«سرايا عابدين» عمل درامى أحدث شرخًا فى تاريخ مصر وجرحًا فى عقول المصريين..المؤرخ ماجد فرج ذهب إلى ما هو أبعد ووصف «سرايا عابدين» بالمؤامرة على الخديو إسماعيل وعلى تاريخ مصر وسمعتها وهويّتها

السبت، 02 أغسطس 2014 05:22 م
«سرايا عابدين» عمل درامى أحدث شرخًا فى تاريخ مصر وجرحًا فى عقول المصريين..المؤرخ ماجد فرج ذهب إلى ما هو أبعد ووصف «سرايا عابدين» بالمؤامرة على الخديو إسماعيل وعلى تاريخ مصر وسمعتها وهويّتها مسلسل سرايا عابدين
محمد غنيم يكتب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

سار الخديو إسماعيل- طوال 15 عامًا من وجوده فى الحكم- على خطا جدّه محمد على باشا فى انتشال مصر من التخلّف وتحقيق حلم التنافس مع أوروبا، وسرعان ما تحقّق الحلم وأصبحت مصر فى عهده تضاهى بلاد الغرب، بل وتفوّقت عليها فى بعض المجالات، وازدهر التعليم والثقافة والأمن والسياحة، وحدثت أيضًا بعض الإخفاقات لعلّ أبرزها البذخ وتراكم الديون.

مؤخّرًا ساقتنا الأقدار لمشاهدة مسلسل تليفزيونى يسىء لتاريخ مصر، يحمل اسم «سرايا عابدين» وتوقيع المؤلفة العربية هبة مشارى حمادة، التى ركزت على حياة الخديو إسماعيل وعلاقاته النسائية فقط، ولأن معظمها افتراء فقد شوّهت صورة الرجل وجعلته زير نساء، دون أن تذكر إنجازاته ومشروعاته.

وفيما يتصل بوقائع المسلسل المغلوطة، بدأ العمل بعيد ميلاد الخديو إسماعيل الـ30، وبما أنه ولد فى 1830 فإن أحداث المسلسل تدور عام 1860، مع أن الخديو تقلّد حكم مصر فى 18 يناير عام 1863 أى بعد أحداث المسلسل بثلاث سنوات، وفى وقت أحداث المسلسل لم يكن إسماعيل قد حصل على لقب «خديو»، بل كان «والى مصر»، وحصل على اللقب عام 1867، كما أمر ببناء قصر عابدين الذى دارت به أحداث المسلسل عام 1863 وتم الانتهاء من بنائه عام 1868 وأصبح مقرًّا للحكم عام 1872 أى بعد أحداث المسلسل بـ12 عامًا.

طوال حلقات المسلسل يُقال «جلالة الخديو» وهذا خطأ فادح، لأن «جلالة» لم تُعرف إلا فى عهد الملكية، وكان النداء بـ«عظمة الخديو» أو «جناب الخديو»، وفى أحد المواقف يقول الخديو، إنه سيعرض الأمر على المجلس النيابى، بينما الحقيقة أن إسماعيل قد حوّل «مجلس المشورة» الذى أسسه جده محمد على إلى مجلس «شورى النواب» وافتتح جلساته فى 25 نوفمبر عام 1866، أى بعد أحداث المسلسل بـ6 سنوات، هذا إلى جانب أن الموسيقى التى كانوا يرقصون عليها فى عيد ميلاد الخديو من نوع «الفالس» واسم هذه المقطوعة «الدانوب الأزرق»، ألّفها الموسيقار النمساوى يوهان شتراوس عام 1866 أيضًا.

كذلك من المغالطات أن «خوشيار» أم الخديو لم تسكن قصر عابدين، وإنما كانت مقيمة فى قصر الدوبارة، وفى أحد المشاهد يقول الأمير توفيق لأبيه: «إيه شعور جلالتك وأنت ترى القطار فى مصر»، فيجيب الخديو: «ده أول قطار فى الشرق الأوسط والثانى فى العالم، وأنا أنوى أن يصل إلى كل مصر»، وهذا خطأ تاريخى فادح أيضًا لأن أول خطّ سكّة حديد فى مصر بدأ إنشاؤه يوم 12 يوليو عام 1851، وبدأ التشغيل فى 1854 بأوامر من والى مصر «عباس حلمى الأول»، وفى الحلقة الرابعة ظهرت صورة واضحة لقصر عابدين تعلوه أعلام مصر وإنجلترا وفرنسا، بينما لم يحدث يومًا فى تاريخ مصر أن رُفِعَت أعلام دول أجنبية فوق قصر عابدين، وعلم مصر نفسه ظهر بهلال ونجمة فقط، بينما كان وقتها بثلاثة أهلّة وثلاثة نجوم، وإضافة إلى هذا يمكننا أن نشير إلى كثير من المغالطات فى المسلسل، لعلّ أبسطها هذه النقاط:

- ساعة الكوارتز التى ظهرت فى المسلسل تمّ اختراعها عام 1927، بعد الأحداث بـ67 عامًا، والقبّعة التى يلبسها الجناينى لم يعرفها المصريون إلا فى بدايات القرن العشرين.

- الخديو توفيق، أكبر أبناء الخديو إسماعيل، لم يكن له إخوة أشقاء من والدته «شفق هانم»، والأميرتان: توحيدة وفاطمة، ليستا شقيقتيه كما ورد فى المسلسل.
- بدلة التشريفة التى ارتداها الخديو فى المسلسل لم تُعرف إلا فى عهد الملك فؤاد الأول، وكذلك قلادة محمد على الذهبية، التى صُنِعَت فى فرنسا بأوامر من فؤاد أيضًا، ولم يظهر بها سواه وابنه فاروق، وكان حكام مصر قبل الملكية يعلقون النياشين ولم يعرفوا القلادات.
- أثار المسلسل شُبهة تآمر إسماعيل لاغتيال شقيقه وولىّ العهد الأمير أحمد رفعت، بينما توفّى الأمير فى حادث «كفر الزيات» فى 15 مايو 1858، بعد سقوط القاطرة التى كان يستقلها فى النيل.

- فى الحلقة 19 ظهرت «الكوليرا» كوباء وليس كحالات مرضية عادية، بينما عرفت مصر وباء الكوليرا مرتين فقط: الأولى عام 1883 والثانية فى 1947، وكلتاهما بعد أحداث المسلسل بسنوات عديدة.

- الأميرة نازلى بنت محمد على ظهرت فى الحلقة 20 على خلاف مع الوالدة باشا فى أثناء إقامتهما فى قصر عابدين، بينما الحقيقة الأكيدة أن الأميرة ولدت عام 1799 وتوفيت عام 1860، أى قبل أن يصبح إسماعيل واليًا على مصر، ولم تدخل قصر عابدين قط، حيث إنه شُيِّد بعد وفاتها بـ12 عامًا.

وبينما أكّد عبدالستار فتحى، رئيس جهاز الرقابة على المصنّفات الفنية، أن المسلسل لم يمر على الرقابة بشكل كامل وإنما جزء منه وأن شركة الإنتاج تكفّلت بالغرامة، أكّد الدكتور خلف الميرى، أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس- وكان مستشارًا تاريخيًّا للمسلسل- أن القائمين على العمل لم يعرضوا عليه السيناريو كاملاً، واكتفوا بسؤاله عن بعض الوقائع فقط، وهو ما جعله يرفض كتابة اسمه على «تتر» العمل.

المؤرخ ماجد فرج ذهب إلى ما هو أبعد ووصف «سرايا عابدين» بالمؤامرة على الخديو إسماعيل وعلى تاريخ مصر وسمعتها وهويّتها، وأن هناك من يحاول عمدًا تسخيف وتسفيه والتقليل من قيمة هذا الرجل العظيم الذى نعيش فى خيره حتى اليوم، وبعد صمت طويل التزمه الملك أحمد فؤاد الثانى- ابن الملك فاروق وآخر ملوك مصر- هاجم الرجل مسلسل «سرايا عابدين» عبر بيان صادر عنه، طالب فيه بوقف عرض «هذه المهزلة» على حدّ تعبيره، انطلاقًا من أن هذا العمل يُشوّه صورة جدّه الخديو، وبالتبعية فإنه يشوّه جزءًا وجانبًا مهمًّا من تاريخ مصر.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة