فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: من خصائص الخطاب الدينى الحث على العمل والبناء.. السعى لطلب المعيشة عبادة يتعبد بها المسلم لربه.. والانتشار فى الأرض لتحصيل الرزق يحقق الفلاح

السبت، 21 يونيو 2014 08:01 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: من خصائص الخطاب الدينى الحث على العمل والبناء.. السعى لطلب المعيشة عبادة يتعبد بها المسلم لربه.. والانتشار فى الأرض لتحصيل الرزق يحقق الفلاح د.شوقى عبدالكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اهتم الإسلام بالعمل أيما اهتمام بل حثَّ عليه ورغَّب فيه، بل رفع الإسلام من شأن العمل حيث أنزله منزلة العبادة التى يعبد بها المسلم ربه ابتغاء مرضاة الله تعالى، ومن ذلك ما جاء فى الأثر: «إن من الذنوب لا يكفرها إلا السعى فى طلب المعيشة».

وجاء الخطاب القرآنى من عند الله تعالى بالحث على العمل لقوله تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، فالعمل والسعى أساسان من أسس هذا الدين الحنيف، بل إن هذا الخطاب لم يقتصر على الأمر العام بل تخطاه إلى التخصيص فقال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، ليحقق الإنسانُ هدفَ عمارة الأرض بالعمل والسعى، وأن هذا العمل لا يُبنى على الأقوال بل ذروة سنامة العمل والجد والاجتهاد.

ولقيمة العمل فى حياة الإنسان قرن الله تعالى الرزق به، وذلل السبل للإنسان للوصول إلى هذا الرزق من خلال العمل فقال تعالى: {هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}، كما دعاه إلى الانتشار فى الأرض لتحصيل الرزق ولتحقيق الفلاح فقال: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِى الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، هذا العمل الذى يحول الأرض الموات إلى أرض مثمرة، والإعمار أو الإثمار ليس قاصرًا على الزرع فقط، بل يدخل فيه اجتهاد العامل فى مصنعه والموظف فى عمله، كما يدخل فيه بناء المصانع وإنشاء الشركات المنتجة لكل ما يلزم الإنسان لييسر عليه حياته ومعاشه.

والنبى صلى الله عليه وسلم فى خطابه حفز على العمل وإعمار الأرض فقال صلى الله عليه وسلم:  «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ مِنْهَا- يَعْنِى أَجْرًا- وَمَا أَكَلَتْ الْعَوَافِى مِنْهَا- يعنى الطير والسباع- فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ»، كما أنه مدح العاملين الذين يأكلون من عمل أيديهم فقال: «من بات كالاًّ من عمل يده بات مغفورًا له»، وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعمل فى الحدادة وبيده أثر من هذا العمل؛ فأخذ رسول الله يده وقبلها، وقال: «هذه يد يحبها الله ورسوله»، ففى هذا دليل على تكريم الإسلام للعامل المخلص المتقن لعمله لأنه يشترك فى بناء أمته.

وإذا كان هذا هو حال الخطاب القرآنى والخطاب النبوى تجاه العمل فعلى الخطاب الدينى المأمول الذى نسعى من خلاله فى ترسيخ العقيدة الدينية الصحيحة فى نفوس المسلمين، وترسيخ الوسطية السمحة فى نفوسهم، أن يحث الناس على العمل، وأن يشعرهم أن الإسلام أعلى من قيمة العمل، وكرّم العاملين والمنتجين، واعتبره شرفًا وجهادًا وصورة مُعبِّرة عن ذات الإنسان واستعداداته، وبه يؤدِّى الإنسان رسالته فى إعمار الأرض.

هذا الخطاب الدينى عليه أن يبين للناس أن العمل كان مهنة الأنبياء التى لم تقتصر على تبليغ الرسالة فحسب، بل كان لكل نبى منهم عليهم السلام حرفة أو مهنة يمتهنها ويعتزُّ بها ويتقنها، فالنبى صلى الله عليه وسلم سُئِل: أىُّ الكسب أطيبُ؟ قال: «عمَلُ الرَّجلِ بيده، وكُل بيْع مبرور»؛ وقال: «ما أكَل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا مِن أن يأكُلَ مِن عمل يدِه، وإنَّ نبىَّ الله داود عليه السلام كان يأكُل مِن عمل يدِه».

كما أن نبى الله إبراهيم عليه السلام كان بنَّاءً، ونبى الله إلياس عليه السلام كان نسَّاجًا، ونبى الله داود عليه السلام كان حدادًا يصنع الدروع، وكان سيدنا موسى عليه السلام راعيًا للغنم، وسيدنا عيسى عليه كان يعمل بالطب، ونبى محمد صلى الله عليه وسلم رعى الغنم فى الصغر، وكان يقول: ما بَعَث الله نبيًّا إلا رعَى الغَنَم»، كما عمل بالتجارة مع عمه وتاجر فى مال زوجه أم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله تعالى عنها.

وإذا كنا اليوم فى بلد يسعى بخطى حثيثة نحو البناء والنهضة والتقدم، فعلى خطابنا الدينى أن يكون له قصب السبق فى حث الناس على العمل بل دفعهم إليه دفعًا؛ لأنه بجانب تحصيل الرزق من العمل فقد أصبح ضرورة تجب على كل فرد من أبناء الأمة، لكى يدفع فى بناء وطنه، فالمتتبع للصحابة الكرام يجد أنهم لم يكونوا كسالى بل كانوا للجد والاجتهاد أقرب، وكانت غايتهم عبادة الله وعمارة الكون وتزكية النفس وقد وفقوا فى كل ذلك بفضل الله، فقد روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: «إن الله خلق الأيدى لتعمل فإن لم تجد فى الطاعة عملاً وجدت فى المعصية أعمالاً»، هكذا حرص الصحابة على إنفاق جهدهم فى سبيل الله تعالى، وأولى بنا أن نتأسى بهم ونسير على دربهم، لنصل إلى الفلاح والصلاح لنا ولأمتنا.

وإذا كنا اليوم نحث على العمل من أجل البناء، فلا بد أن يصحب هذا العمل إخلاص فى النية والقصد لله تعالى، بعيداً عن الأثرة والأنانية وحب الذات، حتى يتحقق المراد من صلاح البلاد والعباد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة