأحفاد، وكفاح الأجداد لاستعادة المُلك الضائع، وغيرها من تفاصيل أجاد الكاتب فى سبكها، وأبدع فى حبكها؛ ليصل الماضى بالحاضر، عبر أسلوب شيِّق، رصين وقد استهل الكاتب روايته الثرية بالتفاصيل، بالمشهد الأشهر فى مصر خلال السنوات الأربع الماضية، حين ملأت حشود كثيرة الميدان، «حشود من كل القرى والمدن والمذاهب والأحزاب والطوائف والفئات، باتت الحياة فى مصر شبه متوقفة، ولا عمل لها غير الثورة، حتى إن المشهد اليومى لم يعد يعرف غير أناس تبيت فى الشارع محتفية بأنها ما زالت على قيد الحياة».

وهذه اللحظة الفارقة فى تاريخ مصر والمنطقة العربية، وربما العالم، هى التى اختارها الكاتب لتكون لحظة فارقة فى حياة «مراد» أيضًا، الموريسكى الأخير، حيث «العالم أضيق من ثقب إبرة، هكذا قال الموريسكى فى نفسه»، كما تبدأ الحكاية، التى تتشابك خيوطها بوعى ودربة متنقلة بين اللحظة الآنية إلى الماضى الأندلسى المأسوى بعبقه وتعقيداته، دون أن يفقد الخيط الذى يربط بين هذا الماضى البعيد، وبين تلك اللحظة التى يحياها بطل الرواية «مراد»، الذى يظل يبحث طوال الأحداث عن شىء لا يُدرك كنهه؛ فهو يبحث عن حجة وقف جده: «كان قد تقدَّم بطلب للحصول على نسخة معتمدة من حجة الوقف الخاص بالعائلة ورواق المغاربة، حين كتبها جده عطية عام 1805 لم يكن يعلم أن محمد على سيقضى على مهنة الملتزم، لكنه سعى لتأمين أسرته التى امتدت لعدة فروع».. وحين يقترب من الحصول على الحجة، أو يكاد، يكتشف أنه وقع فى فخ مؤامرة كبيرة.. لكنه لا يُدرك كنهها أيضًا، ولا يفهم مَن الصادق فيها ومَن الكاذب.. هل هو رجل الأمن الذى أوهمه بأنه رئيس دار الكتب وأستاذ التاريخ، ودأب على حكى تاريخ أسرته الأندلسية ومآسيها الماثلة فى الروح رغم مرور الزمن؟ أم ابنة عمَّته التى عادت للظهور فى حياته باسم «راشيل»، بعد أن «سافرت منذ سنوات طويلة»، ولا يتذكر منها «سوى طفلة بزى مدرسى تطارده فى ردهة البيت كى يرسم لها سيدة فى يوم عيد الأم»؟
ويظل الموريسكى الأخير فى متاهته، تلك التى يحرص الكاتب على أن يربطها بخيط شفاف مع متاهة الموريسكيين القدامى، فيقدِّم تاريخًا محكيًّا على ألسنة أبطال روايته، ويمزج ببراعة بين التاريخ الحقيقى المحكي، وبين الأحداث الواقعية، من خلال إيهام القارئ بأن كل تفاصيل الرواية ليست سوى تاريخٍ محكى، مستخدمًا قدراته السردية، وإسقاطاته الواعية على الواقع الذى نعيشه، ومستدعيًا أماكن ماثلة – ما زالت – أمام عينى القارئ ووعيه.. ومن خلال القصة التاريخية، يستعرض الكاتب أخطاء الأجداد، وخطاياهم، والخيانات التى تعرضوا لها من أجل إجهاض حلم الاستقلال واسترداد المجد الضائع؛ لتستمر الأحداث متنامية ومتسارعة، على مستويين يتفقان فى المغزى: المستوى الأول ما يحدث فى مصر، خاصة فى ميدان التحرير، فى أثناء وبعد 25 يناير، وحتى حكم الإخوان، والمستوى الآخر ما حدث فى الأندلس بعد الضياع الكبير، وتنقُّل البطل القديم من البشرات إلى غرناطة ومن طلبيرة إلى طليطلة، وما بين القاهرة المحروسة وحومة الأندلس، فى رحلات تاريخية عبر حدود الشجن، بينما يواصل «مراد»، المربوط بالتاريخ القديم عبر سلاسل الجينات الممتدة من جيل إلى آخر، حتى يصبح هو نفسه آخر عميد للموريسكيين فى مصر، رغم صغر سنه، ومتاهاته الدائمة، والتى كانت جدته إحدى تجلياتها، حين يُشيعها وهو غارق فى متاهاته المتكررة، التى تجعله عائشًا بين الواقع والخيال، بين العقل والجنون، وكأنه نصفان: «حين فكر فى الصعود خلفها وجد الباب مغلقًا أمامه، فألقى بتحية السلام واستدار للنزول، سمع أصداء صوتها من خلفه تقول: «ولك منى السلام»، حينها أخذت أقدامه تتحسَّس الدرجات وروحه تحلِّق فى البعيد، شاعرًا أنه نصفان، أحدهما يمشى على الأرض والآخر يطير فى السماء، رأى النجوم مبعثرة فى الفضاء، والموريسكيين يسعون خلفها على الأرض».

وبعد انتقال الجدة، يجد الموريسكى الأخير نفسه مضطرًّا إلى اتخاذ القرار الحتمى، الذى يختتم به رحلة الضياع بين متاهاته، تاركًا مساحة من التأويل للقارئ الذى لا شك سيقرأ كثيرًا مما توارى بين السطور!



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة