الاقتتال المسلح بين طرفى النظام والمعارضة فى جنوب السودان يقود سلفاكير لأزمة داخلية تهدد حكمه.. والمشهد يعيد إلى الأذهان سيناريو الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب

السبت، 21 ديسمبر 2013 04:33 م
الاقتتال المسلح بين طرفى النظام والمعارضة فى جنوب السودان يقود سلفاكير لأزمة داخلية تهدد حكمه.. والمشهد يعيد إلى الأذهان سيناريو الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب سلفاكير رئيس جنوب السودان
كتبت أمل صالح

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يزال جنوب السودان أحد أفقر الدول وأقلها تطورا فى أفريقيا، رغم كل الاحتياطى النفطى الذى يمتلكه، ويعانى من قتال عرقى أذكته الأسلحة التى خلفتها عقود من الحرب مع السودان، فالبلد الحديث صاحب الثلاثة أعوام اندلعت اليوم بين جدرانه محاولة انقلاب بزعامة نائب رئيس جنوب السوادن السابق "رياك مشار"، وصفت فى البداية بالفاشلة، إلا أن إصرار المتمردين على إسقاط النظام دفعهم لاستكمال القتال، وبعد أيام من القتال بين الحرس الجمهورى وجنود الجيش الشعبى لتحرير السودان من ينتمون إلى قبيلتى "الدينكا"، التى ينتمى إليها "كير" و"النوير" التى ينتمى لها "مشار"، فى محاولة للانقلاب على الحكم.

وشنت قوات النظام حملة اعتقالات واسعة لبعض المسئولين، وكان من ضمن المعتقلين "ماجاك داجوت" نائب وزير الدفاع السابق، و"كوستى مانيبى" وزير المالية والتخطيط الاقتصادى السابق، و"دينج ألور" الوزير الحالى لشئون مجلس الوزراء، و"شيرينو هايتنج أوفوهو" وزير الثقافة الحالى، فيما وضعت "ربيكا قرنق"، أرملة "جون قرنق" زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة، تحت الإقامة الجبرية فى منزلها.

وعلى الجانب الآخر، تمكنت قوات المتمردين من السيطرة على مدينة "بور" التى تتعرض لقصف مدفعى عنيف، وفق مصادر مسئولة من المنطقة، كما لجأ ما يقارب 16 ألف شخص إلى مقراتها فى جوبا وأن الأعداد تتزايد فى بداية حظر تجول أمر به الرئيس من المغرب حتى الفجر، ليعلن بعدها النائب السابق لرئيس جنوب السودان "رياك مشار" بشكل صريح حشد الجيش للإطاحة برئيس دولة جنوب السودان سالفاكير.

هنا وبعد تأزم الموقف على مدار أيام أطلق رئيس جمهورية جنوب السودان "سلفا كير" مبادرة للتفاوض مع خصمه رياك مشار والجلوس على مائدة مفوضات، إلا أن الأخير أعلن أنه لا يريد أن يناقش إلا شروط رحيل، واصفا "سلفا كير" بأنه يعمد إلى قتل الناس كالذباب ويحاول إشعال "حرب أثنية"، على حد تعبيره، بعد معارك أسفرت عن أكثر من 500 قتيل.

"تاريخ الصراع الجنوبى"
أزمة جنوب السودان تعيد المشهد لسيناريو الحرب الأهلية التى عانى منها السودان بين الشمال والجنوب، والتى تواصلت لأكثر من عقدين وأودت بحياة نحو مليونى شخص فى البلاد المنقسمة، إلا أن الاختلاف اليوم هو اندلاع تلك الأزمة فى الجنوب فقط.

وكان لـ"سلفا كير" و"مشار" تاريخ طويل من المشاحنات التى أعقبها الصفقات، ويقال إن مشار يفتقر إلى الدعم فى الجيش، إلا أن نصف المكتب السياسى للحزب الحاكم كان يدعمه قبل أن يقيله سلفاكير، غير أن الخلاف الحالى يبدو أسوأ بكثير من ذى قبل، فالرئيس أصبح أكثر تسلحا وأكثر ديكتاتورية، ويرى المقربون منه أنه قد تغير، ويتساءلون ما إذا كانت المشكلات الصحية الأخيرة التى استدعت توجهه لجنوب أفريقيا لتلقى العلاج قد أثرت على حكمه.. ويقول دبلوماسى عرف سلفاكير منذ الحرب الأهلية إنه رجل مختلف تماما عن الرجل الذى كان يعرفه من قبل.

ويقول محللون إن أصل الصراع بين الرئيس ونائبه المقال هو فى الحقيقة صراع طائفى، إذ ينتمى سلفا كير إلى قبيلة الدينكا فيما ينتمى مشار إلى قبيلة أخرى وهى النوير.

وما زالت "بور" فى ذاكرة جنوب السودان رمزا داميا للمنافسة بين كير ومشار، ففى 1991 قتلت القوات التى تشكل أثنية النوير أكثريتها بقيادة رياك مشار وانشق عن الجيش الشعبى لتحرير السودان، التمرد الجنوبى التاريخى، حوالى ألفى مدنى من الدينكا أثنية سالفا كير.

"أزمة"
بعد القتال بأيام قليلة طالت أزمة الجنوب القواعد العسكرية الأمريكية التابعة للأمم المتحدة، وهو أمر فى حد ذاته قد يوقع البلد الحديث فى أزمة هى فى غنى عنها، خاصة هى فى مهدها، حيث هاجم متمردو النوير، وهى الجماعة الثانية فى جنوب السودان بعد جماعة الدنكا، القاعدة الأمريكية، ما أدى لمقتل ثلاثة من عناصر القوة الهندية المشاركة فى قوات حفظ السلام بجنوب السودان، لتخرج بعدها التصريحات المستنكرة والمدينة لاعتداء المسلحين على القواعد الأمريكية العسكرية، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة "بان كى مون" إنه صدم حينما علم بالهجوم على القاعدة التابعة للأمم المتحدة، وقال فى بيان "بدت مؤشرات على أن مدنيين قتلوا وجرحوا فى الهجوم، ولكن لم يتم التحقق من هذا، وإذا صحت هذه الأنباء فإنه يجب محاسبة هؤلاء الجناة عن جرائمهم ويعقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فى نيويورك اجتماعا اليوم الجمعة لمناقشة الأزمة فى جنوب السودان.

"حرب أهلية"
وتسلط الأحداث الجارية فى جنوب السودان الضوء على حجم الانقسامات فى هذه البلاد التى انفصلت حديثا عن السودان فى استفتاء جرى أوائل عام 2011، لتكشف المواجهات عن المنافسات السياسية العميقة بين أركان النظام السودانى، مردها إلى عقود من التمرد الجنوبى ضد الخرطوم (1983-2005) التى أدت فى يوليو 2011 إلى استقلال جنوب السودان.

بينما وصف رئيس البلاد سلفا كير ما جرى بأنه "محاولة انقلابية فاشلة" نفذها جنود يدينون بالولاء لنائبه ريك مشار المقال، نفى الأخير فى تصريحات لـ"بى بى سى" ضلوعه فيما جرى، قائلا إن أعمال العنف التى اندلعت فى العاصمة جوبا تقع مسئوليتها المباشرة على الرئيس سلفا كير ميارديت متهما إياه بمحاولة تغطية فشل حكومته باتهام مشار بالمحاولة الانقلابية، ما أدى إلى اشتباكات بين الجنود ومقتل ما بين 400 و500 شخص، حسب تقديرات أدلى بها رئيس عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى جنوب السودان.

"موقف دولى"
لم تتباين المواقف الدولية تجاه أزمة الجنوب، ولكن جميعها كانت تتجه للتحذير من التطرف، وقدرة الجنوب على احتمال تلك المواجهات التى اندلعت بين الحكومة والقوات الموالية لـ"ريك مشار"، بل وأحيانا اتجه البعض لاحتمال اتجاه السودان لسيناريو أشد تطرفا من السيناريو الأول الذى شهدته خلال الحرب الأهلية مع الشمال.

وفور بدء الأزمة اتخذت الولايات المتحدة وألمانيا خطوات سريعة لإجلاء رعاياها من دولة الجنوب، وسارعت الولايات المتحدة بنشر 45 عنصراً من القوات الخاصة لحماية مواطنيها وسفارتها فى جوبا، كما أعلنت ألمانيا عن إرسال طائرات عسكرية لبدء إجلاء رعاياها من جمهورية جنوب السودان، واعتبرت مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان "نافى بيلاى"، أن مخاطر اندلاع نزاع عرقى مرتفعة جداً فى جنوب السودان.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة