مفهوم الجاهلية والحاكمية فى العدد الجديد من سلسلة "مراصد"

الإثنين، 28 يوليو 2014 03:09 ص
مفهوم الجاهلية والحاكمية فى العدد الجديد من سلسلة "مراصد" مكتبة الإسكندرية – أرشيفية
الإسكندرية - جاكلين منير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية العدد الحادى والعشرون من سلسلة "مراصد" بعنوان "منهج النظر إلى مفهوم الجاهلية والحاكمية" للكاتب هشام جعفر.

ويقول الكاتب إن لفظ الجاهلية من مبتكرات القرآن، فلم يُسمع هذا اللفظ فى العرب إلا بعد نزول القرآن، ثم استخدمته السنة النبوية فكان له حينئذ معنى واضح ومحدد، ولئن شابه كثير من الغموض والاضطراب فى الفكر الإسلامى الحديث، فلعل ذلك يرجع فى كثير من جوانبه إلى افتقاد التأصيل المنهجى الواضح لهذا المفهوم انطلاقًا من دلالته فى اللغة العربية أولاً ثم فى الأصول المنزلة بعد ذلك.

وفى محاولة لتحديد مفهوم هذا المصطلح تثور مجموعة من التساؤلات الهامة: أولها يتعلق ببيان ما إذا كانت "الجاهلية" فترة تاريخية انقضت ببعثة الرسول أو بفتح مكة على خلاف فى ذلك؟ أم أنها "حالة موضوعية"، وليست "فترة تاريخية" توجد كلما وُجِدَت مقوماتها وتوافرت خصائصها وسماتها؟ وثانيهما: أنه إذا كانت الجاهلية "حالة موضوعية" ترتبط بتوافر صفات وشروط معينة، فإن التساؤل الطبيعى حينئذ يكون عن ماهية هذه المقومات وتلك الخصائص؟.

ويحاول الباحث عبر الفصل الأول من الدراسة عن هذه التساؤلات من خلال النقاط التالية: أولاً: الجاهلية حالة موضوعية أم فترة تاريخية؟ ثانيًا: الجاهلية فى اللغة والأصول. ثالثًا: مستويات الجاهلية. رابعًا: مقومات الجاهلية.. حيث يرى أن الرأى فى الفكر الإسلامى انقسم بشأن احتمال تكرار الجاهلية مرة أخرى بعد ظهور الإسلام كما انقسم أيضًا بشأن إلحاق صفة الجاهلية بالمجتمعات المسلمة اليوم بناءً على اختلاف الآراء بشأن تحديد مضمون الجاهلية ومقوماتها والجاهلية التى اعترف بها الفكر الإسلامى الحديث لدى بعض تياراته ورموزه؛ من حيث إمكانية تكرارها مرة أخرى نظر إليها باعتبارها منهجًا فى الحياة مناقضًا لمنهج الله، أو بتعبير آخر الجاهلية وفقًا له منهج فى الحياة مقابل ومضاد لمنهج الإسلام، وأن الجاهلية طُرِحت أولاً كتعبير عن واقع الانحراف فى حياة المسلمين ثم استخدمت لمواجهة المشروع العلمانى للدول الوطنية بعد الاستقلال وموقف الجماهير المسلمة من هذا المشروع. وواقع الأمر فإن حسم هذا الخلاف لا يمكن أن يتم إلا فى ضوء التحديد الواضح لدلالات مفهوم الجاهلية كما جاءت فى اللغة والأصول المنزلة.

كما يرى إن الجاهلية وإن جاءت فى النصوص الشرعية بمعنى الفترة التاريخية المحددة إلا أن هذا لا ينفى أنها يمكن أن تكون "حالة موضوعية"، أى وصفًا يمكن أن يلحق بأية فترة زمنية خلت من منهج الله. فاستعراض وجهتى النظر (الجاهلية فترة تاريخية أم حالة موضوعية) فى ضوء آيات القرآن وأحاديث الرسول r ينتهى بنا إلى القول بأن مفهوم الجاهلية - كما جاء فى النصوص - لا يعد فى حقيقته أن يكون (ظاهرة اجتماعية إنسانية) قبل أن يكون وقتًا زمنيًّا خاصًّا معينًا يمكن أن يتخذ صورًا وتعابير شتى. فالجاهلية بهذا المعنى جوهر، فكرة، مضمون، تجريد له صور وقوالب شتى، وهى بهذا المعنى لا تحد من حيث نطاق انطباقها وتوافر مقوماته بزمان أو مكان أو إنسان، على معنى أنها كما وجدت قبل الإسلام يمكن أن توجد بعده، وكما ظهرت وتأصلت فى جزيرة العرب قبل البعثة فإنها تتعداها إلى سواها، فضلًا عن أنها تصلح وصفًا للإنسان بغض النظر عن نطاقه الاجتماعى ومستوى تحضره.

وعن مستويات الجاهلية، يشير الكاتب إلى جاهلية الفسوق والعصيان أن هناك أولاً جاهلية الفسق والعصيان، ويطلق عليها البعض "جاهلية الأعمال"، وهى تلك التى لا يخرج صاحبها من الملة. أما المستوى الثانى فهو الذى تتعلق فيه الجاهلية وتختص بالكفر، ويطلق عليه سالم البهنساوى "جاهلية الاعتقاد"؛ وهى تلك التى يخرج بها صاحبها عن الملة؛ لأنه لا يصدر عن مجرد سلوك وإنما عن عقيدة تستحل ذلك السلوك.

ويتناول الكاتب مقومات الجاهلية، ويقصد بالمقومات فى هذا السياق تلك السمات الأساسية التى إن توفرت فى فرد أو مجتمع أو نظام يمكن أن نطلق عليه وصف الجاهلية مع ضرورة مراعاة التمييز بين مستوياتها: جاهلية الأعمال، وجاهلية الاعتقاد. وبتعبير آخر فإن كل مقوِّم من هذه المقومات له آثاره السلوكية بالنسبة للفرد والمجتمع والنظم؛ فهذه المقومات بمثابة تصورات نظرية لها آثارها السلوكية، أو بعبارة أخرى فهى بمثابة منبع وقاعدة تنطلق منها كثير من التصرفات والممارسات.

ويحدد الكاتب المقومات الأربعة؛ وهي: تصور الجاهلية لله وعلاقته بالإنسان والكون والأحداث، وضعية التشريع، الجامع السياسى بين حمية الجاهلية ودعواها، وسيطرة قانون اللذة والمنفعة.

وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج التى كانت بمثابة إجابة عن التساؤلات التى طرحتها افتراضات الدراسة: أولاً: مفهوم الحاكمية من المفاهيم الأصولية الشرعية التى امتلأت بها آيات القرآن وأحاديث الرسول r، وقد وردت فى الأصول بمعنيين؛ المعنى الأول: الحاكمية الكونية، وهى إرادة الله الكونية القدرية التى تتمثل فى مشيئته العامة المحيطة بجميع الكائنات، وهى تعنى القضاء الكلى الناتج عن العلم الإلهى العام المترتب على الحكمة الكونية فى الأفعال الإلهية. المعنى الثاني: الحاكمية التشريعية؛ وهى تلك التى تتعلق بإرادة الله الدينية، وتتمثل هذه الإرادة فى تصور عقدى عن الله والكون والإنسان ونظرية الشريعة العامة؛ حيث تكون العبادات جزءًا منها بالإضافة إلى النظرية الأخلاقية. والتزام الإنسان بالحاكمية التشريعية يحقق الانسجام بينه وبين الكون من حوله؛ حيث يكون خاضعًا لإرادة الله اختيارًا باتباع قانون الله الشرعى فى حياته الاختيارية، كما هو خاضع لإرادة الله الكونية وتابع لقانونه الطبيعى فى حياته الجبرية.

ثانيًا: ومن هذا المنطلق يمكن فهم طبيعة العلاقة بين مفهوم الحاكمية ومفهوم الاستخلاف فى الرؤية الإسلامية، فمضمون الحاكمية بمكوناتها هو عهد الاستخلاف الذى يجب على الإنسان الالتزام به وتحقيقه.

فطبيعة الاستخلاف تستوجب وجود منهج وشريعة يحدد فيها المستخلف أسس وقواعد وضوابط حركة المستخلف. الحاكمية هى المحددة لهذا المنهج والموضحة للضوابط الحاكمة لتحقيق الاستخلاف.

ثالثًا: أن النتيجة الأهم فى ظن الباحث تتحدد من خلال دراسة طبيعة العلاقة بين كلٍّ من مفهوم الحاكمية ومفهوم الجاهلية ومظاهرهما المعاصرة وتبدياتهما الحاضرة. فكل من المفهومين له نسق خاص به يستدعى بعضه بعضًا مكوِّنًا نقطة مثالية تكون مثالية بمثابة قمة التناقض بين المفهومين.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة