د/ خالد العسقلانى يكتب: الدنيا الضيقة

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009 12:35 م
د/ خالد العسقلانى يكتب: الدنيا الضيقة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الدنيا الضيقة هى الدنيا التى يعيشها المحب صاحب تجربة الحب الفاشلة ..
ولا تنزعج من كلمة الفشل.. فالفشل وارد فى كل شىء .. حتى فى عالم الحب والغرام، ولولا الفشل لما كان للنجاح طعم.. والفشلُ فى ذاتهِ ليس عيبا.. وإنما العيبُ ألا تنجح بعد فشلك ..
العيب الحقيقى أن تستسلم للفشل بأسنانه وأضراسه وقسوته الهاتكة.. أن تسمح للفشل أن يهدم فيك الإصرار... أن تكون للفشل بمثابة الغزالة الوادعة للأسد الجشع ..

هذه التجربة الرومانسية الفاشلة التى أدت إلى ضيق الدنيا لا تجزم بأن صاحبنا المحب كان محبا فاشلا..
فربما هو محبٌ فاشلٌ، وربما الطرفُ الآخرُ محبٌ فاشلٌ، وربما الظروف التى جمعت القلبين فى سماء العشقِ ظروفٌ فاشلة... وأى عامل من تلك العوامل الفاشلة الخائبة الراسبة قد يهدم التجربة وتشعر ساعتَها بمرارة الوداع وألم الفراق والهجران وعندها فقط ........... تضيقُ الدنيا .

ضاقت الدنيا عليكَ.. لأنها كانت واسعة بمن رحلوا... ضاقت الدنيا لأنك اعتمدتَ على غيرك فى تكوين الحياة ..

لدرجة أنهم بمجرد أن رحلوا.. شعرت برد الأيام... ولذعة الجفاء والوداع ...
لأنك اعتقدت أنهم سيبقون بجانبك طول العمر.. منيت به نفسك.. وآمنتَ به... واعتقدت فيه ...
وعندما ظهر بطلان ما تؤمن به حقيقةً ........ ضاقت الدنيا .

ضاقت الدنيا وبان ضعفك ... لأنك كنتَ قويا بهم... كنتَ تستمد منهم قوتك.. وكنت تستلهم منهم دفء الحياة.... كنتَ أنت وهم إنسانٌ واحد ...
وبالتالى عندما رحلوا..... أصبحتَ نصف إنسان ...

كنتَ تراهم الشمس تضىء النهار... والقمر يضىء الليل... وعندما فارقتهم أصبحتَ لا ترى الشمس والقمر الحقيقيين ...

وأنا عندما أقول "الدنيا الضيقة" فإنى لا أقصد إطلاقا أن تكون مساحة شقتك 200 متر مربع ثم تصبح فجأة 40 مترا مربع مثلا .. ولست أقصد أن يقل عدد أصدقائك من عشرة إلى أربعة.. ولا أقصد بضيق الدنيا أن منسوب المياه فى البحار والأنهار سيقل.. لا لا لست أقصد أيا من هذا.. ولو كان ذلك لكان أرحم للقلوب ...

وإنما أقصد الحالة النفسية التى من خلالها ترى الدنيا وكأنها فيلم فيديو سازج سخيف وممل ومكرر.. كلُّ ما فيه مزرٍ ومثير للاشمئزاز ...

الدنيا الضيقة بمعنى أدق أن ترى فى الشمس غروبَها، وفى القمرِ وحدتَه ... أن ترى فى النجوم ابتعادَها، وفى البحر إغراقَه... أن ترى فى الوردِ ذبولَه، وفى السماء غيومها... تلك هى الدنيا الضيقة... أن ترى الدنيا من منظور الوداع ... وكأنك مخرجٌ سينمائى متخصص فقط فى مشاهد الفراق ...

أن ترى كل نساء العالم يتلخصن فى رمش حبيبتك الراحلة.. أن ترى وجهها قد طُبِعَ على كل وجوه النساء ليحمل إلى قلبك ذكرى مؤلمة ومؤرقة ...

الدنيا الضيقة أن تؤمن من داخلك ومن أقصى أعماقك بأن تلك الراحلة تحملُ أنوثة العالم كلها.. وأنها لم تُبقِ من الجمال والدلال شيئا لغيرها من بنات حواء ..
الدنيا الضيقة أن تأبى حروفك وكلماتك أن تصف غير الوداع والصراخ ...

عندما تضيق عليك الدنيا يزداد إيمانك بالحب والعشق الأزلى المتوحد الاتجاه .. فقط إليها .. فقط إليها .. ويزداد كفرك بنعمة النسيان ... وكأن النسيان لم يُخلق ...

هكذا تكون الدنيا ضيقة .. وهكذا تسير معظم حيواتنا ...









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة