الجزارة.. بالأيدى الناعمة

"أم آسيا" دبلوم تجارة والزوج مهندس والمهنة "جزارة"

السبت، 19 أكتوبر 2013 12:00 م
"أم آسيا" دبلوم تجارة والزوج مهندس والمهنة "جزارة" أم آسيا
كتب حسن مجدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبضتها الواثقة على يد ساطور ضخم والتبديل بين عشرات السكاكين و"الكزالك" المتناثرين حولها بمهارة وهى تقف وسط محل جزارة ارتفع بجواره اسم المعلمة "أم آسيا" لم يستطيعوا إخفاء ما تبقى من نظرات سيدة متعلمة تتحدث اللغات انتهت للتو من إعداد الإفطار لزوجها المهندس وضبط "شنطة" المدرسة على ظهر طفلتها قبل النزول للعمل، ثوبها المنمق بعناية وابتسامتها الهادئة فى الحديث مع الزبائن الذين يأتوا محلها المنزوى فى المنيل بالاسم، يندمجون مع ضربة تعرف طريقها جيد فوق قطع اللحم الضخمة لينتجوا أول محل جزارة "بالأيدى الناعمة".

من فوق أرصفة "المدبح" يذيع سيط المعلمة "أم آسيا" كواحدة من السيدات القلائل اللاتى يمتهن الجزارة بداية من الذبح والتشفيه وحتى تنميق العمل والبيع، تذهب لها حاملا العديد من التوقعات قبل أن تقابلك بلهجة هادئة تعرفك عليها بكلمات بسيطة: "أنا هدى محمد، أصلا دبلوم تجارة وبعد ما خلصت خدت كورسات إنجليزى فى الجامعة الأمريكية لحد المستوى الخامس، وكنت ناوية أشتغل بعيد عن الجزارة بس سيبت كل ده بعد ما نزلت أساعد أبويا فى المحل، ولقيت الشغلانة بتسحرنى وقعدتنى جنبها 17 سنه لحد دلوقتى".

ترتسم ابتسامة رضا وفخر فوق تجاعيد وجه والدها العجوز بجوارها قبل أن يلتقط أطراف الحديث: "أم آسيا دية راجلى بجد أحنا بنتعامل راجل لراجل مش بعاملها على أنها بنت" وتستعيد السيدة الحديث بعد أن تعرف والدها الحاج محمد القط: "أنا لما نزلت كنت عايزة أعوض أبويا انه ماجبش أولاد رجالة ومفيش حد يساعده فى المحل، نزلت أعمل الحسابات وأدير المكان، ولقيت الجزارة بتشدنى، بدأت أقطع وأتعلم من العمال ولما العمال بدأوا يمشوا ويتدلعوا مسكت أنا كل حاجة لحد ما قررت أدبح وهو أدانى الأذن" تصمت لثوانى وتتابع: "كنت خايفة وأنا بحاول بس دبحتها وكانت خروف ودلوقتى بدبح كل حاجة".

تلمع فى عيونها نظرة تنهى كل ذكريات "المعلمة" ورجل المكان وهى تقف خلف "أورمة" بابتسامة خجل تدارى القصة الرومانسية الأولى لها فى نفس هذا المكان حين التقت زوجها للمرة الأولى، تفاصيل دقيقة تبدوا وهى تحكى عن الشاب الذى أتى ليشترى ويغادر فظلت معه حتى الآن وتقول: "مكنش من مهنتى خالص، هو مهندس ميكانيكا، وفجأة طلب أيدى واتجوزنا ولحد دلوقتى هو فخور بيه وعارف إنى بحب والدى والجزارة وبيشجعنى على الشغل".

ينتهى الحديث ومعه إعداد طبق لحم مرتب وصوت خافت ينبعث من أسفل الأورمة المرتفعة لطفلة تصر على لف الطبق بنفسها، تبتسم السيدة قبل أن تعرفها "آسيا بنتى وبتحب تقف تساعدنى".. طيب وناوية تعليمها الجزارة؟.. تجيب بعد أن تعطيها الطبق للفه: "لو حبت براحتها، بس هى دلوقتى فى المدرسة وعايزة تطلع مهندسة ذى بابها وأنا بشجعها، بس لو أتعلقت بالشغلانة زيى المحل موجود".

"أنا بقالى 17 سنه بشتغل.. يعنى الساطور ده بالنسبالى زى القلم فى أيد الكتيبة" إجابة قاطعة عن متاعب عملها الذى تناثر حوله قفشات المعجبين والمارة وأسئلة.. طيب بعد الزواج بمهندس وطفلة ومسئولية منزل.. مفكرتيش تبطلى ولا مرة؟.. وإجابة أخرى قاطعة: "أنا معرفش أعمل حاجة غير شغلتى ومقدرش أسيب محلى.. من الآخر بحبها وعمرى فيها، وشغلى دلوقتى مفيش صنايعى يعرف يطلعه، وكل الناس بتشجعنى من أول أبويا لحد جوزى وبنات العيلة اللى نفسهم يبقوا زيى يبقى اسيبها ليه".


























مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة