أيمن عبد الرسول

ارقد بسلام يا مولانا

الخميس، 11 مارس 2010 07:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحل الشيخ الأوفر حظًّا من الجدل حوله معه أو عليه، الرجل الذى حافظ على مقعده حتى الموت، واقفًا لمعارضيه بالمرصاد، لم يتسامح فى حقه ذات يوم حفاظًا على هيبة مشيخة الأزهر الشريف، تلك المؤسسة الدينية المتخصصة فى الحفاظ على تراث الإسلام فى مصر، ومحط نقد الكثيرين للأسف من الإسلاميين الذين استجابوا لسحب بساط الريادة الدينية من تحت أقدامنا وألقوها تحت أقدام المملكة العربية السعودية، والمدهش أن الرجل الذى حاول ترضية الجميع لم ينل الرضا من الإخوة العلمانيين أيضًا، تعرض لظلم فادح من جراء مواقفه المؤيدة للنظام السياسى فى مصر قطعًا.

المرحوم الشيخ كان نموذجًا فى علاقة المؤسسة الدينية مع السلطة السياسية ولم يتورط فيما يشينه مع ذلك، كان يمشى على خيط من نار ولا يُعجب أحدًا فى النهاية, مرة يتهم بالتطبيع مع إسرائيل، ومرة يتهم بممالأة السياسيين الكبار فى فتوى فوائد البنوك مثلاً، ومرات يتعرض لهجوم من الجهلاء بمخالفة فتاواه، نعم جهلاء.. فلو أن رجلاً كالشيخ الفقيد طنطاوى لم ينهل من العلم ما يؤهله لارتقاء سدة الإفتاء مرة ومقام شيخ الأزهر مرة لا يفقه فى الدين فمن يفقه إذن؟!

تلك حقيقة غائبة لا يوازيها سوى احترام الأقباط لرمزهم الدينى ممثلاً فى البابا شنودة الثالث، فكلتا المؤسستين الأزهر والكنيسة مواقفهما مؤيدة للنظام، غير أن الكنيسة لا تلقى ضجة الاعتراض التى يثيرها - الجهلاء بالدين فعلاً – ضد شيخ الأزهر كلما أفتى أو قال، ربما يرجع السر فى ذلك إلى تحول الكنيسة إلى دولة داخل الدولة لحماية الأقلية القبطية، ولن نتحدث عن الدور الاجتماعى الاقتصادى الرعوى الذى تلعبه الكنيسة فى حياة الأقباط، ومع ذلك تبقى حالة العلمانيين الأقباط التى نجحت فى إحداث الحراك الثقافى السياسى ليست ضد البابا، على العكس هى تخدم توسع سلطاته، وتزيد هيبته أمام شعب كنيسته، أما الأزهر مؤسسة دين الأغلبية العددية، فلا أفضال له على أغلب المصريين، فهو ليس مؤسسة خدمية، وترك الدور "الإسلام- سياسى" لتلعبه الجماعة الإخوانية وناشطون سلفيون من عينة الجمعية الشرعية وجماعة أنصار السنة المحمدية، وغيرهم.

منذ فترة تعرض صديق صحفى لأزمة مع شيخ الأزهر، وأدليت بتصريح خاص أطالب فيه شيخ الأزهر بالتسامح مع خصومه، وأن يضرب مثلاً بنفسه فى سماحة الإسلام، ولم يلتفت إليه شيخ الأزهر، وفكرت فى حملة ضد شيخ الأزهر - رحمه الله - ولكننى فكرت قبل التورط فى كسب عداء مجانى للمؤسسة العريقة التى عرفنا منها طه حسين والإمام محمد عبده والشيخ محمود شلتوت وغيرهم من رواد التنوير الدينى، فكرت فى أن الهجوم الحاد على شخص شيخنا الكريم سيصب فى النهاية لصالح التطرف الدينى المقيت، ثم ماذا يريد العلمانيون من شيخ الأزهر، هل يتحدث فى السياسة أم لا؟

المهم أننى آمنت بأن وجود هذا الشيخ فى مكانه من أهم الضمانات ضد التطرف حتى لو قال ما يخالف العقل، لأنه غير موكل بالعقل، ولكنه يمثل الدين والدين ليس كله بالعقل، كما قال مولانا الإمام على لو كان الدين بالعقل لكان مسح بطن الخف أولى من ظاهره.

رحل الشيخ الذى كان عالمًا كبيرًا رغم أنف الجميع، ولكن لاقترابه من السلطة السياسية، ومحاولاته الدائمة لأن يكون رجل دين سياسى، فقد الكثير مما يحتاجه رمز شيخ الأزهر من تعاطف شعبى وجماهيرى، ربما لأنه لم يحلم بالأزهر كدولة داخل الدولة مثل الكنيسة، ربما لأنه لم يرضَ رغبات المفتونين بالمد السلفى، وأخيرًا مات هناك فى المملكة العربية السعودية وأظن أنه – رحمه الله - كان يتمنى هذه الميتة.. سمعت تعليقات الناس على وفاته وانتابنى حزن عميق، لخسارتنا فيه، وجهل الناس به، الشيخ محمد سيد طنطاوى، حاول أن يرضى الكل، فتحالف على نقده الجميع وهم لو كانوا مكانه لا أظنهم كانوا سيفعلون أكثر مما فعل، على أساس دينى إسلامى، وكان موقفه من نقاب الفتاة الصغيرة خير مثل على تمثيله المشرف للإسلام المصرى السمح الذى لا يعرف قهر البنات الصغار تحت النقاب، والمدهش أن ينتقده العلمانيون متشبثين بالحرية!!

ترقد بسلام يا مولانا الآن وموعدك الجنة لأنك لم تخن دينك ولا وطنك يومًا، ولم تتورط فى الخضوع لابتزاز المعارضين لك من كل اتجاه ولم تلعب دور السياسى، وإن كنت خير مثال لرجل الدين الذى لا يتدخل فى السياسة، فقدمت القدوة التى تليق بك وبدور مؤسسة الأزهر تحت مظلة النظام، المدهش أيضًا أن صديقى الذى كان يهاجم شيخ الأزهر "عمال على بطال" شجع موقفه من النقاب، واستحسن دفاع المؤيدين لشيخ الأزهر فى هذا الرأى، فهل مطلوب من القائم على رأس المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية أن يفصل آراءه حسب هوى كل مسلم؟!
مدير المركز المصرى لدراسات الحالة الدينية والمواطنة








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة