مجد خلف يكتب: هل الموت مشكلة؟

الأربعاء، 17 مارس 2010 09:32 م
مجد خلف يكتب: هل الموت مشكلة؟

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فاجأنى صديق بالسؤال: هل الموت مشكلة؟، جال السؤال بخاطرى وما برح حتى اليوم يغتالنى ويقتات من مشاعرى.
كلنا قد خبر الموت يوما، موت والد، موت والدة، موت جد أو جدة، موت صديق، موت قريب، موت حبيب وحتى موت عدو جائر، وكلنا قد تمناه يوما حينما احتلكت الأيام، وأضحت الحياة داكنة فى بعض مراحل العمر لأسباب قاسية وربما لأسباب تافهة.
وكلنا يعلم علم اليقين أن الموت حق، ولم ولن ينجُ منه بشر على وجه البسيطة حتى أغلى الناس وأعلاهم مقاما سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام - أخبره ربه قائلا (إنك ميت وإنهم ميتون) الزمر 30.
ولكنى لم أتعرض لهذا السؤال بشكله يوما؟ هل الموت مشكلة؟، حينما يموت المرء مدافعا عن أرضه أو عرضه أو ماله فهو يموت شهيدا ومآله إلى جنة الفردوس ونعيمها، فأين المشكلة؟
وحينما يموت المرء بعد أن يقعده المرض ويضحى لا يقدر على أبسط مسائله الشخصية ويصبح كلَ يوم عنده هم مقيم، فحتى أقرب الناس إليه يشعر بأنَه أصبح عالة عليه مهما كانت درجة الحبِ والتضحية، ويبدأ شعوره بالأسى لانحسار الأضواء عنه، وغياب الأصحاب والأحباب ويضحى ألمه النفسى أشد من ألمه الجسدى، فيتمنى على الله أن ينتشله من هذه المحن إلى حياة لا ألم فيها، فهل فى هذا مشكلة.. هو يتمنى هذا فهل لو مات مشكلة؟؟
وحينما يفشل الأطباء فى علاج مريض بالفشل الكلوى، وتصبح حياته مرهونة بالذهاب كل يومين إلى مركز لعلاج الفشل الكلوى بكل ما فيه من مآس وآلام، ويضحى غير قادر على العطاء ويتألم له كل أفراد أسرته، فهل لو مات مشكلة؟؟
قال الشاعر زهير بن أبى سلمى:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم
يصل الإنسان حقا فى أعمار ربما مختلفة إلى يقين بأنه قد أخذ من الدنيا كل ما فيها ولم يعد هناك ما يراه حافزا له على الحياة، لقد رأى كل شىء وخبر كل شىء ولم يعد فى الحياة جديدا يثريه أو متطلًبا يغريه، ويصل فى نهاية المطاف إلى أمنية الموت، آملا أن يكون فيه بعض التجديد فهل فى هذا مشكلة؟
وقد يكون العكس تماما حينما يعيش الإنسان عمره طولا وعرضا فلا ينال من هذه الحياة مع طولها إلا القليل القليل، يعمل كثيرا ولا قيمة لجهده وعمله ولا عائد، فيقارن نفسه بأقرانه وحتى أقرب الناس إليه لا يسرون المقارنة فيجد أن المفر لديه من هذه الدنيا إلى الراحة، وما الراحة إلا بالموت، فهل فى هذا مشكلة؟
وقد يصاب قلب الفتى بالحب ويعجز عن الوصل لضيق ذات اليد وكثرة متطلبات المجتمع والحياة، ويرى أحلامه تنهار فلا قدوة ولا أخلاق وإن ضعف فختامه إلى الموبقات التى ستقوده إلى سقر، فهل لو تمنى أن يذهب إلى حياة ملؤها الحب والعدل والأمان مشكلة؟
شاب يعمل جاهدا ويسعى للترقى فى عمل وتمضى الأيام وهو يعمل ويعمل بكل جهد وإخلاص، ولكنه يصطدم برئيسه الذى يبلغ من العمر عتيا فيبقى على حاله حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، وينزاح عن طريقه هذا الحاجز فهل فى هذا مشكلة؟
أسرة بالكاد تستطيع أن تعيل نفسها ويقع أحد أفرادها فى مرض عضال، يذهب بمعظم مدخراتها ويستدين معظم أفرادها حتى يقوموا بواجبهم تجاه الحبيب، ولكن إمكانياتهم تضم حلا، وتصبح حياتهم جحيما فليس فى مقدورهم أن يكفوا أنفسهم ويرون الحبيب يتهاوى، ولا منقذ لهم أو له من كل هذه الآلام إلا بالموت فهل فى هذا مشكلة؟
وغير هذه الأمثلة كثير:
فذلك الغنى المقتر الذى يحيا وتحيا معه أسرته فى ضنك وعند ذهابه يعيش أهلوه فى نعيم ما جمع وخزن طوال عمره، وذلك الفنان المغمور الذى لا يكاد يعرف عنه أحد ويصبح صيته ملء الأرض بعد موته، وكذلك كل ما كتب أو رسم أو ألف، فأصبح موته هو الزيت الذى أنار أعماله الأدبية والفنية.
وهذا الزوج الفظ الغليظ القلب معدوم المشاعر الذى فهم معنى القوامة خطأ، فقد يكون موته عند أهله غير مأسوف عليه، بل قد يكون هو الراحة للزوجة المكلومة لتبدأ حياة جديدة بدون ألم ماكانت لتكون لولا هذا الفراق الرحيم.
وهذه البنت المستهترة التى لطخت سمعة أهلها فأضحى أباها لا يقوى على رفع ناظريه أمام الناس، وتتمنى أسرتها أن يغسل عارها الموت.
الموت حقيقة عارية لا تخلو من ألم الفراق أو سعادة البعد، ولكنه حقيقة حتمية أبدية سرمدية رائعة المعانى فلا يمكن أن تتخيل الحياة بكل جمالها أو قبحها بدون موت، ولا يمكن لهذه الحياة أن تستمر وأن تستقر بدون هذا الكائن العظيم - الموت - فهل يمكن أن تتخيل الأرض ومقدراتها المحدودة كيف تصبح دون موت هل تتخيل أن يقطن عليها مئات المليارات يعيش جميعهم على نفس المقدرات التى لا تكاد تكفى قاطنيها الحاليين.
قال عليه الصلاة والسلام :
"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".
وقال:
"لا راحة لمؤمن إلا بلقاء وجه ربه".
لقد خلق الإنسان فى كبد فهو يعمل طوال عمره، وقد يصل فى نهاية المطاف لمبتغاه ـ مهما كان هذا المبتغى ـ وقد لا يصل، فإن وصل فقد يضل هو أو أحد أفراد أسرته فيكون ألمه عظيما وإن لم يصل فترى اللائمة عليه من كل أحبابه باختلاف الأشكال والطرق فلا تقدير لما قدم مهما كانت التضحيات، فيسأم الحياة ويتمنى أن ينتهى سأمه وسقمه بالموت عله يرتاح ويريح.
عاودت التفكير عميقا ومليا بهذا المعنى ووجدت صديقى على حق، إنه حقا سؤال فلسفى فعندما تعاود التفكير ستجد أن النتيجة حتمية:
فالموت حتما ليس مشكلة!
ومع ذلك فقد نهانا الإسلام عن تمنى الموت، وإن كان الإنسان لابد سيتمناه، فليقل اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى، وتوفنى إذا كانت الوفاة خيرا لى.
وحتى لا يكون الموت مشكلة فلابد للمرء أن يتزود لآخرته بالتقوى والعمل الصالح حتى تكون له عونا لحياته الأبدية، فقد علمنا الحبيب المصطفى ذلك بقوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة