إحسان عبدالقدوس.. اكتشافات مغايرة لربيع الأنثى بين أحفاد آمون

الجمعة، 26 ديسمبر 2014 02:26 م
إحسان عبدالقدوس.. اكتشافات مغايرة لربيع الأنثى بين أحفاد آمون أحسان عبد القدوس
كتب محمد محسن أبو النور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كأى طفل عظيم ولد إحسان عبدالقدوس فى اليوم الذى يفتح به الناس عامهم، وتحديدًا فى فجر 1 يناير عام 1919، وهو اليوم الذى شهد مولد الأعلام والخالدين فى تاريخ بنى الإنسان. فى قرية الصالحية بمحافظة الشرقية، وقت أن كانت مصر العظيمة حبلى بثورة غيرت وجه الحياة السياسية فى القرن العشرين، وكأى صبى مدلل ومنعم، تربى بين أحضان والده محمد عبدالقدوس، ووالدته التركية الأصل روز اليوسف مؤسسة دار «روز اليوسف»، بعيدًا عن صخب المدينة وضجيجها.

مولد الأسطورة وتكوينها
تدرج إحسان فى التعليم الأزهرى من الكتّاب حتى المدرسة إلى أن تخرج فيه، ومنه عمل رئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، ثم درس فى مدرسة خليل أغا بالقاهرة، ثم فى مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة. ورغم نشأته الدينية، والتزامه الإسلامى المأخوذ عن أبيه المعروف بالتقوى والصلاح، فإن إحسان تمرد على نشأته، وتأمل ربيع الأنثى المنتظر، ومسائل الانفتاح الجنسى، والعذرية بشىء من الليبرالية غير المعهودة فى زمانه، ونلاحظ ذلك فى عدد من الروايات والقصص، منها «حالة الدكتور حسن» التى تحولت إلى فيلم سينمائى حمل اسم «أين عقلى»، أدت بطولته فاتنة العرب سعاد حسنى أمام محمود ياسين، ومن خلال القصة ناقش اضطراب الشاب الريفى بين التقاليد والتقدمية، والذى تلقى تعليمه فى أوروبا بعد أن عرف أن زوجته ليست عذراء كما تربى وأحب وتمنى.

معالم السرد القدوسى
بالرغم من التنوع الكبير الذى حظيت به تجربة السرد لدى إحسان عبدالقدوس، من خلال نشأته الريفية وتعليمه الأزهرى، وشهرة والدته ومجدها، وصلاح أبيه وتقواه، فإنه يعتبر الروائى والقاص الوحيد الذى كرسوا أعماله لأدب الرومانسية المتجردة، حتى لو تخللتها أحداث درامية فى حيز السياسة، أو حيز الحراك المجتمعى الهائل الذى ولد عبدالقدوس فى أحضانه، وعاش تجارب تحرر المصريين ونضالهم ضد الاحتلال لحظة بلحظة. أبسط دليل على ذلك أعماله الشهيرة: «أين عمرى عام 1954، والوسادة الخالية عام 1955، والطريق المسدود ولا أنام 1957، وفى بيتنا رجل عام 1957، وشىء فى صدرى عام 1958»، ولا يجب نسيان رائعته الدرامية التى لا تتكرر عام 1964 عن الحريات الجنسية اللامقننة واللامنظمة للمرأة فى منتصف القرن العشرين، والتى حملت عنوان «أنف وثلاث عيون» وحولها بعد ذلك المخرج اللامع حسين كمال إلى عمل سينمائى أدت بطولته ميرفت أمين، وماجدة، ونجلاء فتحى، ومحمود ياسين. تفرد إحسان عبدالقدوس فى سرده القصصى والروائى بسمات لم يحظ بها أدباء مصر كافة، بمن فيهم كاهنهم الأكبر نجيب محفوظ، صاحب نوبل، وأهمها على الإطلاق بساطة الفكرة الاجتماعية، وتجردها من الأيديولوجيات السياسية والعقائدية. ولو تتبعنا مسيرة الرواية المصرية فى القرن العشرين، ابتداء من الدكتور هيكل، والمازنى، وتوفيق الحكيم، وطه حسين، والعقاد، وصولًا إلى أديب نوبل ورفاقه، وحتى من أعقب تلك المرحلة، لوجدنا أن لكل منهم قضية سياسية حملت طابعًا فلسفيًا حاول الروائى أن يدسها فى جيوب النص لتخرج بالرسالة التى أراد كل واحد منهم أن يوصلها إلى من يهمه الأمر. لكن إحسان عبدالقدوس بأسلوبه شديد السهولة، وشديد الامتناع فى آن، دس فى جيوب نصوصه أفكارًا تقدمية أكثر منها أى شى آخر، خاصة تلك التى تتعلق بالمرأة وتحررها، فخرجت رواياته بيضاء للناظرين، محدثة الأثر الأكبر، والأهم فى نفوس طالبات الجامعات والسيدات المتعلمات وبنات الطبقات الوسطى والراقية فى الخمسينيات والستينيات، ومن ثم بدأن فى المطالبة بتسيير أنفسهن وفقًا لنموذج المرأة الأوروبية كما أراد إحسان وسعى.

ثانى اثنين إذ هما فى صالة العرض
يمكن القول إن السينما العربية قامت روائيًا وحواريًا على أكتاف رجلين اثنين: نجيب محفوظ ثم إحسان عبدالقدوس. ومن المعروف أن إحسان شارك فى صياغة قصص وروايات كتبها ولم يكتبها عند تحويلها إلى أفلام سينمائية، فقد كتب الحوار لفيلم «لا تطفئ الشمس» الذى أخرجه صلاح أبوسيف عن إحدى رواياته، وكتب الحوار لفيلم «إمبراطورية ميم» الذى أخرجه حسين كمال عن أقصوصة من مجموعة «بنت السلطان»، وكتب حوار «بعيدًا عن الأرض» للمخرج نفسه. اللافت فى تلك الخاصية لدى إحسان عبدالقدوس أنه شارك كلًا من رفيق الصبان، وحسين كمال فى كتابة سيناريو عدد من الأفلام المهمة، كما شارك سعد الدين وهبة، ويوسف فرنسيس فى كتابة سيناريو فيلم «أبى فوق الشجرة»، ولذلك نقول بارتياح ضمير إن إحسان هو ثانى أكثر كتاب القصة والرواية إثراء للسينما كمًا وكيفًا، لا يسبقه فى ذلك سوى سيد الرواة وتاج رأسهم نجيب محفوظ.

خلاصة الخلاصة
مجمل القول، إن إحسان عبدالقدوس صنع لنفسه مجدًا يفوق مجد أولئك الذين يحلمون بأن تقبلهم ملكات الجمال، أو أولئك الذين يتوقون إلى أن يصنع لهم النحاتون تمثالًا من الحجارة يوضع فى مركز الميادين أمام المارة والعابرين، أو حتى أولئك الذين يتمنون لو أنهم فى عصور يعلق الناس أعمالهم على أستار الكعبة، وفى خيال المصريين وذاكرتهم يجلس إحسان آمنًا مطمئنًا متأملًا من خلال الخلود مكانته الأدبية لدى أحفاد آمنتت وماعت وآمون.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة