السماء استكملت صياغة أسطورتها حينما حرمتها من نعمة الأمومة

شادية.. معبودة الجماهير

الخميس، 22 أكتوبر 2009 01:54 م
شادية.. معبودة الجماهير شادية
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يسلم أحد فى مصر ولا فى الوطن العربى من ملامح هذه السيدة، فمن لم يسقط هائما فى رموشها، سقط مغشيا عليه حينما سمع صوتها، ومن لم تأسره نظرات عينيها، تسجنه ابتسامتها، ومن لم يذب فى جمال خطوتها، يموت فى التراب اللى بتمشى عليه، ومن لا يسعده الحظ ولا تزوره فى أحلامه، يستدعيها ليلا من صور الصحف، ومن الملامح القابعة فى خلايا ذاكرته، أما من بحث كثيرا عن امرأة ينحنى لجلال جمالها، وعظمة أخلاقها، وقوة مبدئها، وصلابة موقفها ولم يجد، فليس أمامه سوى «شادية» لأنها المرأة الوحيدة التى جمعت بين سابق الأشياء دون ضجيج، أو رياء أو إعلانات متلفزة، هى الوحيدة التى غنت بصدق فخرج صوتها ساحرا يزرع الإيمان فى قلوب الناس بما تغنيه، هى الوحيدة التى آمنت بما قدمت، فوضعها الناس على قمة تلال قلوبهم، ثم خلفت وراءها عالما كبيرا من الشهرة وزرعت فى قلبها سكينة لم تهتز أمام كل إغراءات المال والعودة.

دعك من فكرة أن شادية كانت واحدة من القلائل الذين أعادوا عصر الشمولية بما قدمته من روائع للسينما والمسرح والتليفزيون والغناء، لأن شادية لم تكن مجرد ممثلة بارعة، أو مطربة رائعة، بل هى أسطورة بكل ما تحمله الكلمة من معان، أسطورة شاركت السماء فى صياغة تفاصيلها حينما حرمتها من نعمة الأمومة، فجعلت حنانها الذى يفيض من ملامحها وصوتها هبة للناس جميعا، واستكملت صناعتها حينما ثبتت قلبها على قرار العزلة والاعتزال، ضاربة فى ذلك مثلا رائعا فى الزهد، ونموذجا أروع لمفهوم التوبة، فحينما تنظر إلى السيدات الفنانات المحجبات الآن، وتشاهد تنطيطهن من فضائية إلى أخرى تدرك قيمة الفنانة شادية، وتدرك عظمتها، حينما تشاهد حجاب الفنانة المعتزلة شهيرة وقصة الشعر التى تطل من أسفل حجابها ومحاولة تقديم نفسها كداعية هبطت من السماء سترفع يدك وتدعو لشادية بطول العمر وثبات القلب، وحينما تتابع مسيرة هؤلاء اللاتى أغوتهن كاميرات الشهرة على العودة، فستعرف أن شادية كانت إنسانة قبل أن تكون أى شىء آخر.

ومثلما هى الآن نموذج فى اعتزالها كانت نموذجا أروع وقت تصدرها أفيشات أغلب الأفلام، لم تكتف بكونها سنيدة الأبطال بل طغت بحضورها على العديد من النجوم الرجال وسرقت الأضواء لحسابها، فعلت ذلك مع كمال الشناوى وصلاح ذو الفقار وعماد حمدى وغيرهم من الكبار، وتميزت عن بنات جيلها بالتنوع والتلقائية، كان واضحا على ملامحها أنها تؤمن وتحب ما تفعله.

لم تكن أغانى شادية بتنوعها مجرد أغنيات للرقص وهز الوسط، فلقد تحولت أغانيها إلى قواعد ثابتة فى حياة المصريين، فلا غربة ولا سفر دون أغنية «خلاص مسافر» التى أصبحت شعار المصريين الرسمى للغربة وأوجاعها.

فتوش أو فاطمة كمال شاكر بدأت حياتها الفنية بدور صغير فى فيلم «أزهار وأشواك» الذى قامت ببطولته الفنانة مديحة يسرى مع يحيى شاهين. ومن بعدها اتخذت حياتها الفنية محطات بدأت بفيلم «العقل فى أجازة» مع الفنان محمد فوزى عام 1947 لتنطلق بعدها شادية فى عالم التمثيل، وتشتهر بأدوار الفتاة الدلوعة وهى المرحلة التى جننت شادية فيها رجال وشباب مصر دون أن تدرى، وخلقت فى أذهان الجميع صورة جديدة للمرأة وفتاة الأحلام، ففى تلك الفترة امتلكت شادية كل شىء على عكس الأخريات، كان لديها شقاوة سعاد حسنى وهدوء فاتن حمامة، ورومانسية مريم فخر الدين، ودلع لبنى عبدالعزيز وسهوكة ماجدة، وإغراء هند رستم، ولكنها فاقت الجميع بملامح بريئة وناضجة وصوت ساحر، وعقل أنثوى يجبر كل الرجال على التوقف واختلاس النظر واستدعاء ملامحها فى الأحلام.

ومع حلول فترة الستينيات، بدأت شادية فترة فنية جديدة وعلى عكس غيرها من الممثلات اتخذت منحنى فنيا جديدا وقدمت مع المخرج صلاح أبو سيف فيلم «لوعة الحب» عام 1960، والذى أدت فيه دور زوجة بسيطة يعاملها زوجها بقسوة، وتتبعه بفيلم اللص والكلاب فى 1962 ودور نور فتاة الليل التى خلدت ذكرى شادية فى ملامح الرجال، ثم اختتمت الأمر برائعتها فؤادة فى فيلم شىء من الخوف، لتكتب اسمها فى قلوب المصريين كافة وتؤكد أن الممثلة ليست مجرد عين مرسومة وشفايف ملتهبة وخطوة راقصة.

ومثل كل شىء أصيل فى مصر انزوت شادية وتركت الساحة لفترة السبعينيات بابتذالها وهيافتها، فلم يكن من الممكن أن يبقى الفنانون اللى بجد على تلك الساحة، لم يكن من الممكن أن تبقى شادية بفنها وإخلاصها على نفس الساحة التى ظهرت عليها ميرفت أمين وناهد الشريف بما يوهاتهما وأدوار السرير، اختفت شادية ثم عادت للظهور فى منتصف الثمانينيات، لتقدم فيلم «لا تسألنى من أنا»، ثم بعد الفيلم بعامين وتحديدا فى 1986 تغرد تغريدة البجعة وتقدم رائعتها «ريا وسكينة» وتقف على خشبة المسرح للمرة الأولى فى مواجهة عمالقة هذا الفن عبدالمنعم مدبولى وسهير البابلى وتفاجئ الجميع بحضور طاغ وأداء غير عادى تختمه بأغنية «جه حبيبى وخد بإيدى» فى احتفالات المولد النبوى وتبكى على المسرح وتتخلى عن كل شىء، ودون لف أو دوران تخبر الجميع أنها ستكتفى بما قدمته حتى تبقى صورتها الجميلة فى أذهان الجميع كما هى رائعة الجمال والكمال، ولكن كان واضحا أن اكتفاء شادية كان خلفه أشياء أخرى أعمق وأقوى من مجرد الصورة الجميلة لأن من هم مثل شادية تبقى ملامحهم محفورة فى الوجدان.. وجدان الناس.. ووجدان التاريخ، لأن التاريخ لا ينسى أبدا المؤمنين.. ولا يجرؤ بالتالى على أن ينسى شادية.. معبودة الجماهير!!









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة