تمارا الرفاعى

حتى لا نصبح ضيوفًا ثقلاء

الأربعاء، 27 نوفمبر 2013 05:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"السوريون أحسن ناس". هذا ما قاله سائق التاكسى وهو ينظر نحوى فى المرآة. "ونحن فى مصر كنا نشعر دائمًا بأننا والسوريين شعب واحد".

رنت كلمات السائق كالموسيقى فى أذنى، بينما كنت أجلس، أنا المصرية من أصل سورى، على مقعد التاكسى الخلفى، متجهة إلى اجتماع يتعلق بأوضاع اللاجئين القادمين من سوريا فى مصر.

بدأ توافد اللاجئين من سوريا إلى مصر منذ عامين، هربًا من النزاع فى بلدهم، إلا أن الأوضاع تدهورت بالنسبة لهم هنا فى هذا الصيف. لقد قام مكتب مفوض الأمم المتحدة السامى لشئون اللاجئين بتسجيل 125 ألفًا من مجموع ما يقدر بـ300 ألف سورى فى مصر حاليًا، ويوجد وسطهم ما يقدر بـ5000 إلى 6000 فلسطينى فروا بدورهم من سوريا، ولم تسمح لهم السلطات المصرية بالتسجيل لدى وكالة اللاجئين.

ومع تضاؤل الآمال فى إيجاد حل للأزمة السورية، يواجه اللاجئون القادمون من سوريا فى مصر حاليًا اشتراطات بتصريحات أمنية وتأشيرات تقيد دخولهم إلى مصر. قبل عزل محمد مرسى فى يوليو، كانت جوازات السفر السورية تتيح لهم دخول مصر دون عوائق.

ولعله حق لأى بلد أن يضع قواعدًا لتنظيم الهجرة والدخول إليه، لكن التغير المباغت فى الإجراءات وفى النظرة الشعبية هو ما فاجأ السوريين والفلسطينيين القادمين من سوريا إلى مصر. من مصاعب تجديد تصاريح الإقامة، إلى صراع البقاء وسط اقتصاد القاهرة غير الرسمى، والتوسل من أجل أماكن فى مدارس مصر الحكومية المكتظة، يشعر الكثيرون بأنهم عبء غير مرغوب فيه. أما التقارير الإعلامية المثيرة، التى تضخم الحضور السورى وسط اعتصام الإخوان المسلمين الكبير فى رابعة، فقد كانت أحد العوامل الكامنة خلف قرار السلطات العسكرية بتقييد دخولهم إلى مصر.

كما ساهم التحريض غير المسئول من شخصيات إعلامية معروفة فى تحويل التعاطف الشعبى مع السوريين إلى عداء، وهذا ما جعل من التعليقات الودودة لسائق سيارة الأجرة مفاجأة سارة بالنسبة لى. لقد أدى هذا السيل العارم من التعليقات العدائية، علاوة على مصاعب الحياة اليومية، إلى قيام كثيرين من اللاجئين القادمين من سوريا بالقفز فى قوارب على سواحل مصر المطلة على البحر المتوسط، والاتجاه إلى أوروبا أملاً فى مستقبل أفضل.اعتقلت السلطات واحتجزت نحو 1500 من هؤلاء الراغبين فى الهجرة، بعد غرق القوارب فى حالة العديد منهم.

قال مسئولون أمنيون لللاجئين المحتجزين، إن احتجازهم سيمتد إلى أجل غير مسمى حتى يوافقوا على مغادرة البلاد، على نفقتهم الخاصة. لكن اللاجئين القادمين من سوريا لديهم القليل من الخيارات فيما يتعلق بالمكان الذى يمكنهم الذهاب إليه، بخلاف سوريا. ويتسم الفلسطينيون، الذين لا يحملون سوى وثائق السفر الخاصة باللاجئين وليس جوازات سفر، بدرجة خاصة من الاستضعاف.

فالخيار الوحيد المتاح لهم هو دخول لبنان بتأشيرة عبور مدتها 48 ساعة أو العودة مباشرة إلى سوريا التى مزقتها الحرب. وقد غادر مصر بالفعل ما يقرب من 1200، رغم خشيتهم على حياتهم بمجرد وصولهم إلى مقصدهم. ويظل 300 آخرون، بينهم أطفال، قيد الاحتجاز بعد أسابيع وشهور، فى أقسام شرطة مكتظة على نحو مروع، رغم أوامر صادرة من النيابة بإخلاء سبيلهم. كما تتواصل الاعتقالات، التى كان أحدثها فى 4 نوفمبر. يتذرع المسئولون بـ"اعتبارات الأمن القومى" عند سؤالهم عن أسباب هذا الاحتجاز غير القانونى.

حينما نشرت هيومن رايتس ووتش تقريرًا يوثق كيفية قيام مصر بإكراه هؤلاء اللاجئين على الرحيل، أنكر المسئولون الحكوميون الوقائع الموثقة. إن مصر، كدولة طرف فى اتفاقية اللاجئين لسنة 1951، ملزمة بالتقيد بمبدأ عدم الإعادة القسرية، أو الحظر المفروض على إعادة اللاجئ إلى بلد تتعرض فيه حياته أو حريته للتهديد. وقد دعا أحد مسئولى وزارة الخارجية هيومن رايتس ووتش إلى "البحث عن بدائل بدلاً من انتقاد مصر".

وأنا سعيدة بدعوته هذه. فهناك بالفعل عدد من الخطوات التى يمكن للسلطات المصرية اتخاذها، بدلاً من إرغام اللاجئين القادمين من سوريا على الرحيل رغم إرداتهم وبمخاطر كبيرة على حياتهم.

أولاً: يتعين على مصر السماح لوكالة اللاجئين الأممية بتسجيل كافة الفارين من سوريا كلاجئين، بمن فيهم المنحدرين من أصل فلسطينى. ينبغى لوكالة اللاجئين أن تتمكن ممارسة اختصاصها بتسجيل اللاجئين الفارين من سوريا ،دون المخاطرة بتهديد وجودها فى بلد يستضيف طالبى اللجوء من السودان وإريتريا وغيرهما من البلدان الأفريقية، بالإضافة إلى اللاجئين السوريين.

إن تسجيل الفارين من سوريا يتيح لهم إمكانية إعادة التوطين فى بلد ثالث.وعلى وزارتى الخارجية والداخلية الإعلان عن إجراءات واضحة للحصول على تصاريح الإقامة فى مصر.
ويجب على الدول الأخرى دعم مصر بتوفير المعونات المالية والمادية لمساعدة اللاجئين القادمين من سوريا، وبالتعهد بمنح اللجوء لبعض هؤلاء اللاجئين على أراضيها.
وحده التوجه المنسق فيما بين مصر ووكالة اللاجئين والبلدان الثالثة يستطيع تخفيف محنة هؤلاء المئات من السوريين العالقين فى أقسام الشرطة المصرية. إن المصريين والكثيرين من العرب يطلقون على مصر لقب "أم الدنيا"- وقد آن لهم العمل على استحقاق بلدهم لهذا اللقب.

* مديرة قسم مناصرة حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى هيومن رايتس ووتش.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة