فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: خطابنا الدينى فى رمضان.. التأكيد على دروسٍ تعلمناها فى الشهر الكريم.. من مكاسب رمضان التعود على قيام الليل وقراءة القرآن

السبت، 26 يوليو 2014 08:00 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: خطابنا الدينى فى رمضان.. التأكيد على دروسٍ تعلمناها فى الشهر الكريم.. من مكاسب رمضان التعود على قيام الليل وقراءة القرآن فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن العدد اليومى :

لم يبق إلا أيام معدودات ويرحل عنا الضيفُ الكريم، يرحل عنا رمضان وتظل آثاره فى نفوس المسلمين راسخة، يدعون الله تعالى أن يتقبل منهم رمضان، وأن يبلغهم رمضان القادم، قال ابن رجب - رحمه الله تعالى -: ولقد كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم. فهذا الشهر قد عظَّمه الله تعالى وكرَّمه، فشرَّف صُوَّامه وقوَّامه، ومنَحَهُم من الأجورِ ما ليس لغيرِهِ من الشُّهُور، فجعل أجرَ صائميه يفوق توقعات وتطلعات أى إنسان، كلُّ ذلك لأنَّ الصيامَ له وهو سبحانه الذى يَجزى به، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «قال اللهُ تعالى: كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصِّيام فإنَّهُ لى وأنا أجزى به»، وكفى بهذا شرفًا وفخرًا للمؤمن.

ولقد حرص الصحابةُ رضوان الله تعالى عليهم والسلف الصالح على الجد والاجتهاد والعمل من أجل نيل المغفرة من الله تعالى كما وعدهم النبى صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وفى رواية أخرى: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، فكانوا حريصين أشد الحرص على أن تقبل أعمالهم، بل كان يصيبهم الهم من عدم قبولها، فقد روى عن الإمام علىٍّ كرم الله وجهه: أنَّه كان ينادى فى آخرِ ليلةٍ من رمضان: ياليتَ شعرى! من المقبولُ فنهنيه؟ ومن المحرومُ فنعزيه؟ وهذا ابن مسعود رضى الله عنه كان يقول: أيها المقبولُ هنيئًا لك، ويا أيها المردودُ جَبَرَ اللهُ مصيبتَك. وقال الحسنُ رحمه الله: إنَّ اللهَ جعلَ شهرَ رمضانَ مضمارًا لخلقه يَستبِقُون فيه بطاعَته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا وتَخَلَّفَ آخرونَ فَخَابُوا، فالعجبُ من الَّلاعِبِ الضَّاحِكِ فى اليَومِ الذى يَفُوزُ فيه المُحْسِنُون، ويَخْسَرُ فيهِ المُبْطِلُون. ثم يبكى.

وخطابنا الدينى فى رمضان، وخاصة فى نهاية هذا الشهر الكريم، لابد أن يستخلص من هذا الشهر الكريم الدروس والعبر، ويسوقها إلى الناس لينهلوا منها، ويتعلموا ما يعود عليهم بالخير طيلة العام، وأول شىء ينبغى أن يركز عليه خطابنا الدينى هو حثُّ الناس على المداومة فى العبادات وألا تنقطع برحيل الشهر الفضيل، «فعن الحسن البصرى رحمه الله أنه قال: أىْ قوم، المداومَةَ المداومة، فإنَّ اللهَ لَمْ يجعلْ لعملِ المؤمنِ أَجَلاً دُونَ الموت». وقيل لِبِشْرِ الحَافِى رحمه الله: إن قوما يتعبدون الله ويجتهدون فى رمضان؟ (أى دون غيره من الشهور) فقال: بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقاً إلا فى شهر رمضان، إن الصالح الذى يتعبد ويجتهد السنة كلها. 

هذا الخطاب الدينى المرتجى لا بد أن يحث الناسَ بعد رمضان على الإخلاص كما كانوا فى رمضان، وأن يجعلوه قوام أعمالهم، يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى فى مدارج السالكين: «إن الأعمال لا تفاضل بصورها وعددها، وإنما التفاضل بتفاضل ما فى القلوب، فتكون صورة العمل واحدة وبينهما من التفاضل ما بين السماء والأرض»، وهذا الصحابى الجليل عبدالله بن ثابت رضى الله عنه لَمَّا ماتَ - على فراشِهِ - قالت ابنتُهُ: والله إن كنت لأرجو أن تكون شهيدا، فإنك كنت قد أتممت جازك، فقال النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ أوقعَ أجرَهُ على قَدْرِ نِيَّتِه»، فهذا الصحابى الجليل قد أخلص النية لله تعالى وحبسه المرض عن الجهاد فمات فأوقع الله تعالى أجره على قدر نيته ونال الشهادة بقلبه على فراش مرضه، ولم ينلها من طارت رأسه عن جسده فى ميدان المعركة، والفيصل بين هذا وذلك هو الإخلاص وسير القلب نحو الله والدار الآخرة، لذلك قال النبى الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ بالمدينةِ أقوامًا ما سِرْتُم مَسِيرًا، ولا قطعتُم وَادِيًا، إلَّا كانوا معكُم فيه وهُمْ بالمدينةِ، حبَسَهُمُ العذر».

كما أن هناك مسؤولية تقع على الدعاة والعلماء والمتصدرين للخطاب الدينى وهى مسؤولية استخلاص المكاسب والدروس والعبر من الشهر الفضيل وتوصيلها إلى الناس بشتى السبل وبأساليب متنوعة، تطابق أحوالهم وطبائعهم، ومن هذه المكاسب فى رمضان، التعود على الصيام، فينبغى على المسلم أن يتبع رمضان بصيام التطوع، ومنه صيام ستة أيام من شوال، قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»، ومنه أيضًا صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء والاثنين والخميس، وثلاثة أيام فى وسط كل شهر عربى، فعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَال: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ».

ومن المكاسب الأخرى التعود على قيام الليل وقراءة القرآن كنتيجة لصلاة التراويح، ومنها أيضًا التعود على الإحسان، الذى تعلمناه من إفطار الصائمين وإخراج زكاة الفطر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ، ومن المكاسب كذلك تعلم الاتحاد، الذى نحن أحوج ما نكون إليه اليوم، فالمسلمون يتحدون فى الصوم فى موعد الإفطار وموعد الإمساك، وفى هذا دعوة إلى التآلف وعدم الاختلاف قال تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا.

ومن الدروس المستفادة التى يعلمنا إياها الصيام تعلم القناعة، فالمسلم يكتفى ببعض لقيمات فى السحور فيمسك عليها إلى المغرب لا يتطلع إلى ما عند الآخرين، قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ» فتكون القناعة منهج حياة، ومن المكاسب أيضًا التعود على الصبر، فإذا كان الصائم يتحمل مشاق الجوع والعطش ويصبر على ذلك فينبغى أن يرث هذه الخصلة من مدرسة الصوم فيكون صابرًا متحملاً لما يعترض طريقه بعد رمضان فى شؤون حياته، وقد دعا الله إلى الصبر فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة