"يحيا الحب".. الفيلم الثالث لعبد الوهاب والأول لليلى مراد..سلطات الاحتلال الفرنسى تحذف أغنية «أحب عيشة الحرية» عند عرضه فى لبنان!

الجمعة، 28 نوفمبر 2014 11:34 ص
"يحيا الحب".. الفيلم الثالث لعبد الوهاب والأول لليلى مراد..سلطات الاحتلال الفرنسى تحذف أغنية «أحب عيشة الحرية» عند عرضه فى لبنان! ليلى مراد
تحت إشراف : ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن العدد اليومى..

فى 24 يناير من عام 1938 عرض فيلم «يحيا الحب» للمرة الأولى، وقبلها بخمسة وعشرين يوما فقط - 30 ديسمبر 1937 - أقدم الملك الشاب فاروق للمرة الأولى أيضا على إقالة وزارة حزب الوفد التى يترأسها مصطفى النحاس باشا، فلم ينزعج الناس ولم يتأثروا، برغم أن شباب حزب الوفد خرجوا فى مظاهرات قبلها تعلن «النحاس أو الثورة/ لا إقالة ولا استقالة». وفى سنة 1938 أيضا بلغ عدد المصريين نحو 16 مليون نسمة، وليلى مراد أكملت عامها العشرين، أما عبدالوهاب فكان عمره 41 عامًا، وأم كلثوم 40 سنة والملك فاروق نفسه لم يتجاوز 18 عامًا!

فى سنة 1938 أيضا أصدر نجيب محفوظ مجموعته القصصية الأولى «همس الجنون»، وكان طه حسين على مشارف الخمسين ينعم بلقب عميد الأدب العربى الذى منحه له الشعب قبل ذلك بستة أعوام، أما معاهدة 1936 فقد مضى عامان على إبرامها مع الاحتلال الإنجليزى، وهى التى نصت على تمصير الوظائف الأجنبية، وكان جمال عبدالناصر فى سنة 1938 قد أتم 20 عامًا وتخرج فى الكلية الحربية برتبة ملازم أول، ومحمد حسنين هيكل 15 سنة، ومبارك طفلا لم يزد عمره على عشر سنوات وعبدالحليم 9 سنوات، أما فاتن حمامة فلم تكمل عامها السابع بعد!

عند عرض «يحيا الحب» للمرة الأولى كان سعد باشا زغلول قد رحل قبل 11 سنة والزعيم الروسى لينين قد مات قبل 14 سنة، وكان عمر الاحتلال الإنجليزى لمصر قد مضى عليه 56 سنة، وكان هتلر يفكر فى كيفية غزو أوروبا واحتلالها وهو ما فعله بعد عام واحد فقط!

ليلى الخجولة
هذه هى حال مصر والعالم قبل 76 سنة، أما «يحيا الحب» فيعد الفيلم رقم 82 فى تاريخ السينما المصرية، وهو الفيلم الثالث لمحمد عبدالوهاب بعد «الوردة البيضاء/ 1933»، و«دموع الحب/ 1935». وهو من إخراج الرائد محمد كريم الذى تولى تحقيق أفلام عبدالوهاب كلها. أما ليلى مراد فقد استمع الناس إلى صوتها فقط فى فيلم «الضحايا/ 1935»، وكانت هذه هى المرة الأولى التى تقف فيها أمام الكاميرا.

يصف محمد كريم فى مذكراته التى حققها الناقد السينمائى محمود على ليلى مراد قائلا: «كانت آنسة وديعة خجولة إلى أبعد حد، ضعيفة فى التمثيل إلى أبعد حد أيضا.. ولعل سبب ضعفها راجع إلى خجلها المتناهى، فكانت تخجل حين تضحك.. وتخجل حين تتكلم.. وكان الحوار يتضمن كلامًا ينتهى بضحك.. فكانت تقول الكلام ثم تنفرج شفتاها عن ضحكة صامتة لا صوت لها، فكنت أستعين بفتاة من الكومبارس وأسجل صوت ضحكتها وأضعها على صورة الضحكة الصامتة».

هذه هى البدايات المتواضعة لليلى مراد، لكن الناقد السينمائى الكبير كمال رمزى يكتب عنها مقالة مهمة تحت عنوان «حلم جميل لا يغيب فى الضباب» المنشورة فى «كتابه نجوم السينما العربية» ويتحدث عن دورها فى «غزل البنات/ 1949» أى بعد 11 سنة من فيلمها الأول فيقول: «ليلى مراد هنا وهى فى أوج تألقها تختزل بروحها وملامح وجهها الكثير من مباهج الحياة ووعودها المتلألئة.. إنها قريبة.. رحيمة.. رقيقة.. مشرقة.. فى عينيها شقاوة ممتزجة بالبراءة، وفى نظراتها شفافية تعبر بوضوح عما يعتمل فى داخلها.. غضبها يتلاشى سريعًا ليحل مكانه التسامح.. ابتسامتها الدائمة سهلة.. عريضة.. ساحرة.. تكشف عن صفاء نفسها، وتؤكد أن صاحبتها تقبل بحماسة على الحياة».

أرأيت الفرق بين ليلى فى أول أفلامها، ثم بعد أن اكتسبت الجرأة والخبرة واكتمل نضجها الإنسانى والفنى؟ إنها تثبت أن الدأب والمثابرة والإصرار عوامل رئيسة لكى يتطور الإنسان ويصل إلى ذرى مرتفعة فى الفن والحياة.

عبدالوهاب الكوميديان
فى «يحيا الحب» أثبت محمد كريم أنه مخرج حصيف، فبعد أن قدم عبدالوهاب فى فيلمين ميلودرامين تنضح مشاهدهما بالدموع والآهات هما «الوردة البيضاء ودموع الحب»، لدرجة أن الجماهير كانت تخرج من دور العرض وأعينها متورمة من فرط البكاء على خيانة الحبيب أو موت البطلة.. حتى إن عبدالوهاب غنى فى الفيلم الثانى قصيدة للموتى مطلعها «أيها الراقدون تحت التراب».. أقول بعد هذه العواصف السينمائية والأحزان المفجعة تمكن محمد كريم من تقديم فيلم كوميدى.. خفيف الطلة.. يظهر فيه عبدالوهاب شابًا عاشقا.. لطفيًا.. متهورًا.

القصة تأليف عباس علام، وهو كاتب مسرحى صديق للمخرج، ومن إنتاج شركة أفلام عبدالوهاب، أما الممثلون الآخرون فهم محمد عبدالقدوس والد الروائى الشهير إحسان، ولعب دور خال ليلى مراد، ومحمد فاضل والدها، وعبدالوارث عسر والد عبدالوهاب رغم أنه يكبره فى الحقيقة بعامين فقط، وأمين وهبة خطيبها مدرس الحشرات، وزوزو ماضى فى أول أدوارها فى السينما، ولعبت دور شقيقة عبدالوهاب.
حكاية الفيلم بسيطة وطريفة، وتتكئ على المفارقات المتناقضة التى تفرق بين الحبيبين حتى تنجلى الحقيقة فى النهاية، ويجمع الغرام القلبين المتخاصمين، لكن ما يهمنا هنا الانتباه لبعض المعلومات الاجتماعية التى يحتشد بها الفيلم، مثل أن راتب عبدالوهاب وهو موظف فى البنك يصل إلى 15 جنيهًا، وقرر أن ينتقل ليسكن فى شقة جديدة إيجارها 3 جنيهات ونصف الجنيه لأنها أرخص من القديمة التى يبلغ إيجارها 5 جنيهات!

نلاحظ أيضا انتشاراً واضحاً لمفردات فرنسية يتفوه بها أبطال الفيلم بتلقائية مثل «بنجور/ بنسوار/ ميرسى» إلى آخره.. الأمر الذى يشير إلى أن الطبقة الأرستقراطية آنذاك كانت ترفض التحدث بلغة المحتل الإنجليزى، وأنها مشبعة بالثقافة الفرنسية، كما نرى لقطات من فخامة القصور والديكورات الباذخة والملابس الأنيقة لنساء ورجال الشريحة الاجتماعية الثرية فى مصر فى ذلك الوقت البعيد.
أغنيات خالدة

بعيدًا عن الإمكانات التكنولوجية المحدودة فى ذلك الزمن والتى أدت إلى أن يكون إيقاع الفيلم بطيئا وأداء الممثلين لا يخلو من افتعال.. نظرًا لأن السينما كانت فنا وليدًا لم ينضج بعد رغم أن المخرج استعان بمدير تصوير فرنسى اسمه جورج بنوا، ورغم أنه رفض أن يتم التحميض والطبع فى معامل ستوديو مصر لأنها رديئة، وسافر إلى باريس لعمل الطبع.. بعيدًا عن كل هذا، فإن «يحيا الحب» يظل من العلامات المهمة فى تاريخنا السينمائى لأنه مترع بأغنيات خالدة أبدعها الموسيقى المجدد عبدالوهاب، وبالمناسبة كان عبدالوهاب يفضل لقب «الموسيقى» ولا يحبذ لقب «الموسيقار».

«أحب عيشة الحرية» أولى أغنيات الفيلم، وفى نهايتها يطل عبدالوهاب من النافذة ويرفع يده لأعلى وهو يقول «نحب عيشة الحرية» مثل تمثال الحرية! ومن المفارقات أن سلطات الاحتلال الفرنسى فى لبنان قامت بحذف هذه الأغنية من الفيلم حين عرض فى بيروت كما يقول المخرج.
ضم الفيلم أغنيات رائعة مثل «يا وابور قول لى رايح على فين، يا دنيا يا غرامى، عندما يأتى المساء، ودويتو «يادى النعيم اللى أنت فيه يا قلبى»، ودويتو «طال انتظارى لوحدى والبعد عنك أليم» والاثنان مع ليلى مراد.

لكن الغريب - كما يقول محمد كريم فى مذكراته - أن الفيلم كان يعرض بمصاحبة عبدالوهاب أحيانا، وهذا وصف كريم لما حدث عندما عرض الفيلم فى سينما كوزموس التى تسع أكثر من 1500 مشاهد: «وفى أحد أيام العرض.. تم عرض الفيلم بمصاحبة عبدالوهاب لأول مرة فى العالم كله. كان يضاف إلى ثمن التذكرة خمسة قروش فى اليوم الذى يغنى فيه عبدالوهاب. كان يفاجئ الجمهور بأغنية من أغانى الفيلم. فى الليلة الأولى مثلا عندما جاء عرض أغنية «يا وابور قوللى رايح على فين» توقفت آلة العرض وأضيئت الأنوار وفتح الستار عليه وسط فرقته الموسيقية كاملة. كانت الأغنية «يا وابور قوللى» يستغرق عرضها فى الفيلم ست دقائق وكان يغنيها على المسرح فى أكثر من ساعة، لدرجة أن حفلة الماتينيه التى كانت تنتهى فى التاسعة كانت تنتهى فى الحادية عشرة ويبدأ السواريه الساعة 11,30 تقريباً، ولم تستعمل هذه الطريقة بعد ذلك فى أى فيلم من أفلام عبدالوهاب ولا لأى مطرب آخر.

أرأيت كيف كان الرواد يبدعون ويروجون لأعمالهم؟
أما الداعى للكتابة عن هذا الفيلم اليوم فهو مرور 19 سنة على رحيل ليلى مراد، إذ غابت عنا فى 21 نوفمبر من عام 1995، فقلت نتذكرها ونتذكر أول أفلامها.. ويا له من فيلم!



موضوعات متعلقة..

بسنت جميل تكتب : مارى كوينى.. غادة الصحراء..وصائدة الأمجاد الحزينة..كانت أول من أنشأ معمل ألوان فى الشرق الأوسط عام 1957

محمد غنيم يكتيب : قصة شوارع وميادين احتكرها المماليك والباشاوات..قلب القاهرة يروى التاريخ بالحجارة والأسفلت

حازم حسين يكتب : صباح.. سيدة تخبز الشمس وتُعبّئ أشجار الزيتون بالزيت.."إن كان مكتوب علينا نفارق القمر هنفارق القمر"


Pdf28112014









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة