حسن زايد يكتب: عندما يصبح التعليم عملية تعذيب للطالب وولى أمره

الإثنين، 11 أغسطس 2014 08:07 م
حسن زايد يكتب: عندما يصبح التعليم عملية تعذيب للطالب وولى أمره صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليم لغةً هو مهنة المُعَلِّم والأستاذ. والتعليم هو مراحل تَلْقِين، وَتدريسِ المعارِف والمهارات. وعلَّم العلم فهمه إياه. ووزارة التربية والتعليم هى الوزارة المسئولة عَنْ تَلْقِينِ أَبْناء الشعب الْمعارِف ومبادئ العلوم فى المدارِس الابْتدَائية والإعدادية والثّانوية. ولبيان أهمية التعليم فى حياة الإنسان يكفى أن نتذكر، ونذكر مقولة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين حين قال: إن التعليم كالماء والهواء، وذلك بالنسبة للفرد، ويصح ذات القول بالنسبة للأمم والشعوب. ومعنى ذلك أنه لا حياة للأفراد أو الشعوب بغير تعليم، وأن التعليم ليس ترفًا تمارسه الجماعات والأفراد وإنما هو ضرورة وجود، ومقتضى حياة. ومن هنا كان الرابط الموضوعى بين التعليم والأمن القومى. وعندما تتدنى أهمية التعليم فى بلد ما إلى حد عدم إدراك علاقته بالأمن القومي، أو إدراك العلاقة مع عدم الاكتراث بأن الأمن القومى مرتبط بالتعليم وجوداً وعدماً، فلا ريب أن هذا البلد مهدد بالفناء.


وآفة مصر فى تعليمها أن بعضنا لا يدرك علاقة التعليم بالأمن القومى، أو أنه يدرك تلك العلاقة إلا أنه لا يكترث. ورغم أن مصطلح الأمن القومى من المصطلحات المراوغة التى لا يكاد يُتَّفق على معنى واحد لها فى القاموس السياسى العربى، إلا أنه يمكن تعريفه ببساطة بأن ثمة مخاطر تحدق بالأمة، هذه المخاطر قد تكون داخلية، وقد تكون خارجية، وقد تكون داخلية/خارجية، وأن ما يراد بالأمن القومى هو وضع السياج الذى يحمى مصالح الأمة من تلك المخاطر، ومن هنا عُدَّ انحطاط مستوى التعليم خطرًا داخليًا محدقًا يستوجب المجابهة، خاصة أنه من المخاطر التى لها بعد خارجى متمثل فى التخلف عن الركب الحضارى، والتبعية بكل صورها وجوانبها. وقد كانت هناك ثلاث آفات شكلت دوائر جهنمية التفت تاريخيًا حول عنق المجتمع المصرى، على نحو يعيق انطلاقه للحاق بالركب الحضارى، وهى الفقر والجهل والمرض، ولذا عندما جاءت ثورة يوليو 1952م اعتمدت مجانية التعليم كمنهج للتغيير، وعلاج قضية الجهل، ورغم ما قد يؤخذ على نظام مجانية التعليم من مآخذ باعتباره مؤثرًا سلبيًا على كفاءة العملية التعليمية، إلا أنه كان خطوة للأمام.


ومع أن المنطق كان يقتضى أن تتبع هذه الخطوة خطوات إلا أننا فوجئنا بظهور بوادر التعليم غير الرسمى الموازى، ففضلاً عن تخلف المناهج الموضوعة، واعتماد أسلوب الاختبار فى تحصيلها على الأسئلة التى تقوم على الحفظ والتلقين دون إدراك أو وعى أو فهم، أو تأثير فى بناء الشخصية المتعلمة القادرة على الأخذ والرد والمناقشة، فضلاً عن ذلك ظهرت الكتب الخارجية "الملخصات"، فهى رغم تفوقها من حيث الإخراج على الكتاب الرسمى، إلا أنها ساهمت إلى حد كبير فى تسطيح المناهج وتتفيها، واعتمادها على الحفظ، وقد ظهر الكتاب الخارجى فى البداية على استحياء، ثم أغرق الأسواق فى مراحل تالية، إلى حد ذهاب واضعى الكتب الخارجية إلى تخريب الكتاب الرسمى حتى لا تقوم له قائمة فى مواجهة الكتاب الخارجى، ويصبح المكان اللائق به محلات البقالة حيث يستخدم فى صناعة القراطيس، ومواكبة لهذه المرحلة بدأت تلوح فى الأفق بوادر الدروس الخصوصية، والتى بدأت أول ما بدأت كمجموعات تقوية مجانية للتلاميذ ضعاف التحصيل، ثم تطورت حتى أصبحت مافيا حاكمة لسوق التعليم فى مصر، ولم تعد تقتصر على الطلاب ضعاف التحصيل فحسب، بل أنها امتدت حتى أصبحت بديلاً عن المدرسة، وأصبح الشغل الشاغل للمعلم والمتعلم الخروج بالعملية التعليمية عن إطارها الرسمى.

وقد استفحل هذا الأمر وبلغ حداً لم تعد الدولة قادرة على مواجهته، أو إيقافه عند حده، حتى أنك تستشعر كولى أمر أنك تتعرض لمؤامرة من أطراف خفية، والمحصلة أن العملية التعليمية أصبحت عملية تعذيب ممنهجة للطالب ولولى أمره طوال سنوات التعليم. حتى تكتمل الدائرة أفضت الزيادة السكانية إلى حدوث انفجار سكانى داخل الفصول على نحو يتعذر معه بحال إتمام عملية تعليمية ناجحة، فضلاً عن الافتقار للوسائل التعليمية أو انعدامها ناهيك عن السياسة التعليمية المتخبطة التى بدأت بجعل التعليم الإلزامى حتى الشهادة الابتدائية، وهذا الإلزام كان يقتضى أن يستمر الطفل فى التعلم رغم أنفه، حتى ولو لم يكن يجيد القراءة والكتابة، ثم تقرر إلغاء السنة السادسة ثم إعادتها دون أن يدرك أحد سبب الإلغاء أو سبب الإعادة، ثم امتد الإلزام إلى الشهادة الإعدادية لتمتد معه ذات المشكلة، فى حالة نادرة من الغش التجارى غير المسبوق فى العملية التعليمية، حيث تتفاجأ فى المرحلة الثانوية بنوعيها العام والفنى بطلاب لا يجيدون القراءة والكتابة، ويحملون شهادات تفيد بغير ذلك. ثم امتد العبث إلى المرحلة الثانوية بتقسيم الثانوية إلى مرحلتين تستغرقان عامين دراسيين كاملين، وتستغرقان معهما دخل الأسرة كاملاً، فضلاً عن حالة التعذيب المفرط التى تقع على كاهل التلاميذ.


ولعل ما حدث فى امتحانات الثانوية العامة لهذا العام يمثل أمثولة يتحاكى بها القاصى والدانى، سواء من حيث مستوى الأسئلة الانتقامية الذى تم وضعه، أو من حيث حالات الغش العلنى، وتسريب أسئلة الامتحانات عبر مواقع التواصل الاجتماعى. ولعل فى دخول القطاع الخاص منافسًا للدولة فى مجال التعليم سواء الجامعى أو قبل الجامعى قد أفسد العملية التعليمية على فسادها، إلى حد أن التلاميذ يتداولون فيما بينهم أن السر وراء الروح الانتقامية السائدة فى امتحانات الثانوية العامة يكمن وراءها خدمة الجامعات الخاصة. فهل تدرك الدولة بعد كل هذا العلاقة بين العملية التعليمية والأمن القومى؟. لو أن الدولة أدركت ذلك لبادرت بإعادة النظر فى العملية برمتها. وللنهوض بالتعليم لابد من الاهتمام بعناصر العملية التعليمية وهى: المعلم، والمتعلم، والرسالة التعليمية، ولكى تتم العملية التعليمية لابد من الاهتمام بالوسائل التعليمية. وإعادة النظر فى أسلوب اختبار التحصيل القائم على الامتحان حتى تعفينا من ذلك الصداع المزمن الذى يصيب مصر كل عام بسبب الامتحانات.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة