كيف حقق المسلسل الإيرانى «النبى يوسف» كل هذا النجاح فى بلاد السنة؟

الحلال والحرام فى ظهور أنبياء الله فى المسلسلات

الخميس، 08 أكتوبر 2009 09:12 م
الحلال والحرام فى ظهور أنبياء الله فى المسلسلات الممثل الإيرانى الذى قام بدور النبى يوسف
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
>> التوقف عند إذا ماكان فرعون يوسف هو أمنحتب أم لا واسم امرأة العزيز هل كان زليخة أم لا؟ يشبه سؤال هل البيضة قبل الفرخة أم العكس؟

هل تذكرون بداية الهوس المصرى بالمسلسلات التركية؟ إنها تتكرر الآن بشغف أكبر مع المسلسل الإيرانى النبى يوسف، وربما تعود أسباب ذلك إلى الشغف الفطرى لدى الشعب المصرى بقصة سيدنا يوسف الذى يعيد ترديدها ويعشق تأويلاتها وتفسيراتها المختلفة لما فى القصة من أحداث تداعب بدرامتها وشعبيتها مشاعر المصريين العاشقة للقصص التى يبدأ بطلها مظلوما وتنتهى القصة بانتصار ماحق وكرم ساحق يمنحه لمن يستحق ومن لايستحق، شغف المصريين بهذه القصة وتفاصيلها وأحداثها لم يتوقف عند الحكى فقط بل كان سببا فى ارتفاع أسهم مقرئين ومشايخ برعوا فى ترتيل وتجويد صورة يوسف بل كانت هذه السورة القرآنية هى سبب شهرة مقرئ مثل الشيخ سيد سعيد الذى عاش حياته ليصبح الاسم الأكثر طلبا فى المأتم والحفلات بسبب طريقة تلاوته لقصة سيدنا يوسف.

هذا الشغف المصرى بقصة سيدنا يوسف صنع الفارق الذى أدهش صناع المسلسل الإيرانيين حينما طغت شهرة المسلسل على غيره من مسلسلات وبرامج رمضان التى أنفق التليفزيون المصرى عليها 300 مليون جنيه فى برهان جديد على أن المشاهد المصرى لم يعد يقبل إلا بالسلعة الجيدة بغض النظر عن مصدرها.

المسلسل الذى شارك فى كتابة السيناريو الخاص به أكثر من 20 مؤلفا خلال 4 سنوات كاملة معتمدين على أكثر من 8 آلاف مرجع وكتب دينية شيعية وسنية وتاريخية، وانشغل مخرجه عاما كاملا باختيار الممثلين وتدريبهم، ليس مجرد مسلسل نجح فى جذب الناس بل هو ضربة أخرى لصناع الدراما فى مصر الذين جعلوا من الاستسهال منهجا، وأصبحت مسلسلاتهم عبارة عن حواديت مسلوقة يكتبها المؤلفون فى شهر معتمدين على سرقة أفكار الماضى أو توليفة قصة منشورة فى صحف الحوادث، ويقوم المخرج بتعبيتها فى شرائط قبل رمضان بأسبوع لتصبح جاهزة للعرض بين الفواصل الإعلانية، صحيح أن المسلسل الإيرانى واجه الكثير من الاعتراضات والاتهامات والرفض بسبب تجسيد شخصية النبى يوسف والنبى يعقوب عليهما السلام، وصحيح أن العديد من المؤرخين قالوا إن المسلسل ملىء بالمغالطات التاريخية، وصحيح أن السادة المثقفين وكتاب الحكومة اعتبروا المسلسل مجرد محاولة أخرى لترويج المذهب الشيعى، ولكن رغم كل ذلك صمد المسلسل فى وجه كل هذه الاتهامات وترجم هذا الصمود بارتفاع فى نسبة المشاهدة يؤكد أن الشعب المصرى مازال بخير ومازال أكثر تسامحا ووعيا من مثقفيه وشيوخه، بدليل أنه استقبل ظهور سيدنا يوسف على الشاشة بكل هذا الهدوء، على عكس نواب مجلس الشعب الذين تقدم أحدهم وهو محمد العمدة وقام برفع قضية مستعجلة أمام القضاء الإدارى ضد اتحاد الإذاعة والتليفزيون وشركة النايل سات، بسبب عرض مسلسل نبى الله يوسف على بعض القنوات الفضائية فى شهر رمضان، معترضا على تجسيد شخصية نبى من أنبياء الله وهو الأمر الذى مازال محل خلاف دينى رغم تفضيل الأزهر الشريف عدم تجسيد صورة الأنبياء خوفا مما قد يجره هذا التجسيد من أى تشويه غير مقصود من جانب الدراما لأنبياء الله المعصومين.

الجدل الذى أثاره المسلسل لم يتوقف عند تجسيد شخصية النبى يوسف والنبى يعقوب عليهما السلام، بل تجسد أيضا فى تلك الحرب الدائرة بين المؤرخين الذين اتهم بعضهم المسلسل بأنه ملىء بالأخطاء التاريخية وحينما سألناهم عن تلك الأخطاء قالوا بأعلى أصواتهم بأن الفرعون الذى كان فى عصر سيدنا يوسف لم يكن أمنحتب الرابع(إخناتون) رغم أن هناك أقاويل كثيرة حول كون إخناتون هو أول من آمن بالتوحيد، وهى نفس الإشكالية التى نعيشها منذ عصور طويلة حول ما إذا كان رمسيس الثانى هو فرعون موسى أم لا، حيث تؤكد روايات تاريخية على هذا المعنى بينما تنفى روايات أخرى هذا الأمر ذاكرة اسما آخر فى دائرة من الشك والترجيحات لا تنتهى خاصة حينما يتعلق الأمر بالتاريخ الفرعونى.

وبغض النظر عن وجود أكثر من وجهة نظر بعضها يقول بأنه أمنحتب الرابع وبعضها يقول بغيره ترك السادة المؤرخون والمثقفون تلك الصورة العظيمة وتلك البراعة فى تجسيد الحياة الفرعونية التى فشلنا نحن أبناء تلك الحضارة فى صنعها على الشاشة وتوقفوا عند ما إذا كان فرعون يوسف هو أمنحتب أم لا، مثلما توقف آخرون عند اسم إمرأة العزيز هل كان زليخة أم لا؟ وهى أسئلة تشبه إلى حد كبير تلك الأسئلة الفوازيرية التى نلعب بها فى الشارع مثل هل البيضة قبل الفرخة أم العكس؟ لأن قصة سيدنا يوسف وخيوطها الدرامية الواضحة المذكورة فى القرآن لن تتغير سواء كانت اسمها زليخة أو امرأة عزيز مصر.. ولكن واضح أن هذا النوع من الأسئلة يؤكد أن هناك إصرارا واضحا على التعامل مع المسلسل وكأنه حصة تاريخ من المفترض أن يقال فيها ما هو مثبت فى كتب الوزارة حتى لو كان هناك مراجع أخرى تلقى بوجهات نظر أخرى مقبولة لا تتعارض مع الخط الرئيسى فى الأحداث التى ذكرها القصص القرآنى. وهو المنطق الذى يحب أن يتعامل به صناع الدراما فى مصر أن يستسهلوا ويحولوا القصص التاريخية المقروءة إلى مجموعة صور متحركة بلا رؤية ولا مضمون ولا وجهة نظر.

ما تم تقديمه فى مسلسل النبى يوسف فنيا يكفى لأن يدفعنا لإعادة حساباتنا فى مسألة الريادة المصرية، خاصة أن أقرب الأعمال المصرية للمسلسل الإيرانى هو فيلم «المهاجر» الذى قدم فيه يوسف شاهين قصة سيدنا يوسف بعد لف ودوران على الرقابة والناس حتى لا يتم اتهامه بتجسيد شخصية نبى من أنبياء الله، رغم أن أحداث الفيلم كانت واضحة بتفاصيلها القرآنية، وإذا تمت مقارنة فيلم شاهين بالمسلسل الإيرانى من حيث الديكورات والملابس وتفاصيل الحياة الفرعونية سيربح مسلسل النبى يوسف ويخسر المهاجر رغم أن الأول صنع فى إيران مهد الحضارة الفارسية، والثانى صنع فى مصر فى أحضان المعابد الفرعونية، فلا يمكن لأى منصف أن ينكر هذا الجهد وهذه الدقة التى ظهرت على الشاشة من حيث الصورة والأداء والملابس، فلأول مرة رأى المصريون حياة فرعونية نابضة بالحياة تشبه إلى حد كبير تلك التصاوير والرسوم التى نشاهدها بإعجاب على جدران المعابد وليس مجرد صورة باهتة مثل التى نشاهدها فى أعمالنا السينمائية والتليفزيونية لا تمت للفراعنة بصلة، وكل ما وصلها عن تاريخ الحياة الفرعونية هى تلك الأيدى الممدودة على الجنبين.

ركز السادة المثقفون والمؤرخون وصناع الدراما فى مصر على تلك الأخطاء وتناسى الكل جوهر المسألة التى تقول بنجاح إيران فى تقديم مسلسل يعالج فترة مهمة من فترات التاريخ الفرعونى الذى نحلم نحن منذ سنوات بتقديم عمل يلائم هذا التاريخ ويقاربه، اتهموا المسلسل بالمغالطة التاريخية واستشهدوا على ذلك بأن الممثل الإيرانى لم يكن جميلا بقدر جمال سيدنا يوسف، رغم أن أحداث المسلسل وأهدافه كانت أكثر عقلانية من طرحهم الساذج، فقد كان واضحا أن صناع النبى يوسف يريدون تجاوز ذلك المعنى الذى ظل جاثما فوق صدور أهل الإسلام حول كون سيدنا يوسف هو الجميل الذى تشتهيه النساء وركز المسلسل أكثر على سيدنا يوسف الصبور، الرجل الشهم، ذى العلم والخبرة، الطاهر الذى نجح فى إدارة شئون مصر أثناء فترة القحط ليظهر سيدنا يوسف فى المسلسل بالشكل الذى يليق به وليس مجرد رجل وهبه الله شطر الجمال وكفى.

كلمة إيرانى التى ترافق مسلسل النبى يوسف ربما كانت هى سبب كل هذا الفزع من هذا العمل الفنى الرائع، وحدهم فقط أبناء الشارع المصرى هم الذين تعاملوا مع المسلسل بهذه الطريقة، عمل فنى محترم بعيد عن سفه ما قدمه لهم التليفزيون وابتذال ما تقدمه لهم السينما المصرية، وحنين لرؤية الحياة الفرعونية بتفاصيلها الدقيقة التى يقرأون عنها فى الكتب ويشاهدونها بلا ثقة فى أفلام الأمريكان.

لمعلوماتك...
>> 45 عدد حلقات المسلسل الذى يبث الآن على قناة المنار
>> 20 كاتبا شاركوا فى وضع سيناريو المسلسل








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة