يسرية سلامة تكتب.. والدى.. نظرتُ بالمرآة

الجمعة، 30 أكتوبر 2009 10:44 ص
يسرية سلامة تكتب.. والدى.. نظرتُ بالمرآة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والدِى.....نظَرتُ بالمرآةِ لأمُشطَ شعرِى.... فوجدتُ بياضًا فى شعرِى.. والدِى ! هلْ تذكرُنى ؟! فأنَا أصغرُ أبنائِكَ، أنَا منْ كانتْ تُمسكُ فى يدِكَ، فتمشِى بقدمٍ وتقفزُ بالأخرَى!
أنا منْ كُنتَ تُدللُهَا! أنَا من كنتَ تُفهّمُهَا! تُعلّمها! تُمّرضُها!
فلمَاذَا لمْ تقسُ يومًا؟ فتُيسرَ لى دنيايَا؟ أريدُ أُحطمُ ذاكرتِى!! على أربُو نسيانَك.
فذاكرتِى كادتْ تقتُلُنى..والقتلُ أراهُ يوميًا.
فكرِهتُ الحقَ يا والدى.....فالموتُ حقٌ..أكرهُهُ. أكرهُهُ فقدْ أخذَكَ منّى.
لمْ أرَكَ يومًا ساخطًا منْ قدرِ اللهِ وأحداثِه، فرأيتُكَ دومًا مهللاً بحمدِ اللهِ وتسبيحهِ.
لمْ أرَكَ إلا مبتسمًا... وأنَا ابنتُكَ فأبتًَسِمُ.

سنةٌ ماضيةٌ قدْ رحلَتْ تحملُ أحزانِى وتوعدُنِى بعدمِ العودةِ نِهائيًا، وتزيدُ وحشتُكَ فى قلبِى_ التِى بدَأَتْ منْ بعدِ فراقِكَ بثوانٍ_ وصقيعﹸﹸيملأُ قلبِى فالدنيا فضاءٌ مِنْ حَولِى، قدغابتْ شمسِى برحيلِكَ، وانطفَأَ قِنديلُ حياتِى .. مَن يوقِدُ لى قِنديِلِى؟!

مرت أعوامٌ وأعوامٌ، ويزدادُ حنينِى لرؤيَاكَ، فكلمَا اشتقتُ لرؤياكَ أغمضتُ عينَاى لأراكَ.
فقدومُ السنواتِ يتسارعُ، يتسابقُ معَ عمرِى.... فكلاهُمَا يجْرِى، والآنَ ... الآنَ يتسللُ الشيبُ إلَى شِعرِى، وأستقبلُ عاماً جديداً بلا والدٍ ولا ولدْ.

والدِى أعلمُ أنَّ قوانينَ حياتِنَا قد اختلَفَتْ، لكنَّكَ وحيدٌ مِثْلِى، فكِلانَا الآنَ فِى غربةٍ، فِى وحشةٍ. دعنِى أحكِى لكَ برهةً. فكمْ تعنِى برهةٌ عندَك؟
عساكَ فى دارِ الحقِ تتنعمُ، فأنَا بدارِ الباطلِ أتألمُ... كفرتُ بدنيَا فانيةٍ.. دارٍ للزيفِ للكذبِ وللخدعِ.
فكمْ منْ مرةٍ اشتقتُ إلىْ قلبِكَ... لأرَىْ زَمَنِى بِلاقلبٍ ..
لنْ أحْكِى لَكَ عن يُتمى، عن قَهْرِى، عنْ ظُلْمِى، ولا حُزْنِى. بلْ أحكِى لَكَ عنْ زمنِى. زمنِى وقد نزَعَ سلاحِى.... ثمَّ بدَأََ نِزَالِى، أَجْهضَ حِلمِى، ثمَّ تفنَّنَ فِى صفعِى.

لكنْ لِى ربٌ لا يغفلُ أبدًا، ماضٍ فى حكمِه.
عقلى يُرهقْنِى يا والدِى فأُريدُ بديلاً يصغرُهُ لا يوجدُ بهِ ذاكرةٌ، فيُرحنِى وأُريحُ انَا قلبِى.
لنْ أشكُو إليكَ يا والدِى سوَى قَلْبِى، .....قلبِى ضعيفً لا يقوَى، بهِ جُرحٌ غاااائرٌ.....ما زالَ ينزفُ، وظننتُ أنهُ اندَمَلَ.

مرآتى والدِى لا تكذبُ، فأنا فى العَقدِ الثالثِ من عمرِى، لكنَّها قنعَتْ ببياضِ شعرةٍ واحدةٍ، وأخفتْ تجاعيدَ قلْبِى، هلْ تحملُ رسالةً؟! لاَ أعلمُ .

سبقتَنى أنتَ للترابِ، سألْحقُكَ أنَا فى ميعادٍ، ولحينِ حلولِ الميعادِ فماذَا أفعلُ بقلبِى؟! أحسبُكَ الآنَ فِى روضةٍ، عسَى أنْ تَصِلَكَ دعواتِىْ، فسامِحْنِى يومًا إنْ قصَّرْتُ.

إنْ ضاعَ إرثِى فلا أُبالِى، فمِيراثِى منْكَ فِى قلبِى، قلبِى يملؤُهُ حبُك... حبُكَ يُحببنِى فِى العالِمِ، والعالمُ يحيَى فِى كبَدٍ. قلتَ لِى السهرُ سيقتلُكَ، قتلَنِى فراقُكَ لا السهرُ.

شيطانِى كثيرًا أقهرُه، فأرددُ مثلَكَ أذكارًًا تحمينِى منهُ وتحفظُنِى، وأُوتيتُ منَ العلمِ قليلاً، فمعِى كتابٌ وقلمٌ ، وأصلِى مكانَكَ يوميًا، مكتبَتِى تشهدُ عظمتَكَ
فملوكُ الدنيا تصغرُكَ حجمًا فِى نظرِى.

أنتَ شهيدٌ فِى نظرِى.. قد كنتَ تناضلُ وتحاربُ من أجلِ أمانةٍ تحملُها، تعلمُهَا أنتَ وأعلمُهَا.
من جهتِى: أنتَ وفيتَ..يرحمُكَ اللهُ ويرحمُنِى! أذكرُ يومَ رحيلِك. رأيتُكَ كنتَ تُصلِى وتُسبِحُ وتشهَدُ بالوحدانِيَةِ للهِ وتشهدُ أنَّ محمداً رسولُه، أتذكرُ آيةً: قال تعالى "قلْ إنَّ صلاتِى ونُسُكِى ومحيَاى ومماتِى للهِ ربِ العالَمين" ومعَهَا لفَظْتَ آخرَ أنفاسِكَ. ظننتُكَ غارقاً فى النومِ، قبَّلتُكَ وقدْ رحلتَ. ظننتُكَ معِى، وقدْ انتقلتَ.

مشهدٌ ما زالَ يؤرقُنِى... يومَها كنتُ أودعُكَ.. أناديكَ بصراخِ والدِى... لا ترحلْ....فتمضِى مسرعًا لمثواكَ، ولأولِ مرةٍ لا تجبْ ندائِى بلْ تمضِى. وبحُرقةِ قلبٍ أرجوكَ والدِى لا تترُكُنِى هنَا وحدِى. فوقفتُ قليلاً أتذّكر.... والركبُ وراءكْ ينتظرُ ومضيتُ ثانيةً تجرِى وتهرولُ.......... وإلى الآنَ لمْ تعدْ!!.

لا أريدُ سماعَ صراخٍ، لا أريدُ سماعَ نواحٍ...لا أريدُ بكاءً...، عزائِى يومًا تجمعُنَا جنةُ خُلدٍ..فتشدُّ بيدِى، ومنادٍ ...يا أهلَ الجنةِ خلودٌ بلا موتٍ، والدِى لاَ يوجدُ موتٌ!، فى الجنَّةِ...... لا يوجدُ موتٌ!

مرآتِى... فِى الجنَّةِ.... لا يوجدُ شيبٌ!، فِى الجنةِ شبابٌ! وولدَانٌ مخلدونَ بأكوابٍ وقواريرَ، وكأسٍ من معيِن. ولا ظلمَ ولا قهرَ ولا يُتمٌ، عدلٌ وخلودٌ وما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمِعَتْ وما اشتهَتْ الأنفسُ..

ابنتك الصغيرة الكبيرة يسرية سلامة








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة