يجلس فى مكانه وحيدا

محمد منير.. الملك هو الملك

الخميس، 22 أكتوبر 2009 01:54 م
محمد منير.. الملك هو الملك محمد منير
علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شاب نحيل أسمر الوجه بشعر متجعد من أرض النوبة، يقف أمام مدرسته الثانوية وسط أصدقائه ينتظر سماع نتيجة الامتحان، وكلما سمع اسم أحد منهم يجده مقرونا بكلمة «راسب»، ينكمش داخل نفسه خوفا من أن يلحق بزملائه ويفقد حلمه فى أن يترك بلدته ويذهب إلى القاهرة حلم حياته.. والذى لم يتمن يوما أن تلونه بألوانها بل حمل مخزونه الخاص والأصيل وثابر واجتهد حتى أصبح مطربا متميزا، شديد الخصوصية وفنانا يقلده الآخرون ولا يقلد أحداً، إنه «الملك محمد منير» الذى ارتبطت بصوته وعشت من خلال أغانيه لحظات مختلفة من الحزن والفرح.. ومع صوته عرفت معنى الحب الأول وانكساراته، والأهم الإحساس بوطن تمكن منير من رسم خريطة خاصة جدا عنه، حيث يتماهى الوطن مع الحبيبة فى الكثير من أغانيه.

«منير» بالنسبة لى وللكثيرين ليس مجرد مطرب قدم تجربة غنائية مختلفة بل واحد من الذين أحدثوا انقلابا وثورة فى الأغنية المصرية فإذا كان حليم صاحب الثورة الأولى فى تطوير شكل الأغنية المصرية على مستوى اللحن والكلمة والإيقاع وشكل المطرب فإن «منير» وبلا منازع صاحب الثورة الثانية، والذى تمسك بمصريته وجذوره النوبية، ولم يتوقف يوما عن النبش فى التراث والمخزون المصرى والعربى والإفريقى لأنه مؤمن بداخله بأن الشخصية المصرية غنية وثرية لأنها مزيج من حضارات متعددة ودائما ماكان يردد على مسامعى: لماذا نذهب إلى كل ماهو غربى وتراثنا ملىء بكنوز لم تكتشف بعد؟

ورغم أن منير من المطربين الذين عانوا كثيراً من الإحباطات إلا أنه لم يستسلم يوما حيث لم يتخيل الكثيرون ممن عاصروا بداياته أن ذلك الفتى القادم من الجنوب سيتوج يوما ملكا على عرش الأغنية المصرية، حيث راهن القليل منهم على ذلك واهمهم الموسيقار الفنان بليغ حمدى الذى رأى فى منير على المستوى الانسانى ابنا له، وتحمس له على المستوى الفنى فى الوقت الذى كان معظم منً حوله غير متحمسين له بالمرة.. وقد يكون السبب أنهم كانوا متأثرين بفكرة «النجم الأمور».. «الجان»، لكن أحمد زكى ومحمد منير كسرا تلك القاعدة التى تأكد فيما بعد أنها لا تستند إلى ثوابت.. لأن مقاييس النجومية أصبحت لا تعتمد على مجرد الطلة ولكن المضمون أيضاً.

من يقف للحظة ليتأمل مشوار منير يجد أنه أكثر مطربى جيله دقة فى اختيار مضامين أغانيه، منذ أول ألبوم أطلقه فى عام 1977 «علمونى عينكى»، مرورا بـ«شبابيك، بنتولد، شيكولاته، وسط الدايره، أنا قلبى مساكن شعبية، برئ، اتكلمى»، وانتهاء بـ«طعم البيوت».

وحده منير وكتيبة الكتاب والشعراء الذين آمنوا به وعملت معه ومنهم أحمد منيب، عبدالرحيم منصور، صلاح جاهين، يحيى خليل، هانى شنودة، ووجيه عزيز أن التغير يجب أن يحدث، وأن الغناء لابد أن يشهد حالة مختلفة ولم يخش أن تصدم كلمات أغانيه الجمهور «بره الشبابيك غيوم.. بره الشبابيك مطر، بفتح زرار قميصى للنسمه والهوا ونور فوانيسى»، الفرصة بنت جميلة راكبه عجلة ببدال»، بالظبط الشعر اللى بحبه الطول واللون والحرية».

إضافة إلى أنه فنان له رؤية مميزة يعطى اللحن من روحه لذلك من الصعب جدا ان تتقبل أغانيه بصوت مطرب أومطربة غيره..كما انه ايضا من المطربين القلائل عندما يغنى أغانى غيره يلونها بطريقته تماما وتصبح كأنها اغنيته هو مثل «الدنيا ريشة فى هوا، أنا بعشق البحر، شئ من بعيد، يا مسا الجمال والدلال».

وأهم ماجعل منير يتربع على عرش الغناء لأكثر من 30 عاما أنه منذ بداياته أصر على أن يكون« منير» وليس عبدالحليم ولا هانى شاكر ولا محرم فؤاد، ولم يكتف باختلافه بل يحرص على التجدد طوال الوقت، كما أنه أعاد الفولكولور والشعبيات للغناء وأيقظ فى الجمهور الرغبة فى الاستماع إلى هذا التراث وترديده معه.. «منير عاش وسيعيش طوال عمره يحلم بتقديم المضمون المميز».

عشقى لمنير الفنان يعود لاختلافه عن المطربين الآخرين، كما أنه ابن لتجربة سياسية ساهمت فى وعيه الزائد بهموم الوطن، لذلك أطلق عليه البعض مطرب الأزمات والذى لايتردد فى إعلان رأيه بصراحة فى كل مايدور حولنا من قضايا سياسية أو اجتماعية... ورغم كل هذا النجاح والتألق والتميز والذى أخذ من عمر وأعصاب وحياة منير وجعله ينجز 23 ألبوما غنائيا والعديد من الأدوار السينمائية والتليفزيونية، إلا أنه كثيرا ما يحدثنى عن إحساسه بالوحدة، الذى يأتيه عادة بعد إحيائه لحفلاته فى دار الاوبرا حيث يشاركه الحفل أكثر من 60 ألف من الجمهور ومتذوقى الفن، وبعدها يعبر منير كوبرى قصر النيل إلى منزله فى «جاردن سيتى» ليجلس فى حجرته أو صومعته والتى تشهد ميلاد إبداعاته متسائلا: هل انغماسى فى العمل إلى هذه الدرجة والذى جاء على حساب حياتى الشخصية كان صحيحا؟ وهو التساؤل الذى يخرجه منه لحن جديد أو كلمات مختلفة ليعاود انغماسه فى العمل مجدداً.

«منير» فنان مصرى خالص، مازال يحمل بيديه المصابيح، ليزيح بها ظلمة الفن والحياة والظروف، لذلك تحول إلى أيقونة الغناء المصرى منذ انطلاقه فى السبعينينات من القرن الماضى وحتى الآن.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة