خالد عزب يكتب: الدماغ.. كيف يتم اكتشافه فى كتاب

الأحد، 11 يناير 2015 12:12 م
خالد عزب يكتب: الدماغ.. كيف يتم اكتشافه فى كتاب خالد عزب - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن مركز البابطين للترجمة والدار العربية للعلوم، كتاب "الدماغ وكيف يطور بنيته وأداؤه"، الكتاب من تأليف نورمان دويدج وترجمة رفيف غدار، الكتاب ينطلق من أنه نشأ الاعتقاد القائل بأن الدماغ لا يمكن أن يتغير من ثلاثة مصادر رئيسية.

1 – حقيقة أن المرضى المصابين بتليف دماغى لا يمكن أن يتعافوا بشكل تام إلا نادرًا جدًا
2 – عجزنا عن ملاحظة النشاطات المجهرية الحية للدماغ
3 – فكرة أن الدماغ يشبه آلة رائعة وهى فكرة يرجع تاريخها إلى بدايات العلم الحديث وفى حين أن الآلات تُنجز العديد من الأعمال الاستثنائية إلا أنها لا تنمو ولا تتغير بدأت سلسلة من الأسفار والتقيت خلال ذلك مجموعة من العلماء المتألقين رواد علم الدماغ، الذين قاموا فى أواخر الستينيات أو أوائل سبعينيات القرن الماضى بسلسلة من الاكتشافات غير المتوقعة، وأظهر هؤلاء العلماء أن الدماغ غيّر تركيبه من كل نشاط مختلف قام بتأديته / محسّنًا دوائر الكهربائية إلى الحد الأمثل بحيث إنه كان ملائمًا بشكل أفضل للمهمة بين يديه، فإذا فشلت "أجزاء" معينة، فإن أجزاء أخرى يمكن أحيانًا أن تتولى المهمة بالنيابة عنها، ولم تستطع استعارة الآلة كان العلماء يرونها، وبدأوا يطلقون على هذه الخاصية الأساسية للدماغ اسم "اللدونة العصبية".

اللدونة: هى المطاوعة والقابلية للتغيير والتعديل وهكذا يشير مصطلح اللدونة العصبية إلى ليونة الخلايا العصبية فى أدمغتنا وأجهزتنا العصبية وقابليتها للتغيير.

لم يجرؤ العديد من العلماء فى البداية على استخدام مصطلح "اللدونة العصبية" فى منشوراتهم، واستخفّ بهم نظراؤهم لترويجهم فكرة خيالية كهذه ومع ذلك فقد تشبث هؤلاء العلماء بفكرتهم، ليعكسوا ببطء مبدأ الدماغ غير المتغير، أظهر العلماء أن القدرات العقلية التى يولد بها الأطفال ليست دائمًا ثابتة، وأن الدماغ التالف يستطيع غالبًا أن يميز نفسه بحيث إن إذا أخفق جزءًا منه فإن جزءًا آخر يمكن أن يحل محله، وأنه إذا ماتت خلايا الدماغ فمن الممكن استبدالها أحيانًا، وأن العديد من "الدوائر الكهربائية" حتى الأفعال المنعكسة الأساسية التى نظن أنها مُحكمة هى ليست كذلك، وقد أظهر واحد من هؤلاء العلماء أن التفكير والتعلم والفعل يمكن أن تشغّل جيناتنا أو توقفها عن العمل، مُشكّلة بالتالى التركيب البنيوى لدماغنا وسلوكنا، وهذا الاكتشاف هو بكل تأكيد واحد من أكثر الاكتشافات الاستثنائية فى القرن العشرين، وإن فكرة الدماغ يمكن أن يغيّر تركيبه من خلال التفكير والنشاط هى التعديل الأهم فى نظرتنا للدماغ منذ أن وضعنا لأول مرة مخططًا لتركيبه البنيوى الأساسى وأعمال مكونه الأساسى، ألا هو العصبون أو الخلية العصبية ومثل جميع الثورات، ستكون لهذه الثورة تأثيرات عميقة، إن لثورة اللدونة العصبية آثارًا، من بين أشياء أخرى، على فهمنا للكيفية التى يغّير بها الحبّ، والحزن، والعلاقات، والتعلم، والإدمان، والثقافة والتكنولوجيا، والعلاجات النفسية، أدمغتنا.

وتمتد هذه الآثار لتشمل جميع العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الفيزيائية، طالما أنها تتعامل مع الطبيعة البشرية، بالإضافة إلى جميع أشكال التدريب، سيكون على جميع فروع العلم هذه أن تتوافق مع حقيقة الدماغ المتغّير ذاتيًا ومع حقيقة أن بناء الدماغ يختلف من شخص إلى آخر وأنه يتغير فى سياق حياتنا الفردية وفى حين أن الدماغ البشرى قد بخس ظاهريًا قدر نفسه، إلا أن اللدونة العصبية ليست كلها أخبار جيدة، صحيح أنها تجعل أدمغتنا "واسعة الحيلة"، ولكنها أيضًا تجعلها أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية، تملك اللدونة العصبية القوة لإنتاج سلوك أكثر مرونة ولكن أكثر صلابة أيضًا وهى ظاهرة أطلق عليها أنا اسم "التناقض اللدن".

ومن سخرية القدر أن بعضًا من أكثر عاداتنا واضطراباتنا استعصاء هو نتاج للدونتنا، فعندما يحدث تغير لدن معين فى الدماغ ويصبح راسخًا، يكون بإمكانه أن يمنع حدوث تغيرات أخرى، ولا يمكننا أن نفهم فعليًا مدى الإمكانيات البشرية إلا بفهم التأثيرات السلبية والإيجابية على حدّ سواء وحيث إنه من المفيد استخدام مصطلح جديد لأولئك الذين يقومون بشىء جديد، فإن المصطلح الذى اخترته لممارسى هذا العلم الجديد الخاص بالأدمغة المتغيرة هو "اختصاصيو اللدونة العصبية".

ويُعد راماشاندران من علماء المخ العظام فقد سأل سؤلاً جريئًا للغاية: هل يمكن نسيان الشلل والألم الشبحيين؟ كان هذا هو السؤال الذى قد يسأله الأطباء النفسانيون، والسيكولوجيون، والمحللون النفسيون: كيف يغّير المرء حالة لها حقيقة نفسية دون أن يكون لها حقيقة مادية؟ بدأ عمل راماشاندران يطمس الحد الفاصل بين علم الأعصاب والطب النفسى وبين الحقيقة والوهم ثم خطرت لراماشاندران الفكرة السحرية لمحاربة وهم آخر، ماذا لو كان بإمكانه أن يرسل إشارات كاذبة إلى الدماغ لجعل المريض يظن أن الطرف غير الموجود يتحرك؟ قاده السؤال أعلاه إلى اختراع صندوق مرآة مصمم لخداع دماغ المريض، سيريه الصندوق الصورة المعكوسة ليده السليمة فى المرآة لجعله يعتقد أن يده المبتورة قد "بُعثت" من جديد صندوق المرآة هو بحجم صندوق كعكه بدون غطاء ومقسوم إلى قسمين، أحدهما إلى اليمين والآخر إلى اليسار، وهناك فتحتان فى مقدمة الصندوق، إذا كانت اليد اليسرى للمريض مبتورة، يضع يده اليمنى السليمة من خلال الفتحة فى القسم الأيمن ثم يُطلب منه أن يتخيل أنه يضع يده الشبحية فى القسم الأيسر أما القسم الذى يفصل القسمين فى الصندوق فهو مرآة رأسية تواجه اليد السليمة، وبما أن الصندوق لا غطاء له، فبإمكان المريض إذا مال قليلاً إلى اليمين، أن يرى الصورة المعكوسة فى المرآة ليده اليمنى السليمة التى ستبدو أنها يده اليسرى كما كانت قبل البتر، وبينما يحرك يده اليمنى مجيئًا وذهاًبا فإن يده اليسرى "المبعوثة" سوف تظهر أيضًا كما لو كانت تتحرك مجيئًا وذهابًا، مركبة على يده الشبحية، أمل راماشاندران أن دماغ المريض قد يحصل على الانطباع بأن الذراع الشبحية تتحرك من أجل أن يجد مرضى لاختبار صندوق المرآة.

وضع راماشاندران إعلانات مبهمة فى الصحف المحلية تقول: "مطلوب مبتورون" استجاب "فيليب مارتينز" للإعلان قبل حوالى عقد من الزمان قُذف فيليب بقوة فى الهواء بينما كان يقود دراجته النارية بسرعة 70 كم/ساعة، تمزقت كل الأعصاب الممتدة من يده اليسرى وذراعه إلى عموده الفقرى بسبب الحادث، كانت ذراعه لا تزال موصولة بجسمه، ولكن لم تكن هناك أيه أعصاب عاملة لترسل إشارات من عموده الفقرى إلى ذراعه ولم تدخل أية أعصاب عموده الفقرى لتنقل الإحساس إلى دماغه، كانت ذراع فيليب أسوأ من كونها عديمة النفع: فهى مجرد عبء لا يمكن تحريكه، وعليه أن يبقيها فى معلاق، ولهذا فقد أختار أخيرًا أن تُبتر ذراعه، ولكن بتر الذراع جعله يشعر بألم شبحى رهيب فى مرفقه الشبحى، شعر فيليب أيضًا بأن ذراعه الشبحية كانت مشلولة، وتملكه إحساس بأنه إذا استطاع فقط أن يحركها، فقد يخفف الألم، إصابة هذا الوضع المأساوى باكتئاب شديد إلى حدّ أنه فكر فى الانتحار عندما وضع فيليب ذراعه السليمة فى صندوق المرآة، لم يبدأ فقط فى ذراعه الشبحية تتحرك، ولكنه شعر بها تتحرك للمرة الأولى قال فيليب بانذهال وفرح غامر أن ذراعه الشبحية قد وصلت بالكهرباء مرة أخرى ولكن فى اللحظة التى كان يتوقف فيها عن النظر إلى الصورة المعكوسة فى المرآة أو يغمض عينيه، كان الطرف الشبحى يجمد، أعطى راماشاندران صندوق المرآة لفيليب ليأخذه معه إلى البيت ويتدرب على استعماله أملاً أن فيليب قد ينسى شلله بتحفيز تغير لدن يمكن أن يجدد الاتصالات الكهربائية لخريطة دماغه، استخدم فيليب الصندوق لعشر دقائق فى اليوم، ولكن بدا أنه كان يؤدى إلى نتيجة فقط إذا كانت عيناه مفتوحتين، تنظران إلى الصورة المعكوسة ليده السليمة فى المرآة ثم بعد أربعة أسابيع، تلقى راماشاندران اتصالاً هاتفياً متحمسًا من فيليب، أخبره فيه أن ذراعه الشبحية لم تفقد جمودها بشكل دائم فحسب، ولكنها اختفت أيضًا، حتى عندما لا يكون مستخدمًا للصندوق كما تلاشى أيضًا مرفقة الشبحى وألمه المبرح ولم يتبق إلا أصابع شبحية غير مؤلمة تتدلى من كتفه أصبح راماشاندران الساحر العصبى أول طبيب يجرى عملية مستحيلة ظاهريًا: البتر الناجح لطرف شبحى قاد اكتشاف المزيد عن أسرار المخ إلى تطور التعلم الإدراكى الحسى هو ذلك النوع من التعلم الذى يحدث فى كل مرة يتعلم الدماغ كيف يدرك بحده أكثر أو بطريقة جديدة ويطور خلال العملية تراكيب وخرائط دماغية جديدة، يشترك التعلم الإدراكى الحسى أيضًا فى التغير التركيبى المستند إلى اللدونة الذى يحدث عندما يساعد برنامج فاست فورورد، الذى ابتكره ميرزنيتش، الأطفال الذين يعانون من مشاكل تمييز سمعى على تطوير خرائط دماغية منقّحة بحيث إنهم يستطيعون أن يسمعوا كلامًا طبيعيًا للمرة الأولى افترض منذ زمن طويل أننا نستوعب الثقافة من خلال معدات إدراكية حسية بشرية قياسية عامة، ولكن التعلم الإدراكى الحسى يُظهر أن هذا الافتراض ليس دقيقًا كليًا، تحدد الثقافة إلى درجة أكبر مما ظننا ما نستطيع وما لا نستطيع أن ندركه (نفهمه).


موضوعات متعلقة..


خالد عزب يكتب: أزمنة التغيير: الدين والدولة والإسلام السياسى










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة