د.مصطفى خميس السيد يكتب: نظرة إلى الشباب

الخميس، 14 أغسطس 2014 08:09 م
د.مصطفى خميس السيد يكتب: نظرة إلى الشباب صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لن أسب هذا التيار أو ذاك.. لن أنافق هذا المسئول أو هذا النظام.. لن أعيد تغليف نظريات قديمة فى قوالب جديدة.. لن أفرط فى صوتى وقلمى.

سأكتب ما ينبغى على كتابته، سأحاول أن أعبر عن شريحة يتناولها الكثيرون كما يتعامل لاعبو كرة القدم بالكرة يركلونها أحيانا ويركضون خلفها أحيانا أخرى، يتنافسونها فى أغلب الوقت وهى لا صوت ولا رأى لها، ولكن هذه الشريحة هى مستقبل هذا الوطن، هى شريحة الشباب وليس فقط المستقبل بل الحاضر أيضا، لأنها تكوّن أكبر شريحة فى المجتمع المصرى.

للأسف يتم التعامل والحديث حول الشباب كالحديث عن شريحة مفعول بها لا شريحة فاعلة، يريدون منها بريقها ورونقها ولكن لا يقوون على معدنها وحقيقتها، يريدونها جزءا من الواجهة لا جزءا من العقل والساعد ومتخذى القرار ولا حتى الوقود الذى يحافظ على الاستمرارية. وهذا من حيث المكانة والموضع المراد بهذه الشريحة فى الدولة "الحديثة".

أما المعضلة الأكبر أنهم لا يريدون أن يسمعوا صوتها كأنها كيان أبكم لا يستطيع التعبير عن نفسه، وإن أظهروا محاولة الاستماع يكون أيضا من باب التجمل والتصنع. (استخدام ضمير الجماعة من باب التهييم لأنها مشكلة ثقافية اجتماعية تستشرى فى المجتمع أفقيا ورأسيا لا يستثنى منها أى مكون من مكونات الدولة والمجتمع).
توجد إشكاليات خطيرة نتيجة هذا التعامل السطحى والسلمى مع شريحة الشباب.
أول هذه الإشكاليات أنها فعليا كتلة كبيرة فى المجتمع أكبر كتلة تصويتية، كتلة منتشرة على مستوى الجمهورية، كتلة لها مراكز تجمع طبيعية كالمدارس والجامعات والأندية والمراكز، كتلة لديها قدرة كبيرة ووقت ومسئوليات مجتمعية أقل، هذه الكتلة شعرت بثقلها ووزنها وتأثيرها على فترات مختلفة.

ولكن وصلت لقمة هذا الشعور منذ ثورة يناير 2011 و ما تلاها من أحداث حتى ثورة 30 يونيو ولم تنزل من على هذه القمة. هذه الكتلة مؤثرة ولكن لا يمكن أن تصبغ بلون واحد واهتمام واحد أو توجه واحد. ولكن عدم التعامل معها بالشكل المناسب بالطريقة التى تراعى احتياجاتها واهتماماتها وطموحاتها على تنوعها، سيؤدى إلى فقدان بوصلة هذه الكتلة بل وربما أدت إلى انفجار الطاقة الكامنة بداخلها بشكل سلبى.

الإشكالية الثانية هى أن هذه الشريحة تكون لها ثقافة مغايرة بل بعيدة جدا عن جيل الآباء والأجداد والمسافة تزداد اتساعا، تجد التباين فى أغلب عناصر بناء الثقافة حتى فى اللغة المستخدمة، فى القضايا الوطنية التى تربو عليها (هذه الشريحة لم تشهد مثل سابقيها أيا من الحروب التى خاضتها مصر)، فى مصادر الثقافة وتنوعها فتعددت الوسائل مثل الإنترنت والفضائيات ولكنها سطحت أيضا (كالفرق بين البحث فى ويكيبيديا والبحث فى المكتبة) والاعتماد على قناة تليفزيون أو راديو واحدة ومئات الفضائيات الموجودة الآن، فى انفصال هذه الشريحة عن النخبة الثقافية لأسباب عديدة لا مجال لذكرها ولكن الوضع اختلف عن الماضى. كما اعتمدت هذه الشريحة وارتبطت ارتباطا وثيقا بالتكنولوجيا والانفتاح المعرفى كالموبايل والإنترنت ووسائل المواصلات وإتاحة عرض السفر والحصول على المنح الدراسية أو فرص العمل.

أنا أقارن بين عموم هذه الشريحة الآن وجيل آبائهم وأجدادهم كما عاصر هذا الجيل فترة فوران سياسى وتغيير فى الاتجاهات السلطة والدولة وحراك ثورى وسياسى لم تشهده الأجيال السابقة (فترة الحكم تراوحت بين 10 أعوام و30 عاما).

هذه الإشكالية تفنى وجود فجوة ثقافية تؤدى إلى فجوة فى التواصل وفجوة فى الاهتمامات والتطلعات وبالتالى تحرك هذه الشريحة إما فى اتجاه مغاير أو بسرعة مختلفة إلا إذا تمت مراعاة هذه الفجوة وهذا محور آخر للحديث يأتى لاحقا أو جزء منه الآن.

الإشكالية الثالثة أنه لا يوجد إطار يستوعب هذه الشريحة وأنه لا يوجد إطار بالمعنى التقليدى يمكن أن يستوعبه ونتج عن ذلك أن هذه الشريحة بكل المحاولات التجميلية غير مشتركة بشكل حقيقى فى رسم تصورات المستقبل ولا هى موجودة بشكل فعال داخل آليات اتخاذ القرار.

وهنا يفهم الشباب بشكل خاطئ تماما، القضية ليست قضية تمثيل للشباب ولا كوتة معينة ولا صورة ولا منصب، القضية أن يكونوا مدمجين بشكل حقيقى فى ماكينة اتخاذ القرار وبناء الرؤى والتصورات.

الإشكالية الرابعة أن البناء المجتمعى والمؤسسى لهذا البلد مصمم بطريقة تأتى بعكس النتيجة المطلوبة من الإشراك والإدماج للشباب، فى المؤسسات الحكومية والعسكرية تقوم بالأساس على قاعدة الترقية والأقدمية وليس بحكم الكفاءة (إلا فى استثناءات معينة).

فاللواء فى الشرطة بالطبع سيكون بالطبع أكبر سنا من العميد والعقيد إلخ. ووكيل الوزارة عادة يكون أكبر من المدير العام والمدير إلخ .

أما بالنسبة لبناء المجتمع فتجد التفضيل ما يكون عادة بالسن، فالابن الأكبر له أدوار معينة وكبير العائلة عادة ما يكون الأكبر (أيضا يوجد استثناءات)، وحتى فى التجمعات الدينية تجد الوضع الأصلى - إلا فى الاستثناء- يكون بتقديم الابن.

حتى إن هذه القاعدة انسلخت على التجمعات الخاصة والاختيارية فتجد كابتن فريق الكرة الأقدم وتجد أعضاء مجلس إدارة النادى من الكبراء حتى أنهم بحاجة إلى عمل مقعد للشباب والأمثلة كثيرة.

والمطلوب هنا ليس هدم القاعدة ولكن تقييم الموقف وتعديل التصميم، فتجد فى المجتمعات الديمقراطية رؤساء جمهوريات ورؤساء الوزراء كأمريكا وبريطانيا فى الأربعينيات، المتحدث باسم البيت الأبيض 34 عاما (المستقيل)، المتحدثة بالخارجية فى الثلاثينيات.

الكثير من الاقتصاديين والاستشاريين الرسميين كذلك ورؤساء الشركات العالمية كجوجل وفيس بوك من الشباب والكثير من الأمثلة على المجتمعات اجتهدت فى إعادة التصميم للإدماج الحقيقى والاستفادة الحقيقية من هذه الشريحة المميزة بدلا من أن يتم استخدامها بطريقة أخرى مثل الاستقطاب فى الصراع السياسى والانضمام إلى الجماعات المحظورة والسفر والانضمام إلى داعش.
انظروا إليهم بعين الاعتبار للاستفادة بقدراتهم المكبوتة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة