محمود طرشوبى

الانتخابات وأزمة الوعى السياسى

الإثنين، 07 ديسمبر 2009 07:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تغير شكل الحياة فى مصر وجرت فى شرايين بلادنا أنهار كثيرة، ومن فساد الحياة الحزبية فى العصر الملكى إلى إلغاء الحياة الحزبية تماماً فى عصر الثورة ثم كان الانفتاح وتأسيس الأحزاب فى عصر السادات واستمرت لعبة الحياة الحزبية فى إطار لوحة فنية اسمها الديمقراطية، ومن خلفها تجرى أشد أنواع الاستبداد السياسى، لكى تبقى الفرعونية الوثنية هى الحاكمة ومن حولها بطانة السوء لا تأمر إلا بكل شر مستطير لكى لا تُبقى فى هذه البلاد صوتاً حراً أو معارضة مستنيرة تستطيع أن تحرك الجماهير الخاملة وإذا ظهرت فإن العبرة كانت فى حزب الغد ومن قبله الوفد، ولكن جوهر هذا الأمر لا يزال غائباً وهو الوعى السياسى لدى الكثير من فئات الشعب المصرى.

إن الحكومات المتعاقبة على حكم مصر من الثورة وحتى الآن تعاملت مع المواطن على أنه شخص لا يجب أن يكون له أى دور سياسى، ولا يجب له التحدث فى السياسة، فهذه أمور لا يجب أن يتدخل فيها إلا السياسيون، وعندما تسأل عن هؤلاء السياسيين، تجدهم أولوا الأمر وحزبهم وحاشيتهم، وماعدا ذلك من أساتذة القانون والسياسة ونشطاء المجتمع المدنى والصحافة المستقلة والمعارضة، ورجال الأحزاب فهؤلاء هم لا يزيدون على أنهم مجرد ديكور للنظام الحاكم ودائماً ما يتم التعامل معهم من جانب الحكومة وإعلامها المرئى والمكتوب، على أنهم جماعات مغرضة لا تسهم إلا فى تعطيل مسيرة التنمية والإصلاح السياسى المزعوم، ويجب عدم السماح لهؤلاء بالعمل والنشاط لأنهم لا يمثلون الشعب، ولم يبق للحكومة إلا أن ترميهم بالإرهاب ولولا الخوف لأطلقت عليهم لقب الخوارج.

إن المواطن العربى والمصرى مازال تحت الوصاية السياسية من الأنظمة الحاكمة، ورغم كل البهرجة الإعلامية والجعجعة السياسية، فلا تزال الحكومات تعاملنا على أننا ما زالنا فى مرحلة الحضانة من الناحية السياسية، ولم نصل بعد إلى سن الرشد رغم أن ما نطالب به قد سبقتنا به دول وشعوب مازلنا ننظر إليها على أنها بلاد متخلفة، وأجريت فيها انتخابات حرة ونجح من أراد له الشعب أن ينجح، إننى لا أريد أكثر من أن تعطونى حريتى فى تفكيرى و إرادتى، اتركونى أختر من أريد فى كراسى الحكم أو فى المجالس النيابية والمحلية، حتى لو كان اختيارى هو أنت أيها النظام الحاكم، وليكن بإرادتى أن أتارك، لماذا تريد أن يكون اختيارك هو فرض بحكمك أنت الذى فى السلطة، لماذا لا تتركنى أحلم يوماً أن يكون رئيس وزراء مصر وفدياً أو ناصرياً أو حتى إسلاميا، إن فشل فى تحقيق وعوده فالقادمة لن تكون له، وسأقف أنا المواطن البسيط ضده وأنتخب غيره يستطيع أن يبنى بلادى، لماذا لا تتركنى أنتظر أن أرى فى مجلس الشعب رجلا حرا، كل بضاعته هى حب هذا الوطن، ليس مقربا من الحزب الحاكم ولا من رجال الأعمال حتى يستطيع شراء الأصوات.

لماذا لا أسمع فى بلادى عن إجراءات تشكيل حكومة ائتلافية، يكون فيها للحزب الوطنى نصيب الأسد ولكنى أرى أن وزير الصحة فيها مثلاً مستقل أو حزبى.

أعرف أنها أضغاث أحلام ولكن ليل الاستبداد طويل ولابد من حدوث اختراق فيه ولو بنافذة صغيرة فى ظل هذه الأجواء الفاسدة من تاريخ بلادى، وأعرف أيضاً أن غياب الوعى هو المشكلة الفعلية التى تعوق إحداث هذا الاختراق ولكن ما العمل لإيجاد هذا الوعى فى عقول وقلوب المصريين، ومازالت حكومة الحزب الوطنى هى المحرك الأوحد لكل مقدرات الأمور فى هذا البلد من التعليم والإعلام والثقافة حتى الوعى الدينى تتبناه حكومة الحزب، وهم الجبهة العريضة، ومن يقول إن هناك قنوات فضائية دينية وثقافية وإخبارية فهى لا تكون أكثر من جعجعة طحين تصدر صوتاً ولا نرى منها طحينا، فهى غير قادرة على تحريك الشارع ولا تنمية الوعى السياسى لدى جماهير الشعب المصرى ناهيك عن أن الغرض التجارى هو المحرك الأول لها.

إن العمل السياسى يجب أن يبدأ من القاعدة لا من القمة، فالسعى وراء إنشاء تجمعات سياسية ضد التوريث والدعوة إلى إشراف دولى على الانتخابات، والبحث عن مرشح تقف وراءه المعارضة هى من قبيل المسكنات التى سوف تنتهى بمجرد حدوث الأغلبية فى مجلس الشعب للحزب الوطنى، ومن ثم نجاح مرشح الحزب فى الوصول إلى كرسى الحكم، ولا يبقى بعد ذلك إلا بعض الأصوات التى ستندد وتشجب التزوير الذى جعل مرشح الوطنى ينجح أو المرشح المستقل الذى نجح وانضم إلى الحزب واتهامات بالخيانة والعمالة، ودائرة مفرغة ندور فيها بعد كل انتخابات.

اعلم أن هناك عملا بدأ به عدد من منظمات المجتمع المدنى لتنمية الوعى السياسى والانتخابى داخل فئات الشعب المصرى وبخاصة المرأة، ولكن هذا لا يكفى خاصة وأن المجتمع المدنى لا يتمتع بقابلية كبيرة داخل الشعب المصرى ولابد من عمل خطة عمل تتبناها كل الأصوات الداعية إلى إقامة حياة سياسية سليمة، بغض النظر عن الانتماءات الفكرية والحزبية، يكون فيها صوت الصحوة السياسية لهذا الشعب هو الوحيد الصوت المسموع، بعيداً عن الاتهامات بالخيانة والعمالة التى تحدث فى كل تجمع سياسى مصرى.

ويكون العمل الأساسى فيها هو إيقاظ الوعى السياسى لدى كل فئات الشعب المصرى وحشد كل الطاقات والجهود من أجل إيجاد جيل من الشباب المصرى يؤمن بالحرية ويكره الاستبداد ويرفض أن يعيش مثل الأجيال السابقة تحت وطأة الاحتلال من رؤساء وأنظمة اعتبرت نفسها داخل دائرة التقديس وإن أى عمل ضدها هو من قبيل الخيانة الوطنية وكأنهم هم الوطن ونحن أعداؤه.

ولا يجب أن يقتصر العمل على الفيس بوك أو على المنتديات الإلكترونية بل يجب أن يتعداها ليشمل كل مناحى الحياة، من صحف وفضائيات وندوات ولقاءات ومؤتمرات تشمل كل الأراضى المصرية، إن إثارة قضية كروية كلفنا الكثير بدون فائدة تذكر، ولكن إثارة قضية من أهم قضايانا هو العمل المثمر والبناء ألا وهى قضية تحرير المواطن المصرى من الخوف وقلة الوعى السياسى وإفهامه إن الانتخابات ليست هى ورقة تلقى داخل صندوق زجاجيا كان أو خشبيا، ولكنها مستقبل بلد وبناء جيل وتعيين رئيس وتكوين برلمان تشريعى قادر على صنع مستقبل أفضل لهذا البلد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة