مصريون فى انتظار العذراء.. رهان الأحياء على الأموات

الجمعة، 25 ديسمبر 2009 02:16 ص
مصريون فى انتظار العذراء.. رهان الأحياء على الأموات
أكرم القصاص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ عبدالناصر وسعد زغلول وحسن البنا مخلّصون للنخبة.. والحسين والسيدة والشافعى للفقراء والغلابة
◄◄ كيف تحول البرادعى وأيمن نور إلى مخلصين ينتظر البعض عودتهما وحتى كفاية و6 أبريل لديهما رهانات على الخلاص السياسى

تجلت العذراء وظهرت، لتعلن لشعبها إنها معهم، وتمنحهم التعاطف والبركة، وتعدهم بأن تحل مشكلاتهم، ويمكن أن يمتد الخلاف طويلا بين من يؤيدون ظهور العذراء ومن يعارضون. لكن هذا العقل لن يمنع ملايين المصريين من النقاش حول تجلى العذراء، لتحل مشكلات المرضى والمعذبين، وانتظار المخلص، كل على طريقته.

كل تيار لديه مخلص يبحث عنه وينتظره، الفقراء والعشوائيون يؤمنون كثيرا بالشفاعة والمعجزة، ليس فقط عند العذراء لكن آلاف المصريين اعتادوا البحث عن الخلاص والشفاء أو العدل لدى أضرحة الأولياء، مثل الحسين والسيدة والإمام الشافعى والسيدة نفيسة والسيد البدوى، وإبراهيم الدسوقى، ولديهم يقين كبير فى قدرة هؤلاء الأموات على ممارسة سلطة فى مواجهة الظلم أكثر من الأحياء.

ومن المجتمع للسياسة هناك مخلصون بطريقة أخرى، الناصريون ينتظرون عبدالناصر، والماركسيون ينتظرون ماركس، والمعاصرون ينتظرون البرادعى، أو كفاية أو أيمن نور. لكل فريق مخلص ينتظره ليخلصه ويغير واقعه، دون أن يفكر فى السعى المباشر.
وفى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، كشف عالم الاجتماع الراحل د.سيّد عويس، ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى. أميون يطلبون من آخرين مساعدتهم فى كتابة هذه الرسائل وإرسالها بواسطة البريد الحكومى، ومتعلمون من مختلف شرائح وطبقات المجتمع يبعثون رسالة إلى شخص حى صاحب سلطة. ويرسلون شكاواهم الشخصية، بوقوع مظالم من المجتمع أو أفراد آخرين من ذوى النفوذ والسلطة، إلى ضريح الإمام الشافعى، معتقدين أنهم يتوجهون إلى صاحب سلطة وقرار. سيّدة من الصعيد تشكو للإمام الشافعى (أن أحدهم - وهى تكتب اسمه وعنوانه- سرق بقرتها الوحيدة وأنها لا تملك وسيلة لردعه). وأخرى تشكو من تهديد أفراد نافذين، ورجل يشكو من الظلم، وشكاوى من الرؤساء فى العمل والضباط والحكومة وغيرها، لنكتشف مع الدكتور عويس أن سلطة الأموات قوية جدا على الأحياء فى المجتمع. والمظلومون يعتقدون أن هذه القوة لا تزال قادرة، ولديها النفوذ والقدرة على الردع. وتساءل سيد عويس: تُرى من أين استمد المصريون المعاصرون فكرتهم عن وجود سلطة للأموات على الأحياء من البشر؟ وهل لدى الأموات الصالحون القدرة على ردع الأحياء الفاسدين؟ ووجد أن المصريين المعاصرين على غرار المصريين القدماء، لا يزالون يعتقدون أن عالم الأموات يعرف (محكمة) تعقد جلساتها بانتظام للنظر فى شكاوى المظلومين من الأحياء. فكرة انتظار العذراء المخلصة بين المسلمين والمسيحيين هى نفسها الاعتقاد فى أن السيدة زينب أو الحسين يمكنهما أن يحلا الأزمات، وهناك وزراء وسياسيون يؤمنون بهذا. ربما يظهر من بين اليساريين والليبراليين والعقلانيين من يرفضون ذلك، والسلفيون وكثير من الإسلاميين يرفضون الشفاعة.. لكن هذا لا يمنع من أن كل تيار ينتظر المخلص، فقد تحولت أفكار كارل ماركس إلى قبلة تحدد للشيوعيين طريقهم، وانضم إلى ماركس وانجلز لينين وماوتسى تونج أو تروتسكى، وأصبحت أفكارهم ونظرياتهم مقاييس تحدد لمن بعدهم النظر إلى كل شىء، فى الحركة والمواجهة والسعى لسلطة البروليتاريا أو الشعب.

أما فى الوقت الحاضر فإن الرهان على فرد أو تيار أو مجموع قد تمكن من عقول كثيرين وجعلهم يتمركزون حول فكرة أو جماعة. تمثل المخلص الذى يراهن عليه الأفراد والجماعات. فقد ظل أغلب الناصريين يتوقفون عند تجربة جمال عبدالناصر والخمسينيات والستينيات دون أن يغادروها، وظل الوفديون عند ثورة 1919. والجماعات الدينية أيضا فى انتظار المخلص، فمازال الشيخ حسن البنا وطريقته هم السياق الذى يبنى عليه الإخوان تجاربهم، وامتثال توصياته هو التى تحكم العمل.

وحاليا يظهر كل فترة شخص يراهن عليه مجموع ما، وآخر هؤلاء المخلصين الأحياء يأتى الدكتور محمد البرادعى الذى أطلق البعض أسطورة قدرته على التغيير، ومع أن الرجل لم يعلن شيئا صريحا، ومازال لديه اعتراضات على نظام الانتخابات، هناك من يدفع به ويرى فيه المخلص من كل التعقيدات السياسية. قبل البرادعى كان ومايزال أيمن نور يمثل مخلصا لأنصاره ولعدد كبير منحوه أصواتهم فى الانتخابات.

وفى كثير من الأحيان يكون الرهان أكثر من المراهن عليه، فقد تصور عدد من أنصار حركة كفاية أن الحركة بمظاهراتها سوف تغير الأوضاع السياسية فى مصر بعد عدد من مظاهراتها، لكن استمرت الأحوال وبقيت كفاية فى حالة تظاهر ولم تتجاوزه، وظهرت حركة شباب 6 أبريل، وتصور كثيرون أن الفيس بوك أو الإنترنت يمكنهما إحداث التغيير ودفع الشعب كله للإضراب. لكن اختفى المخلص وبقيت الأحوال فى مكانها لم تتجاوزه.

الرهان على أحياء فى الوقت المعاصر مثل البرادعى وأيمن نور والفيس بوك، يبدو متشابها مع الرهان على الأموات الذين اختفوا ولايزال الملايين يراهنون على قدرتهم على التغيير والتدخل. أو الماضى مجسدا فى أشخاص، والحاضر حيث الرغبة فى تجسيده وتحويله إلى مخلص.











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة