وحيد عبد العزيز حبيب يكتب: يوم الخميس

الخميس، 01 مايو 2014 04:05 ص
وحيد عبد العزيز حبيب يكتب: يوم الخميس صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ارتبط يوم الخميس فى ذاكرة القرويين بذكرى خاصة
انه اليوم الذى يأكلون فيه أهم وجبة فى الأسبوع .. اللحم
يبدأ يوم الخميس مبكرا فى بيتنا قديما
تحرص الجدة على الاستيقاظ قبلنا وتحضير ملابس جدى
كانت العادة أنه هو من يذهب للتسوق بالمدينة
فى هذا الصباح أجدها متغيرة الطباع
فهى فى قمة الرضاء عنه
تكثر له الدعاء وكأنه ذاهب لفتح عكا
وهو بدوره يبدو مزهوا بما سيقوم به
أثناء الفطور يخرج ورقة من جيبه
ويكرر عليها ما طلبته منه ..
لا تنس اللحم
اقطع اللحم من مكان كويس
أكثر من العظم من أجل المرق
لا تنس أن تأتى ببعض الدهن
نريد بهارات
هات فلفل أسود
لا تنس الشاى
هاتى لى معاك كحل لعيونى
بلاش مطحون
هاته حجر وأنا أطحنه
نسيت أقولك نريد سكر
الزيت فى البيت قليل
هات معك .....
وتستمر على هذه الحال حتى ينتهى الفطور
ثم تأتى ساعة الرحيل
عندها يزداد دعاءها له
وممنوع على أى منا أن يناديه طالما خرج من المنزل
ليس فألا حسنا أن يستدير للخلف وهو فى طريقه
تظل واقفة أمام الباب تدعو له حتى يختفى بين الأشجار
ثم تبدأ فى تنظيف البيت وترتيبه
وتخرج فراشه إلى الشمس
وترش المياه المعطرة فى أنحاء المنزل
ثم تدخل للاستحمام وتمشط شعرها جدايل
كل هذا وهى تغنى والسعادة تطل من وجنتيها
تطلب منى الخروج إلى الطريق وترقب وصول جدي
على البعد تظهر أمتعة جدى أولا محمولة على كتفه
ثم رويدا رويدا يظهر بكامل هيئته
عندها أسابق الريح لاستقباله
تلفح قدماى رمال الصيف الحارة
أنا أعرف أنى لن أقوى على حمل ما جاء به
ولكن لهفتى لمعرفته تدفعنى للمخاطرة
تقابله وتحمل عنه ما اشتراه
تجلسه فى مكان مميز بالبيت أعدته خصيصا له
تقدم له الماء البارد
يخلع غطاء رأسه ويجفف به عرق جبهته
يكرر شكواه المعتادة من الأسعار وذهاب الضمير عند التجار
يعرج ليشكو من الوقت الضائع فى انتظار سيارة
يعاود شرب الماء البارد
يسكت قليلا ثم يتجشأ ويكمل حديثه
كل هذا وعيناى تحاولان اختراق أمتعته
وإلى أنفى تصل روائح ما اشتراه
جدتى تنصت له باهتمام و توافقه على كلامه
ولا تجرأ على فتح شيئا من أمتعته
بل تضعها بجواره ليتولى هو إخراج ما جاء به
يخرج اللحم وهو يحكى لها عما دار بينه وبين الجزار
ويفعل نفس الشيء مع الفاكهة والبهار
وفى النهاية يسر إليها بشيء ملفوف فى ورقة جريدة
حينما أحاول معرفته تنهرنى جدتي
ويغضب منى جدي
لكنى لن أسكت أتابعها بعيناى واعرف أين وضعته
ثم أتسلل لأعرف ما هو
ملابس خاصة وملونة
لكنها ناعمة وطرية لا تشبه ملابسنا الخشنة
يا جدى يا عفريت !
ثم تضع لنا الغداء وبه كثيرا من خيرات المدينة
أكل جديد ومذاق جديد
أتمنى لو أرى المدينة
وأرى ما رواه ابن جارنا حين ذهب للطبيب
بعد الغداء يقصد جدى إلى الحقل
بينما أتسمر أنا بجوار موقد الحطب
أنتظر أن ينضج اللحم لتخرج لى جدتى قطعة مع قليل من المرق تضع فيه بعض كسرات الخبز
يعود جدى من الحقل قبل المغرب
يجلس أمام البيت وفى يده مذياع رفعه إلى أذنه
يعتقد انه كلما خفضنا صوت المذياع طال عمر البطارية
وفى المساء توضع الطبلية ونلتف حولها جميعا
وتقدم له جدتى طبق اللحم ليعطى كلا منا نصيبه
لا أذكر أننى أشهد شيئا بعدها
كثيرا ما غلبنى النوم قبل انتهاء العشاء
وفى الصباح أقلب أصابعى لأعرف
كم يوم يفصلنا عن يوم الخميس








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة