سعد الدين الهلالى

طهارة الكحولات ومشتقاتها الصناعية «1»

الإثنين، 05 مايو 2014 09:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكحولات جمع الكحول، وهو سائل سام عديم اللون له رائحة خاصة ينتج من تخمر السكر والنشاء، وهو روح الخمر أى المادة الفعالة لإحداث السكر، وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر الميلادى تم استخدام الكحول فى الصناعات الدوائية والعطرية، وهذا ما أحيا قضية نجاسة عين الخمر والمسكرات أو طهارتها وإسقاط هذا الحكم على تلك الصناعات فى أيدى الناس والتى لم يعد فى إمكانهم الاستغناء عنها فى الأجل المنظور، ومن ذلك التطيب أو تطهير الجروح بالعطور أو الكحول الطبى.
وقبل بيان مذاهب الفقهاء فى ذلك فإنه يجب التذكير بأن جمهور الفقهاء لا يفرق فى الخمر بين المتخذ من العنب وغيره، وأن اسم الخمر عندهم يصدق على كل ما فيه خاصية السكر. أما الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف فيريان أن الخمر حقيقة فى عصير العنب والتمر إذا كان نيئًا ثم اشتد حتى صار مسكرًا، أما إذا طبخ هذا العصير حتى ذهب ثلثاه فى العنب وأقل من ذلك فى التمر وكذلك ما سوى هذه الأشربة مما يتخذ من الحنطة والشعير والذرة والعسل والتين والسكر فالصحيح من الرواية عن أبى حنيفة وآخر الروايتين عن أبى يوسف فلهم فيها تفصيل يرجع إليه فى كتب مذهبهم.
إذا ثبت هذا الخلاف الفقهى فى التفرقة بين الخمر وبين المسكرات من غيرها فإنه يمكن إجمال أقوال الفقهاء فى حكم نجاسة أعيانها أو طهارتها فى المذاهب الأربعة التالية:
المذهب الأول: يرى أن حكم الطهارة والنجاسة لا يختلف باختلاف الخمر عن المسكرات من غيرها، فكان ذلك نجس العين كالبول والدم المسفوح. وهو مذهب الجمهور قال به بعض الحنفية وهو مذهب المالكية والأصح عند الشافعية ومذهب الحنابلة وابن حزم الظاهرى، وقال النووى: ونقل الشيخ أبو حامد الإجماع على ذلك. وحجتهم:
1 - أن الله تعالى وصف الخمر بالرجس وأمر باجتنابها فقال تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون» «المائدة: 90». ووجه الدلالة: أن الرجس معناه النجس. والرجس فى كلام العرب يعنى كل مستقذر تعافه النفس، وقيل أصله من الركس وهو العذرة والنتن. والأمر بالاجتناب تأكيد على النجاسة لأن الاجتناب يعم الشرب والمس وغير ذلك. يقول النووى فى المجموع: احتج أصحابنا - أى على نجاسة الخمر - بهذه الآية، وقالوا: ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بالخمر مع أن هذه الأشياء طاهرة لأن هذه الثلاثة خرجت من حكم النجاسة بالإجماع فبقيت الخمر على مقتضى الكلام.
2 - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أمر بغسل إناء الخمر قبل استعماله، وهذا دليل نجاستها، فقد أخرج البخارى عن أبى ثعلبة الخشنى قال: قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل فى آنيتهم؟ قال: «أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها». وفى لفظ للإمام أحمد عن أبى ثعلبة قال: قلت يا رسول الله إنا أهل سفر نمرّ باليهود والنصارى والمجوس ولا نجد غير آنيتهم؟ قال: «فإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء ثم كلوا فيها واشربوا». قال الخطابى: والأصل فى سؤالهم أنه كان معلومًا من حال المشركين أنهم يطبخون فى قدورهم الخنزير ويشربون فى آنيتهم الخمر، فدل على أنه لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل والتنظيف.
3 - أن عمر بن الخطاب قال بنجاسة الخمر، وهو لا يقول ذلك إلا عن توقيف لحسن الظن به. فقد أخرج ابن عساكر فى «تاريخه الكبير» بسنده عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى خالد بن الوليد أنه بلغنى أنك تدلك بالخمر. والله قد حرم ظاهر الخمر وباطنها، وقد حرم مس الخمر كما حرم شربها فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس.
4 - أن التحريم من لازمه التنجيس حقيقة أو احتياطًا، ولذلك قال النووى فى «روضة الطالبين»: وكل شراب حكمنا بتحريمه فهو نجس وبيعه باطل.
5 - أن الحكم بنجاسة الخمر من باب التغليظ فى تحريم شربها والزجر عنها كما نقله النووى فى «المجموع» عن أبى حامد الغزالى.
المذهب الثاني: يرى أن حكم الطهارة والنجاسة لا يختلف باختلاف الخمر عن المسكرات من غيرها، فكل ذلك طاهر العين وإذا وقع على البدن أو الثوب لا ينجسه. وهو قول بعض أهل العلم منهم ربيعة شيخ الإمام مالك وابن الماجشون من فقهاء المالكية والليث بن سعد والإمام المزنى صاحب الشافعى وداود الظاهرى وهو مذهب الإمامية واختاره الشوكانى والصنعانى. وحجتهم:
1 - أن لفظ النجس ولفظ الرجس جاء فى كتاب الله بمعنى الإثم والنجاسة المعنوية وليست النجاسة المادية، فقال تعالى: «إنما المشركون نجس» «التوبة: 28». وهذه النجاسة عند الجمهور - خلافًا للظاهرية - نجاسة معنوية لإثم الشرك. وقال تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان» «المائدة: 90». قال ابن عباس: رجس أى سخط. وقال زيد بن أسلم: أى شر. وقد أجمع الفقهاء على عدم الحكم بالنجاسة المادية للميسر - وهو القمار - والأنصاب - وهى الحجارة التى كانوا يذبحون قرابينهم عندها - والأزلام وهى القداح أو السهام التى كانوا يستقسمون بها. وواحدتها: زلم أو زُلم بضم الزاى وفتحها. تقول: زلَّم القِدْح أى سواه ولينه. والقدح: قطعة من الخشب مستوية قليلة العرض طولها نحو فتر - وهو ما بين طرف الإبهام وطرف السبابة إذا فتحهما، والجمع أفتار- تجعل فيها حزوز تدل على نصيب صاحبها من الجزور وكانت تستعمل فى الميسر. ويقال: لفلان القدح المعلى أى الحظ الأوفر. وقيل: الأزلام هى القداح التى كانت فى الجاهلية عليها مكتوب الأمر والنهى افعل ولا تفعل كان الرجل منهم يضعها فى وعاء فإذا أراد سفرًا أو زواجًا أو أمرًا مهمًا أدخل يده فأخرج منها زلمًا فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهى كف عنه ولم يفعله.

قالوا ولا يمكن جعل الخمر نجسة العين وإفرادها بهذا الحكم دون سائر المعطوفات عليها؛ لأن الآية الكريمة أوردت هذه الأربعة فى سياق واحد. قال النووى فى «المجموع»: ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة - أى على نجاسة الخمر - لأن الرجس عند أهل اللغة بمعنى القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة، وكذلك الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة.
وللحديث بقية








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة