تفاصيل عمليات تهريب الأفارقة من القاهرة إلى تل أبيب

دماء سوداء على الحدود

الإثنين، 24 مارس 2008 04:02 م
دماء سوداء على الحدود
كتب- عبد الحليم سالم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"أرمينا سينات" مواطن سودانى عمره 50 عاماً، حلم بالتخلص من ظروفه المادية السيئة، فقرر السفر إلى إسرائيل عن طريق مصر، ووصل بالفعل إلى منفذ رفح يحمل أحلاماً عريضة بالثراء، وبحياة جديدة تماماً تختلف عن حياته السابقة اليائسة. وعند العلامة الدولية، أمام أسلاك الحدود، فاجأه جندى الحراسة المصرى، وطلب منه أن يسلم نفسه، إلا أن"سينات" فكر أنه لم يقطع كل هذه المسافة، من أجل أن يسقط على الحدود.و فكر سينات لحظة، ثم هرب من أمام الجندى، الذى ناده قائلاً: "ارجع، سلّم نفسك!" دون فائدة، ولم يوقف هروبه إلا رصاصة واحدة انطلقت نحوه فأسقطته على الأرض قتيلاً.
أصبحت الحدود المصرية الإسرائيلية فى الفترة الأخيرة حلماً لعدد كبير من الأفارقة للعبور إلى حياة الثراء فى الدولة العبرية، وأصبح المصريون جلادين فى نظر هؤلاء الأفارقة المتسللين لأنهم يحرمونهم من الوصول إلى واحة الأمان الإسرائيلية التى توفر لهم ما لم يجدوه فى بلادهم. فمنذ بداية 2007 تم ضبط أكثر من 2000 متسلل على الحدود، لقى 5 منهم مصرعهم: 4 رجال من السودان، وسيدة إريترية، وأصيب 45 من إريتريا والسودان وساحل العاج وتركيا وإثيوبيا، كما نجح أكثر من 1500 آخرين فى اختراق الحدود والوصول إلى إسرائيل.
إسرائيل من جانبها تستقبل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين وتوطنهم، وتوفر لهم كل وسائل الحياة. ومن جانب آخر، فإنها تتهم السلطات المصرية بعدم ضبط حدودها، والسماح للمتسللين بالمرور من خلالها. والأمن المصرى من ناحيته يتهم المتسللين بالمسئولية عن حوادث القتل بسبب عدم استجابتهم للنداءات وإصرارهم على اختراق الحدود، ويؤكد أهمية الحفاظ على الحدود، ويدلل على هذا بأن من يسلمون أنفسهم يتم تسليمهم إلى سفاراتهم ومعاملتهم بالشكل اللائق.
وكان الإقبال المتزايد من جانب المتسللين على العبور سبباً فى تكوين عصابات لتهريبهم مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 5 آلاف و500 دولار، حسب جنسية وحالة المتسلل، كما يؤكد عبد الله السيناوى واحد من البدو الذين يساعدون الأفارقة فى العبور. ويضيف عبد الله: تهريب الأجانب أمر مشروع ولا شىء فيه، لأن الدولة أهملتنا وتركتنا فى الصحراء دون أى رعاية من أى نوع. نحن ننقل الأجانب من دولة إلى دولة وهذا شىء عادى، ولا نسميه تهريباً، لأن التهريب يعنى "ممنوعات" والبشر ليسوا ممنوعات. الخريطة التى يقطعها المتسلل للوصول إلى الحدود يشرحها عبد الله قائلاً: الأجانب يصلون فى البداية إلى السويس أو الإسماعيلية. من السويس يعبر المتسلل النفق بسهولة حتى يصل إلى الطريق الأوسط فى سيناء، ومن الإسماعيلية يعبر إلى شرق القناة، ونحن نتسلمهم وننقلهم إلى غرب سيناء عبر الطرق الجبلية التى لا يعرفها غيرنا، ومنها إلى الحدود، ونتركهم هناك فى الفجر، وكل واحد ونصيبه، إما أن يعبر، أو أن يقبض عليه، أو أن يقتل، وهذا ليس ذنبنا، لأن الأعمار بيد الله.
محمد شاب سيناوى آخر يقول: الأجانب يحلمون بالوصول إلى إسرائيل، ونحن نحقق لهم هذا الحلم، وهم كبار سن وشباب وأطفال، يدفعون جيداً، ويكونون فى خوف شديد من احتمال فشل رحلتهم، ودورنا يقتصر على نقلهم قريباً من الحدود. نحن لا نهربهم ولا ننقلهم إلى خارج مصر، بل ننقلهم من منطقة إلى أخرى داخل مصر، وهذا لا شىء فيه، ورغم هذا يلقى الأمن القبض على شباب البدو بتهمة تهريب الأجانب، ويتم اعتقالهم. نحن نتعب حتى نوصلهم قريباً من الحدود: نسلك طرقاً مهجورة، ونرتب أماكن فى الصحراء للإقامة فيها، ونشعر أننا مطاردون طوال الوقت. هذا عمل شاق، ويستحق النقود التى يدفعها الأجانب فيه. مرفت كيلا هربرت) 57 عاماً( مواطنة من جبال إريتريا الفقيرة على ساحل البحر الأحمر. سمعت عن معجزة إسرائيل، فقررت فوراً أن تهاجر إليها لتحقيق أحلامها المعطلة منذ طفولتها، ولتأمين مستقبل مضمون لابنتيها موزى) 10 سنوات)، وتيم) 8 سنوات). أولاد الحلال فى إريتريا نصحوا مرفت بالدخول إلى إسرائيل عن طريق مصر، ووصلت مرفت إلى القاهرة بسهولة، ثم قطعت رحلة شاقة حتى وصلت إلى سيناء، وهناك التقت أحد أفراد عصابات التهريب، واشترط عليها أن يأخذ 5 آلاف دولار. مقابل تهريبها هى وطفلتيها، وبالطبع وافقت، فهى تحلم بالجانب الآخر طوال الرحلة، وليس لديها أى استعداد للتراجع.
يوم الأحد الماضى، احتضنت مرفت طفلتيها، واستعدت لعبور الأسلاك الشائكة التى تفصل بينها وبين الحياة، بعد أن تركها الدليل قائلاً لها: إن كل ما عليها هو أن تعبر الأسلاك، وتركب أى سيارة دورية إسرائيلية لتصل إلى تل أبيب. مرفت جرت بكل قوتها ورغبتها فى التخلص من فقرها وبؤسها، وفجأة أتاها صوت جندى حراسة الحدود المصرى، وبالكلمات الإنجليزية القليلة التى يعرفها صرخ فيهاStop, Back, Stop, Back , لكنها أصرت على العبور، وقبل أن تصل إلى الجانب الآخر دوت الطلقات لتصاب برصاصة فى ساقها وأخرى بالقرب من قلبها، سقطت على الأرض، وصرخت الطفلتان، وقبل أن تصل إلى المستشفى لفظت مرفت أنفاسها الأخيرة دون أن تنجح فى تحقيق حلمها بالسفر إلى إسرائيل. ورفضت السفارة الإريترية تسلم جثتها قائلة للسلطات المصرية: تصرفوا بمعرفتكم، فتم دفنها فى مقابر مدينة رفح المصرية، على بعد أمتار من خط الحدود، وتركت خلفها طفلتين يتيمتين تحلمان بالسفر، ليس إلى إسرائيل كأمهما ولكن إلى إريتريا مسقط رأسيهما.
لمعلوماتك..
4 ملايين نسمة هو عدد سكان إريتريا فى 2007 وبدأ عدد كبير منهم فى النزوح إلى الخارج هرباً من الفقر وديكتاتورية السلطة.
1200 سودانى أحبطت السلطات المصرية محاولات تسللهم إلى إسرائيل فى 2007 فقط.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة