أطفال فى الزنازين..«لا للمحاكمات العسكرية»: المقبوض عليهم تتم معاملتهم كالبالغين والإفراج عنهم لا ينهى إدانتهم

الإثنين، 10 فبراير 2014 04:46 م
أطفال فى الزنازين..«لا للمحاكمات العسكرية»: المقبوض عليهم تتم معاملتهم كالبالغين والإفراج عنهم لا ينهى إدانتهم صورة أرشيفية
كتبت - سماح عبدالحميد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن يعلم أن نزوله من البيت لحضور درس لمدة ساعتين قد يمتد ويتحول لأيام يقضيها فى السجن بعد أن قاده القدر فى طريق عودته للمرور من ميدان التحرير أثناء إحياء ذكرى أحداث محمد محمود الأخيرة ليتم القبض عليه هناك، أنه «م. ج» أحد الأطفال الذين تم القبض عليهم فى الأحداث السياسية منذ 30 يونيو، من ضمن 623 حالة رصدها الائتلاف المصرى لحقوق الطفل ضمن عمليات القبض على الأطفال، حصل بعضهم على إفراج على ذمة قضايا، وتبقى 180 طفلا محبوسين فى السجون حتى اليوم يتم معاملتهم معاملة البالغين.

تقول والدة «م. ج»: «ابنى عنده كهربا زيادة على المخ وتعبان»، وأضافت بصوت يخنقه الحزن: لم يشارك فى المظاهرات، عمره 15 عاما، ودفعه القدر للتواجد فى ميدان التحرير أثناء عودته من الدرس مع أصدقائه، الذين استطاعوا أن يهربوا، لكنه تم القبض عليه.
وتضيف الأم المكلومة: لم أتمكن من رؤيته سوى مرة واحدة فقط خلال فترة احتجازه التى استمرت عشرة أيام فى قسم قصر النيل، كانت حالته النفسية فيها سيئة جدا، قبل أن يتم الإفراج عنه بكفالة ألف جنيه.

من جانبه كشف أحمد مصيلحى، المستشار القانونى للائتلاف المصرى لحقوق الطفل، لـ«اليوم السابع» إن لدينا مخالفات كبيرة جدا فى قانون الطفل وهو القانون رقم 12 لسنة 96 والذى تم تعديله فى 2008، لافتا إلى أن هذا القانون حدد بابا كاملا للحماية الجنائية للأطفال إلا إنه فعليا وعلى أرض الواقع لم يتم تطبيقه فى كل حالات القبض العشوائى على الأطفال بداية من 30 يونيه وحتى الآن.

وأشار إلى أنه تم القبض على عدد كبير جدا من الأطفال خاصة فى محافظتى القاهرة والإسكندرية، لافتا إلى أنه بعد ثلاثة أيام من فض اعتصام رابعة تم القبض على 148 طفلا، وفى الذكرى الثالثة لثورة يناير تم القبض على 123.

وتابع: توالت الأحداث فيما بعد واستمرت الاعتقالات العشوائية من ضمنها أحد الأيام التى تم القبض فيها على 11 طفلا من محطة المترو، وفى أحداث محمد محمود الأخيرة كان هناك 7 أطفال من ضمن الـ29 المقبوض عليهم.

وأضاف مصيلحى أن طرق القبض عشوائية جدا والدليل ما حدث بالنسبة للأطفال المقبوض عليهم فى أحداث محمد محمود بعضهم لم يكن مشاركا من الأساس فى المظاهرات ومع ذلك قبض عليه لمجرد وجوده فى مكان التظاهر بالصدفة.

المخالفات القانونية فى عمليات القبض على هؤلاء الأطفال كثيرة وفقا لما كشفه مصيلحى أولها أنه حتى من يخلى سبيله من هؤلاء الأطفال، يظل على ذمة القضية وليس بشكل نهائى وهذا مخالف لقانون الطفل الذى يلزم بالفصل بشكل نهائى وسريع فى القضايا التى تخص الأطفال.

وأشار إلى أنه يتم التحقيق مع الأطفال فى أماكن احتجاز البالغين فى السجون والأقسام وهذا غير قانونى لأن التحقيق يجب أن يتم فى محكمة الطفل، كما أنه من المفترض الاتصال بذوى الطفل، فور القبض عليه، وهو ما لا يحدث، مضيفا: «أبشع الانتهاكات التى تحدث فى حق الأطفال هو تحويل بعضهم إلى سجون طرة وأبوزعبل ووادى النطرون وهو مخالف تماما للقانون، كذلك ضربهم ضربا جماعيا، والتعامل معهم كمساجين بالغين، مؤكدا أن كل من يلتقى بهم أثناء التحقيقات تظهر عليه علامات الضرب والإصابات، وبعض الحالات حررنا بها محاضر بالفعل».

وأوضح أن الأطفال الأقل من 15 عاما لا يجب أن يتم حبسهم احتياطيا وفقا للقانون ولكن فى معظم الأحداث تم حبس الأطفال احتياطيا لمدة أربعة أيام وتم تجديد حبسهم 15 يوما.

فى محطة مترو «سانت تريز» تم القبض على «م.أ» الذى لم يبلغ سن الرشد، يوم 15 سبتمبر الماضى، الذى تزامن مع إعلان جماعة الإخوان تعطيل حركة المترو، كان «م.أ» ينوى السفر إلى أبيه فى الإسكندرية، لكن الضابط اقتاده هو وأربعة آخرين تم القبض عليهم فى نفس اليوم، إلى القسم، يقول والده: «شعره كبير شوية شبه الجماعة بتوع الألتراس» لكنه مازال بقوانين العالم طفلا لم يبلغ سن الرشد بعد، خاصة أنه وفقا لما أكده والده لم يكن له أى توجه سياسى ولم يشارك فى أى تظاهرات.

أما الحرز الذى تم ضبطه مع «م.أ»، فكانت «إستيكرات» لشعار «رابعة» وجهت له النيابة على أثره هو من قبض عليهم فى نفس اليوم، اتهامات حمل شعار «رابعة» وهتافات ضد وزير الدفاع، وتعطيل حركة المترو.

فى البداية تم حجز «م. أ» أربعة أيام على ذمة التحقيق ثم 15 يوما تم تجديدهم مرتين إلى أن حكما آخر قضى بحجزهم 45 يوما وتحويلهم إلى المؤسسة العقابية بالمرج.

وحسب والده، بدأت رحلة نجله مع العذاب الحقيقى، حيث وجد ابنه محاطا بمجموعة من المحكوم عليهم فى قضايا جنائية، تعرض على إيديهم للضرب والإهانة وتبدلت ملامحه وذبلت تماما حتى أصبح شخصا آخر، حيث تحول من طالب مجتهد فى أحد المدارس التجريبية للغات وحاصل على 35 شهادة تفوق رياضى وثقافى، من ضمنها ترشحه لبطولة العالم للتايكوندو، إلى طفل محتجز فى المؤسسة العقابية لا يعرف مصيره بعد!.

الحالة الأخرى التى رصدتها «اليوم السابع»، هى للطفل «غ. ش» الذى قضى 42 يومًا فى سجن وادى النطرون، قبل أن يتوصل أهله إلى مكان اعتقاله، «غ. ش» لم يبلغ من العمر 15 عاما، وهو أصغر الأبناء فى أسرة بسيطة مكونة من 8 وأب متوفٍ وأم مريضة، قبض عليه هو وأحد إخوته فى أحداث مسجد الفتح، فى صباح هذا اليوم قرر أن يذهب مع أخيه الأكبر ذى الـ22 عاما خلال عمله فى توزيع الخبز وبيع النعناع.

وأثناء مرورهما من أمام بنزينة الموجودة بالقرب من مسجد الفتح اعتقلتهم الشرطة مع عدد آخر من المتظاهرين فلم يكن هناك ما يدعو للتفرقة بين المتظاهرين والأشخاص العاديين فى ذلك الوقت فكل من اقترب من محيط المسجد كان عرضة للاعتقال.

ويعمل «غ. ش» صبى حلاق وبلغت أيام سجنه بعد أن توصل ذووه إليه، 55 يوما لم تخلو من الانتهاكات اللفظية والجسدية، وفقا لما أكده لنا أحد إخوته، أما أخوه الأكبر الذى تعرض للاعتقال معه مازال موجودا فى السجن حتى اللحظة الحالية.

وكشفت مها مأمون أحد أعضاء حركة لا للمحاكمات العسكرية والمسؤولة عن ملف الأطفال إن حالات القبض على الأطفال التى حصرتها الحركة وصلت إلى 400 طفل منذ 30 يونيو وحتى الآن تم محاكمتهم أمام نيابات عامة وجنائية وتم توجيه تهم جادة لهم من ضمنها الإرهاب وتكدير الأمن والسلم العام والانضمام لجماعة إرهابية.

وأضافت أن القبض على الأطفال يتم بشكل عشوائى جدا وأن بعضهم لا يكون له علاقة بالمظاهرات من الأساس ويتم القبض عليهم باعتبارهم تابعين لجماعة الإخوان.

وفقا لقانون الطفل يتم احتجاز الأطفال وفقا لتصنيفات ثلاثة الجنس ونوع الجريمة والسن إلا أنه فعليا وعلى أرض الواقع لا يتم النظر تماما إلى هذه التصنيفات ففى جميع الحالات التى قامت المنظمة برصدها وتوثيقها تم احتجاز الأطفال داخل الأقسام مع البالغين المحتجزين على ذمة قضايا جنائية فلا تفرقة بين من قتل ومن شارك فى مظاهرة.

وأشارت عضو لا للمحاكمات العسكرية، إلى أن من يحالفه الحظ للخروج من هذه القضايا لا يحصل على براءة نهائية وإنما يتم الإفراج عنه على ذمة القضية، مشيرة إلى أنه تم الإفراج عن حوالى 250 طفلا من المقبوض عليهم على ذمة القضايا فيما بقى 150 آخرين داخل السجون.

وعن التأثير النفسى لوقائع الاحتجاز، رصدت «اليوم السابع» إصابة أحد الأطفال المفرج عنهم، بصعوبة التواصل مع الآخرين، واضطراره لحضور جلسات العلاج النفسى كما حدث لطفل تم القبض عليه مدة تتجاوز 55 يوما نتيجة مشاركته فى أحد المظاهرات المؤيدة لجماعة الإخوان.

ويواجه «م. ف» البالغ من العمر 16 عاما، اتهامات ارتكاب شغب، وتخريب وانضمام لجماعة مسلحة، وتكدير السلم العام، وقطع الطرق، بسبب المشاركة فى مظاهرة مؤيدة للإخوان فى محافظة الإسماعيلية.

فضلا عن تأكيد والده أنه تعرض لضرب مبرح بعد القبض عليه مباشرة وأثناء التحقيق معه القسم، يقول والده: «بعد فترة تم تحويله إلى السجن العمومى بالإسماعيلية حيث تم حبسه فى زنزانة لا تتجاوز مساحتها 3 أمتار يوجد بها ما لا يقل عن 20 مسجونا منهم من هو مسجون سياسى وجنائى».

فيما بعد قدم أهله طلبا بنقله من سجن البالغين للجزء الخاص بالأحداث وظل معتقلا 35 يوما إلى أن خرج بكفالة فى 20 أكتوبر الماضى على ذمة القضية.

وحسبما تكشف الدكتورة فؤادة هداية، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس، فإن اضطراب ما بعد الصدمة هو ما يتعرض له معظم الأطفال نتيجة مرورهم بهذه التجارب، قائلة «طفل صغير وخبراته بسيطة من الطبيعى أن يصاب بصدمة فى حالة تعرضه لموقف مثل الاعتقال أو الضرب».

وأشارت هداية إلى أن مثل هذه الصدمات التى يتعرض لها الأطفال فى سن صغيرة من الممكن أن تؤثر بشكل قوى على نموهم النفسى فيما بعد، لأن أى مشكلة نفسية تعطل نمو الأطفال وتتسبب فى الإصابة بأعراض الانسحاب من المجتمع فيقل تعامله مع من حوله ويرفض الخروج من منزله بالإضافة إلى تعرضه للكوابيس نتيجة استرجاعه للموقف الذى تعرض له.
وطالبت الدكتورة فؤادة أن تركز الدولة على تطبيق قانون الطفل فى حالة القبض على أى أطفال فى أحداث سياسية وأن ترعى قوات الأمن مسؤوليتها تجاه الأطفال حتى وأن كانوا أطفال شوارع.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة