رؤية أستاذ الشريعة لتطوير الخطاب الدينى .. د. محمد الجندى: أعداء المنهج العقلى ودعاة الجمود اختصروا الدين فى الشعائر والطقوس .. و نصوص الشرع تحقق مصالح الناس

الأحد، 06 يوليو 2014 12:49 م
رؤية أستاذ الشريعة لتطوير الخطاب الدينى .. د. محمد الجندى: أعداء المنهج العقلى ودعاة  الجمود اختصروا الدين فى الشعائر والطقوس .. و نصوص الشرع تحقق مصالح الناس الدكتور محمد الشحات الجندى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول الدكتور/ محمد الشحات الجندى.. أستاذ الشريعة الإسلامية.. عضو مجمع البحوث الإسلامية إن التجديد يقصد به: إحياء جوهر الدين والعودة به إلى منابعه الأولى معرفة وفهما وسلوكا، بحيث يتجلى أثره فى دنيا الناس وفى واقعهم الحياتى، فيكون منظما لشؤونهم، مصححا لسلوكياتهم، فى إطار الثوابت والمقاصد الشرعية.
مرد ذلك إلى أن نصوص الشرع، وأقوال وأفعال صاحب الشريعة جاءت لتحقيق مصلحة الناس، بموجب ما اشتملت عليه منظومة الإسلام فى العقيدة والشريعة والأخلاق والحضارة، وبها قدمت نموذجا للشخصية المسلمة التى أضافت للإنسانية ونهضت بالدنيا وفق صحيح الدين.
ويضيف أن الأساس فى البعث والإحياء العقيدة الصحيحة فى أعماق المسلم، تنطبع بها ذاته وينضبط سلوكه على جادة الطريق، فيكون من ثم فى وفاق مع هدى الدين ومنهج الشرع، فى التنمية والبناء، فكان أن تحول إلى إنسان جديد: «أو من كان ميتا فأحييناه، وجعلنا له نوراً يمشى به الناس» مما جعله يتسق فى مسار حياته مع المفاهيم السديدة لصحيح الدين، ومعرفة حق الخالق، ومضى بالمنهج الوسطى الذى لا يعرف التشدد ولا التطرف، ليصلح دنياه بدينه.
ويقول الدكتور الجندى لقد كان الإنسان فى ظلال منهج البعث الإسلامى على الفطره الإلهية فى صحة النفس والعقل والقلب والبدن: ويرجع الفضل إلى جهود الفاقهين لجوهر الدين والعارفين بمقاصد الشرع، ومشاركة حكام توفر فيهم الرشد الدينى والدنيوى إبان عصور الازدهار الحضارى فى عهد الراشدين وطوال عصور الدولة الأموية والدولة العباسية، وحيث قامت الدولة والمجتمعات على أساس المفهوم الحضارى والتطبيق الرشيد لمنظومه الإسلام العقدية والتشريعية والأخلاقية والحضارية. إن وجود الفكر والفقه الصحيح، والممارسة الراشدة كان الضمانة لهذا التمكين الإيمانى والحضارى، وهو ما يؤكد على قيمة وأهمية دور العلماء والحكام فى صياغة وتطبيق الحكم الرشيد، وقيامهم عليه، ورعايتهم له، إذ بقدر المساهمة والاضطلاع بهذه المهمة تكون نهضة البلاد والعباد أو كبوتها، كما جاء فى الحديث: صنفان من أمتى إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس:« العلماء والأمراء». ولقد مضى حين من الدهر، تراجعت فيه معالم شخصية المسلم، وتوارت فيه حقائق الإسلام، فشاع التقليد، وعم الجهل، وغابت قيم العمل والجد والاتقان فأورث هذا الفكر والسلوك الخاطئ بعداً عن الإسلام الحق، وتخلفا عن التنمية والعمران، مما تحتم معه ضرورة تجديد الدين ودنيا لاستعادة الإسلام فى حياة الناس، وقيادة المنهج الوسطى.
ولا يعذر المسلمون فى مسلكهم الخاطئ ولا فى تعطيل أصول البعث والنهضة فى وجود الأسوة الحسنة فى رسول الله، وفى المنهج الحق الذى أودعه الله فى كتابه وفى سنة رسوله، وفى الاجتهاد والتجديد من أجل إصلاح الفكر والمجتمع. وعلى وفق هذا تربت الشخصية المؤمنة ذات العقل النابه الداعى إلى الله على سداد وبصيرة، انطلقت من إيمان عميق بإخلاص العبودية والامتثال لخالق الوجود وبإدراك واع لمقاصد الرسالة والعمل الجاد للنهوض بالحياة والوطن والناس، ولا يتأتى إلا بالحضور الفاعل والقوى بين الناس فى معترك الحياة، لا ترضى بديلا عن النهوض والمضى على هذا الطريق الحق كما أشار الحديث: المؤمن القوى خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل لو أنى فعلت كذا، لكان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل.
التجديد المطلوب
فى غمرة الحديث عن الإصلاح والتجديد فى مسيرة الأمة الإسلامية كوسيلة حتمية للخروج من حالة الغيبوبة الفكرية، وما نتج عنه من تخلف وتبعية وجهل وآفات عمت مناحى الحياة، وأفرزت ركاما من عدم الوعى يكاد يكون متجذراً فى نمط تفكير قطاعات واسعة فى المجتمعت أسفرت عن مظاهر خاطئة مثل التدين المغشوش وقصور فى الرؤى وجمود فى الفكر، حيث تتمسك بشكليات دينية ينحرف بها عن جوهر الدين واعتداله وبوسائل تفرضها على المجتمع باعتبارها وسيلة الإصلاح للفرد والجماعة بفكر متعصب وجامد فى مواجهة الفكر البناء والرؤى التجديدية التى تحقق التقدم وتنطلق بالمجتمع إلى موقع الصدارة.
ودائما ما يصف أصحاب فكر التشدد والغلو الداعين إلى توظيف المقاصد العليا للشريعة بأنهم المارقون المتبعون لخطوات الشيطان وأنهم يحاكون أسلوب الغرب فى الاجتراء على الدين وتغليب المنهج العقلى على الأصول الدينية وكأن إبقاء الأمة والمجتمع على حالة التخلف والتطرف قدراً مقدوراً لا سبيل للانفكاك عنه.
وليس المقام مقام تخصيم هؤلاء الذين يختزلون الإسلام فى الطقوس والرسوم والأشكال والارتكاز إلى فكر التطرف والإرهاب، وتغييب منهج الجوار، والدعوة إلى الدين على بصيرة وصولا إلى الإيمان الحق، والاستقامة على طريق الرشد، فإن هؤلاء مطالبون بالعودة الحميدة إلى رحاب الدين الصحيح، وتقديم التفسير السديد لمبادئه، إلى الدرجة التى أصبح فيها الإسلام الصحيح غريبا فى وطنه وبين أبنائه، مما أورث فى ذهنية الناس أن الإسلام دين يرفض قبول الآخر، ويتخذ أتباعه سبيل العنف والإرهاب فى علاقتهم مع المخالفين لهم.
وللخروج من هذا الوضع المأزوم، فإن تجديد الفكر والفقه فى الدين يجب أن يضطلع به من هو مؤهل له، ممن تسلحوا بأدواته، فقد اتسع الخلل فى الفكر وتعطل الاجتهاد لكثرة ما تواجهه الأمة والأوطان من أزمات ومشكلات أصبحت عنوانا بائسا، وصورة حاضرة عن المسلم فى العالم المعاصر.
وبسبب تفاقم نموذج العجز والانبطاح أمام الفكر الغربى، وتصدى جماعات غير قادرة ولا مؤهلة لفرض الإسلام المغلوط، على أنه الإسلام الحق وتراكم الخطايا وعدم إدراك فقه العصر والمرحلة.
فقد باتت الحاجة ملحة ليقوم بمهمة التجديد وأداته الاجتهاد المؤسسة الدينية البصيرة والمتبصرة بعلوم الشرع الفاقهة بأبعاد العصر ومتطلباته، المعتصمة بالاجتهاد المقاصدى والاجتهاد الجماعى الذى يكون رائده الصالح العام للمجتمع والوطن: «فاسئل به خبيرا».
ولكى يسير هذا التجديد إلى غايته المنشودة فى الإصلاح عليه أن يقوم بتصحيح المفاهيم المغلوطة، التى عمت فى الفكر، ويغرس المفاهيم الصحيحة ويقدم رؤى وآليات لتطبيق أسس الشورى، وأهمية الرأى الآخر، وقبول العملية الديمقراطية، وحق المعارضة والسماح بالاختلاف وفق رؤية الشرع فالاختلاف المقبول هو: اختلاف تنوع وثراء، لا اختلاف تعارض وتضاد، والبعد عن فكر التطرف والتكفير، وتحفيز التفكير العقلى الدائر فى نطاق الشرع والحفاظ على جمع الصف ووحدة المجتمع والأمة، وتحريم وتجريم كل صور العنف ورفع السلاح فى وجه المسلم، وتكريس مفهوم السلام فى العلاقات الدولية.
فقد ابتليت المجتمعات الإسلامية بفكر مغلوط حول بناء العلاقات المجتمعية، أدت إلى الفرقة والانقسام، وتشيع المسلمون إلى فرق وأحزاب يدين بعضها منهج ومسلك الفريق الآخر، وامتد ذلك إلى المذهبية فى الدين، مع حرمة هذا الانقسام، بقوله تعالى: «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم فى شىء».
مما أفرز آفة التقاتل، والحرب الأهلية بين المسلم وأخيه فى أرجاء العالم العربى، وهو مؤثم أشد التأثيم بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار.
ومن هذا المنطلق يضحى التوعية بالإسلام الحق، كطريق للخلاص من تزييف الدين تحت دعاوى زائفة، وتفسيرات ضالة، فواجب العلماء تفقيه الناس صحيح الدين، وواجب الناس الحرص على الاستجابة والمبادرة إلى التفقه مصداقا لحديث: «من يرد الله به خيرا يفقه فى الدين» فإن التفقه والعلم بالدين السليم، يعمل على التخلص من معظم الأمراض والآفات التى ألمت بالمسلم فى هذا العصر، وهو طوق النجاة، وبعث الحياة فى الأنفس الميتة: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم».
وعلى هدى هذه الحقيقة، ينبغى أن ينطلق الخطاب الدينى فى العصر الحديث على درب الوسطية والاعتدال، وهو ما يتطلب أعلى قدر من الاستعداد والتأهيل، وفهم ما استجد من أحوال الناس، وظروف الزمان والمكان وسبيله العلم المكين بدين الإسلام رواية ودراية، والمعرفة العميقة بأساليب التأثير والقدرة على التفهيم والاقناع، واستخدام الوسائط التقنية والأساليب العقلانية التى من شأنها استمالة المخاطب، وحسن تقديم وعرض الفكرة على قلبه وعقله ووجدانه.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة