فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى وفقه الأولويات.. الفهم الصحيح للدين يفرض علينا معرفة فقة الأولويات.. وعلينا معرفة قواعد الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد

السبت، 29 نوفمبر 2014 08:03 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى وفقه الأولويات.. الفهم الصحيح للدين يفرض علينا معرفة فقة الأولويات.. وعلينا معرفة قواعد الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد شوقى عبد الكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد راعت الشريعة الإسلامية مصالح البلاد والعباد من خلال منظومة متكاملة تمثلت فى مقاصدها العليا، وهى الضروريات التى تشمل حفظ (الدين، النفس، النسل، العقل، المال) والحاجيات والتحسينيات، فقدمت الضروريات على الحاجيات، والحاجيات على التحسنيات.

وعندما نذهب ونرى كيف وازن القرآن الكريم بين المصالح بعضها البعض نجد الجواب فى آيتى سورة التوبة فيقول الله تعالى: «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِى سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ»، فقد وازن بين مصالح مشروعة هى سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، وبين الإيمان بالله والجهاد فى سبيله، فجعل الله الإيمان والجهاد أعظم درجة وأرفع منزلة. أما حينما وازن بين المفاسد فقال تعالى فى سورة الكهف: «أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِى الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا»، وفى الموازنة بين المصالح والمفاسد يقول تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا».

ونحن اليوم بصدد الحديث عن غياب فقه الأولويات عن حياتنا وانشغال البعض بالأمور التى تهدم ولا تبنى وتفرق ولا تجمع، مما يؤدى بدوره إلى حدوث الفرقة وعدم الاستقرار، فى وقت المجتمع فيه أحوج ما يكون لأن يتوحد أبناؤه حول قضايا البناء  وتقديم الأهم فالمهم مراعاة لفقه الأولويات الذى يمنح الآخذ به بصيرة وتوفيقًا، ويعطيه رؤية واضحة فيما هو عام وخاص بدلاً من إنفاق الجهد والوقت فى قضايا تشتت ولا تجمع.  لكن ما يلفت النظر الآن فى واقعنا هو اختلال ميزان الأولويات لدى عموم الأمة، فقد تم الاهتمام بالنوافل دون الفرائض، وتقديم الفروع على الأصول، والاهتمام بالعبادات الفردية على حساب العبادات الاجتماعية، وإثارة قضايا فى غير وقتها، وفى غير مكانها، إلى غير ذلك من ألوان الخلل، وهذا يؤدى إلى تضييع الأوقات وتبديد الطاقات وصناعة الأزمات وتمزيق العلاقات.

ففى الفترة الأخيرة دأب البعض على إثارة قضايا تحدث البلبلة من خلال فتاوى التكفير والتفجير تارة وإنكار ثوابت العقيدة أو النَّيل من بعض الصحابة أو التشكيك فى علماء الحديث تارة أخرى، وترك ما ينفع المسلمين وما هم أحوج إليه، وكل هذا بدوره يفتح بابًا عظيمًا للفتن، ويفتح بابًا لغير المتخصصين لأن يدلو بدلائهم فى القضايا العقدية والفقهية، مما يثير مشاعر العامة والخاصة فى وقت البلاد تسعى للهدوء بعيدًا عن صخب المدعين.

وغياب فقه الأولويات عن هؤلاء المدعين وغير المتخصصين هو ما يوقعهم فى دائرة الخلاف، ففقه الأولويات يعنى: «معرفة ما هو أجدر من غيره فى التطبيق»، أو «معرفة الأسبقيات فى الأحكام والأعمال وفق المعايير والموازين الشرعية»، أو «العلم بالأحكام الشرعية التى لها حق التقديم على غيرها بناء على العلم بمراتبها، وبالواقع الذى يتطلبها»، بمعنى أنه يدعونا إلى تقديم الأصول على الفروع، والمقاصد على الوسائل والآليات، وفرض العين على الكفاية والفرض على السنة، ويقدم العلم على العمل، وعمل القلب على عمل الجوارح، والدائم على المنقطع، كذلك تحديد الوقت الذى تقال فيه قضية ما وأين ولمن.. وهكذا.

ولاشك أن الفهم الصحيح للدين يفرض علينا معرفة فقه الأولويات وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت فكما يقال: «ليس العاقل الذى يعلم الخير من الشر، ولكن العاقل الذى يعلم خير الخيرين وشر الشرين».

وإذا كنا نريد أن نتصدى لمثل هذه الأفكار المنحرفة والشاذة  التى ظهرت فى وقت نحن أحوج ما نكون إلى الانشغال بالبناء والعمل والالتفاف حول هدف وطنى؛ فعلينا مراعاة فقه الأولويات من خلال أدواته ومضمونه والذى يراعى وضع الأحكام والقضايا فى مراتبها الشرعية دون تقديم أو تأخير، بحيث لا يؤخر ما حقه التقديم، ولا يقدم ما حقه التأخير، ولا يصغر الأمر الكبير، ولا يكبر الأمر الصغير، كما أن علينا أيضًا مراعاة فقه الموازنات الذى يوازن بين المصالح بعضها البعض والمفاسد بعضها البعض، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد، وأن يصهر هذا فى بوتقة تجمع هذين الفقهين فى علاقة تلازم وتداخل، فكلاهما مرتبط بالآخر، فالموازنات تنتهى دائمًا بالأولويات، وهذا واضح كما ذكرنا آنفًا بما فعله النبى فى الفترة المكية وفى صلح الحديبية، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين قال: «الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة