تقرير: التضخم يلتهم فوائد ودائع صغار المدخرين فى مصر

السبت، 16 نوفمبر 2013 01:30 م
تقرير: التضخم يلتهم فوائد ودائع صغار المدخرين فى مصر البنك المركزى المصرى
الأناضول

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الادخار القومى هو المصدر الرئيس لتمويل الاستثمارات القومى، سواء كانت تلك المدخرات موجهة لاستثمارات القطاع الخاص أو العام، ويتحدد مصير التنمية على معدلات الادخار والاستثمار.

ونلحظ أن تجربة التنمية الناجحة فى دول جنوب شرق آسيا أو فى الصين تعود بالأساس إلى اعتمادها بصورة كبيرة على المدخرات المحلية، ففى دول جنوب شرق آسيا كانت معدلات الادخار القومى بحدود 35%، ولكنها فى الصين تعدت نسبة الـ40%.

ومن إيجابيات المدخرات المحلية أنها تكفى الدولة أضرار اللجوء للخارج، سواء لطلب الاستثمارات الأجنبية وما تفرضه من شروط قد لا تتناسب مع أجندة التنمية الوطنية، أو الدخول فى دوامة الدين الخارجى، الذى يمثل عبئا على التنمية، ومطالب تواجه الأجيال القادمة.

والواقع فى مصر أن معدلات الادخار القومى تقدر بنحو 17%- 20% من الناتج المحلى الإجمالى، بينما الاستثمارات القومية المطلوب تحققها فى مصر لتلبية احتياجات التنمية ومواجهة تشغيل اليد العاملة، لا بد ألا تقل عن 25%- 30%، ومن هنا تنشأ الفجوة بين الادخار والاستثمار فى مصر.
ومن المصادر المهمة للادخار فى مصر، صغار المدخرين، وهم عادة من الطبقة الوسطى من المجتمع المصرى، وعادة ما تكون مدخراتهم قد تكونت على مدار سنوات طويلة من العمل، أو من الهجرة للخارج لسنوات، أو من خلال التخلص من بعض الأصول والعقارات، أو بيع مصوغات ذهبية.

طبيعة المدخرات
تشير بيانات البنك المركزى المصرى إلى أن إجمالى الودائع لدى الجهاز المصرفى فى يوليو 2013 بلغ 1.2 تريليون جنيه مصرى، منها نحو 700 مليار جنيه تخص القطاع العائلى (101 مليار دولار)، بينما الودائع الحكومية بلغت 136 مليار جنيه، وودائع القطاع الخاص 117 مليار جنيه، وقطاع الأعمال العام 22.5 مليار جنيه.

ومن هنا نعلم أهمية مدخرات القطاع العائلى، مع العلم بأن مدخرات القطاع العائلى تشمل صغار المدخرين وغيرهم، إلا أن ما نشره الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يبين أن مدخرات دفاتر التوفير من خلال مكاتب البريد بلغت فى يونيو 2012 نحو 54.9 مليار جنيه، وهى بطبيعتها فى الغالب الأعم لصغار المدخرين.

وشأن العديد من الظواهر الاقتصادية فى مصر، فإن هناك ما يسمى المدخرات غير الرسمية فى المجتمع المصرى، وهى تتم بعيدًا عن الجهاز المصرفى أو مكاتب البريد، وتتم من خلال الآليات الفردية أو الأسرية من خلال ما يسمى الجمعيات، أو الاحتفاظ بالمدخرات فى البيوت، والخزائن الخاصة بعيدًا عن البيانات الرسمية.

وتقدر هذه المدخرات فى السوق المصرى بنحو تريليون جنيه مصرى، ويلاحظ البعض انتشار ظاهرة المدخرات غير الرسمية من خلال حرص المتعاملين على التعامل النقدى، بعيدًا عن التعامل مع البنوك وآليات التعاملات الحديثة.

مخاطر تحيط بالمدخرين الصغار

المثير لمخاوف صغار المدخرين أن مجموعة من المخاطر أصبحت تحوم حول مدخراتهم الصغيرة خلال الفترة الماضية، ولذلك فهم يبحثون عن مصادر أخرى لاستيعاب مدخراتهم، حتى تكون عونًا لهم على مواجهة متطلبات المعيشة التى تزداد يومًا بعد يوم.

ومن هذه المخاطر، ارتفاع معدلات التضخم، حيث أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم فى نهاية أكتوبر الماضى وصل إلى نسبة 11.5% على أساس سنويًا، وهو ما يعنى أن مدخرات المصريين عمومًا التى مر عليها عام قد نقصت قوتها الشرائية بنسبة التضخم وهى 11.5%، فى حين أن الجهاز المصرفى يعطيهم عائدًا بحدود 10.5%، وفى أحسن الأحوال 11%، وهو معدل يقل أو يقترب من معدل التضخم، وبذلك فإن العائد على الادخار أصبح سالبًا أو صفر.

ولكن ينبغى الإشارة إلى أن هناك تقديرات لمعدل التضخم تختلف عن تلك المعلنة من قبل الجهات الرسمية تذهب إلى أن معدل التضخم لا يقل عن 20%، وفى أحسن الأحوال لا يقل عن 15%.

يدفع هذا الأمر صغار المدخرين إلى التصرف فى مدخراتهم، إما بدافع مواجهة ارتفاع الأسعار، باقتطاع جزء دورى من مدخراتهم يضفونه لدخولهم الثابتة، مما يؤثر على قيمة مدخراتهم بالسلب، أو البحث عن مصادر آمنة للحفاظ على تلك المدخرات من خلال التوجه لتحويل مدخراتهم للعملات الأجنبية، أو شراء المصوغات الذهبية، أو شراء العقارات.

وفى ظل هذه الاتجاهات المبنية على الحدس والتخمين، قام جزء من صغار المدخرين على مدار العام الماضى، وبخاصة بعد يناير 2013 إلى شراء الدولار بأسعار تقترب من الثمانية جنيهات للدولار، فى حين استقر سعره منذ شهرين تقريبًا عند 7.15 للدولار فى السوق السوداء، وبذلك تعرض جزء من المدخرين لخسائر نتيجة المضاربة على أسعار الدولار.

ومن تلك المخاطر التى تهدد مدخرات صغار المدخرين، توظيف الأموال، وهو من الأنشطة الملحوظة فى المجتمع المصرى، بحيث يقوم شخص أو شركة بتلقى الأموال من الأفراد، وهو أمر يجرمه القانون المصرى، حيث قصر القانون تلاقى الأموال لتوظيفها وإعطاء عائد عليها، على البنوك. وعادة ما يُقدم متلقى الأموال شيكات أو إيصالات أمانة للمودعين، وذلك نظير عائد شهرى أو سنوى، أو كل فترة زمنية عادة ما يتفق عليها الطرفان، إلا أن كثير من هذه الحالات عادة ما تنتهى بهروب متلقى الأموال، وترك صغار المدخرين لمواجهة مشكلات اقتصادية واجتماعية جديدة.

ويلجأ بعض صغار المدخرين للمضاربة بالبورصة، فى ظل انخفاض العائد على الودائع بالبنوك، وعادة ما تنتهى كثير من هذه التجارب بخسائر تلتهم جزء كبير من مدخرات الصغار، ولعل وجود العديد من القضايا الخاصة ببعض الشركات، سواء السمسرة أو الشركات الأم خير شاهد على هذا. وفى ظل البحث عن عائد أمن لصغار المدخرين لم يرشدهم أحد إلى وسيلة أكثر أمانًا للتعامل مع البورصة وهى وثائق صناديق الاستثمار.

وقد يتوجه بعض صغار المدخرين إلى مسابقات اللهو، حيث كثرت مع وسائل الاتصال الحديثة العديد من المسابقات التى تستنزف دخول البسطاء من أجل الربح، وهناك برامح تعمل لساعات طويلة تعتمد على الاتصال التليفونى، بأسعار تصل لخمسة أضعاف أسعار الاتصالات فى الأوقات العادية، وتستهدف إطالة المكالمات، ولا توجد أى رقابة على هذه البرامج أو المسابقات، على الرغم من أنها تحصل على مبالغ طائلة، هى فى حقيقتها خصمًا من استهلاك حقيقى للبسطاء، أو استننزاف غير مبرر لمدخرات شرائح الطبقة المتوسطة، التى تعتبر عماد صغار المدخرين.

حماية المدخرين

إذا كان الادخار المحلى من أهم عوامل نجاح تجارب التنمية، فإنه فى حالة مصر فإن حماية المدخرين أكثر إلحاحًا، حيث تعانى مصر من أزمة تمويلية حقيقية، داخليًا وخارجيًا، ومن هنا لابد من أخذ ما ذكر من ظواهر لجذب صغار المدخرين خارج السوق الرسمية، ومواجهتها من خلال آليات حقيقية، تساعد على استيعاب هذه المدخرات وتعمل على زيادتها، وفى نفس الوقت توفر البدائل الإيجابية من حيث المردود الاقتصادى للبعد عن المضاربات، وإقامة مشروعات تستوعب العاطلين، وتزيد من قيمة الناتج المحلى الإجمالى. وتتطلب حماية مدخرات صغار المدخرين، مواجهة ظاهرة التضخم والعمل على تخفيض معدلاته ليكون الفارق بين معدل التضخم والعائد على الودائع بالبنوك كبير، يسمح أو يشجع على توجه المدخرين لإيداع مدخراتهم بالبنوك، والبعد عن المضاربة، أو الأنشطة غير القانونية.

أيضا على الدولة تشجيع المشروعات الصغيرة، التى يمكن أن تدر دخلًا أكبر على المدخرين، وذلك من خلال وجود مزايا ضريبية وتأمينية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وإزالة المعوقات الإدارية الخاصة بالتصاريح والتراخيص لهذه المشروعات، فتوجيه المدخرات لهذه المشروعات له مردود إيجابى فى خلق فرص العمل، والتخفيف عن كاهل الدولة فى إتاحة فرص العمل للداخلين الجدد أو العاطلين القدامى.

أيضا لابد من السماح بتكوين صناديق الاستثمار المباشر، بما يسمح لهذه الصناديق أن تستوعب صغار المدخرين، لكون فرصة تحقيق عائد أكبر على المدخرات من خلال هذه الصناديق قائم بنسبة كبيرة، فضلا عن أن هذه الصناديق سوف تعمل على تلاشى سلبيات شركات المساهمة فى مصر، والتى تتسم بكونها شركات مغلقة على أصحابها، ويطلق عليها الشركات العائلية، أما صناديق الاستثمار المباشر فستكون بمثابة شركات مساهمة حقيقية، من خلال مشاركة صغار المدخرين فى جمعياتها العمومية.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة