عصام عبد الله

بكارة تايوانى

الخميس، 17 سبتمبر 2009 01:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن ايلاف

يستحق موقع "اليوم السابع" عن جدارة أن يحصل على جائزة الإعلام الأولى فى مصر، كأفضل موقع إلكترونى عبر بسلاسة وعمق عن جوهر "الثورة الرقمية"، التى كسرت الحدود بين أشكال الاتصال التقليدية الثلاثة: الكتابة (الصحافة) والصوت (الإذاعة) والصورة (التليفزيون)، وفتحت المجال أمام "الإنترنت" وهو الشكل الرابع من أشكال الاتصال والتواصل الإنساني، وأحدث وسيلة للتعبير (المعارضة والاحتجاج) والاستعلام والبحث والترفية.

ويبدو أن هذه الثورة الرقمية أصبحت (حصان طروادة) فى عصر العولمة، ليس فقط فى عبور الزمان وضغطه أو عبور المسافة التى تفصلنا عن الآخرين، وإنما فى التخفف من إكراهات (وضغوط) الرقابة السياسية، والانفلات من القيود (الأمنية) التى تخضع لها الصحف الورقية، بسبب التابوهات (المحرمات) التقليدية الثلاثة: الدين والجنس والسياسة، وأشياء أخرى.

فقد نشر الموقع خبرا جريئا وصادما للقراء، يدخل فى باب "المسكوت عنه" أو "اللامفكر فيه"، لأنه كسر الصدفة الأصلية "لتابو الجنس" عندنا، ومن ثم استحوذ على اهتمام أكبر عدد من القراء، فضلا عن المسئولين والأطباء والحقوقيين ورجال الدين. ملخص الخبر، حسب وكالة (دى برس وإذاعة هولندا العالمية)، هو: اعتزام مجموعة من المستثمرين المصريين استيراد أغشية بكارة صناعية من الصين، سيتم بيعها بـ 83 جنيهاً تقريبا (ما يعادل 15 دولارا)... بعد انتهاء إجازة عيد الفطر المبارك حتى لا تؤذى مشاعر المسلمين!
وتساءلت إذاعة هولندا (بمكر شديد): "هل الآخر هو من يحرض بناتنا للانفلات (الانحراف) بتسهيله لنا طرق التخفى، أم أن الحاجة هى التى دفعته لتصنيع ذلك المنتج؟".

واستطردت: أنه من المنتظر أن تشهد شوارع القاهرة نفس الإعلانات المنتشرة الصين: "استعيدى عذريتك فى خمس دقائق.. المنتج التكنولوجى الراقى.. سرك المفزع يختفى للأبد.. استعيدى عذريتك بخمسة عشر دولاراً.. بلا جراحة، أو حقن، أو أدوية ولا آثار جانبية".

لم يكتف موقع "اليوم السابع"، الذى يرأس تحريره الإعلامى المتميز خالد صلاح، ويشرف عليه الكاتب الاستثنائى سعيد شعيب، بنشر الخبر فقط وإنما قام بإجراء تحقيق موسع مع الخبراء والمختصين والجمهور. وإليكم أبرز الخلاصات (إذا سمح باستيراد "غشاء البكارة الصينى" فى مصر): نشر الدعارة والتشجيع على الانحراف.. انتشار العنوسة وارتفاع نسب الطلاق.. زيادة معدلات الغش والخداع فى المجتمع.. زرع الشك وعدم اليقين فى قلوب الشباب.. حبس البنات فى القمقم (البيوت) درءا للشبهات.. مصر ليست السوق المناسبة لهذا المنتج.

ورغم رفض كل من وزارة الصحة المصرية ونقابة الصيادلة تداول "غشاء البكارة الصينى" فى الأسواق بشكل رسمى، فإن المخاوف قد تسربت إلى نفوس معظم القراء من إمكانية تهريب هذا المنتج "الرجيم" وبيعه فى السوق السوداء بأضعاف ثمنه، لأنه: "أحلى من الشرف ما فيش" زى ما كان بيقول "الباز أفندى"، الممثل العبقرى "توفيق الدقن" (1924 – 1988) الذى اشتهر بأدوار الشرير خفيف الظل.

وعبارة "أحلى من الشرف ما فيش" هى أشهر "لزمة" فى تاريخ السينما المصرية، يحفظها المصريون عن ظهر قلب بطريقة أدائها الصوتى الممزوج بالابتسامة الساخرة والنظرة المملوءة خبثا. إلى هذا الحد كانت تؤثر الأعمال الفنية فى هذا الزمن الجميل، فى وجداننا ولاوعينا وتحفر عباراتها وشخصياتها فى ذاكرتنا، وتصير جزءا من لغة الحياة وتصوراتنا عن الواقع.

لكن المصريين، وتلك هى المفارقة، لم يربطوا معانى هذه العبارة ودلالاتها بالمعنى الجنسى وحده كما هو حاصل اليوم (بفعل الهوس الدينى الزائف المقترن بالجهل والانحطاط الأخلاقى)، فقد كان "الدقن" يردد هذه اللزمة فى معظم أفلامه حين يقبض أى مبلغ من المال بطرق غير مشروعه أو حين يقوم بعمل غير أخلاقى بوجه عام: رشوة، اختلاس، سرقة، ثمن دم، فساد، شهادة زور، تسهيل الفحش، غض الطرف عن الرذيلة، تبرئة المذنب وظلم البرئ....
وهو ما يثير جملة من التساؤلات المشروعة: لماذا أصبحنا لا نخاف الخطأ ولكن نخشى فقط افتضاح أمره؟!... لماذا نستمرئ الكذب والغش والخداع فى حياتنا؟... هل من الشرف أن نكذب حتى على أنفسنا؟... هل من الشرف أن نقهر إنسانا فقط لأن جنسه أنثى؟. إن معنى "الشرف" لا ينحصر فى السلوك الجنسى للمرأة خاصة نصفها الأسفل، كما أن شرف الرجل ليس منفصلاً عنه أو موجودا عند نسائه وحسب.

إن "البكارة" والعذرية، لا تخص المرأة وحدها، وإنما تتعلق بالإنسان رجلا كان أم امرأة، فلكل شخص جسده الذى يملكه ولا يسمح لغيره أن يمتهنه، كما أنه لا يمنحه إلا لمن يريد ويخصه به وحده، وليس لكل عابر سبيل أو من تقع العين عليه إعجابا أو اشتهاء.
بقى أن تعرف عزيزى القارئ أن تعبير "بكارة تايوانى" ليس خطأ فى العنوان، فالمصريون يطلقون كلمة "تايوانى" على كل ما هو "غير أصلى"، "تقليد" يعنى، فضلا عن كل ما هو مزيف أو مضروب أو مبلول أو درجة ثانية... والبكارة هى الشىء الوحيد "الذى يتناقض مع كل هذه المفردات السابقة، فهى تطلق فقط على: " الأول" و"الأصلى" و"البدائى"، بيولوجيا وإبداعيا أيضا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة