لعنة «كرداسة» تصيب 9 قرى وآلاف السكان.. أهالى «المنشية الكبرى» يجمعون توقيعات للاستقلال عن كرداسة.. وأهالى «الصفط ».. يحتكمون إلى رؤوس العائلات لحل مشاكلهم.. والزيارات العائلية للإخوان تبدأ بعد المغرب

الجمعة، 11 أكتوبر 2013 07:47 ص
لعنة «كرداسة» تصيب 9 قرى وآلاف السكان.. أهالى «المنشية الكبرى» يجمعون توقيعات للاستقلال عن كرداسة.. وأهالى «الصفط ».. يحتكمون إلى رؤوس العائلات لحل مشاكلهم.. والزيارات العائلية للإخوان تبدأ بعد المغرب الأمن فى كرداسة
تحقيق - صفاء عاشور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وجوه مترقبة، وحديث هامس يدور بين الأهالى حول أخبار الاعتقالات المتتالية، هكذا بات حال آلاف من سكان قرى مركز كرداسة، المكونة من 10 قرى، من ضمنها قرية كرداسة التى شهدت فى الأيام السابقة مداهمات أمنية، بعد محاولة عدد من أتباع تيار الإسلام السياسى الانفصال، وإعلانها إمارة إسلامية، عقب فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة.. أهالى قرى كرداسة باتوا يتساءلون منذ حملات المداهمات الأمنية المتتالية: لماذا تتم معاقبة جميع قرى المركز بذنب قرية واحدة؟، ومتى تنظر الدولة إلى مشاكلهم التى تجاهلتها الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها؟.

«اليوم السابع» زارت 5 قرى بمركز كرداسة، هى قرية ناهيا، وصفط اللبن، والمنشية الكبرى، وكومبرة، وكفر حكيم، كونها الأقرب لقرية كرداسة، والأكثر تأثرًا بالأوضاع الأمنية هناك، وقد أجمع السكان هناك على أن قراهم من القرى المنسية، حيث نقص فرص العمل، وانهيار الخدمات الأساسية من صرف ومياه شرب نظيفة، وغياب التواجد الأمنى، رغم وجود قوات أمنية معززة على بعد خطوات بقرية كرداسة.


ناهيا.. مؤيدو «السيسى» فى مواجهة أنصار «مرسى»


ربما تكون قرية ناهيا من أكثر القرى التى تأثرت بالمداهمات الأمنية التى حدثت مؤخرًا لقرية كرداسة، لأنها الأقرب والأكثر عشوائية وفقرا، حيث كل شىء مباح، بعيدًا عن رقابة الدولة والقانون، وفى ظل غياب تام للأمن، بعد أن تم إخلاء نقطة الأمن الوحيدة الموجودة بالقرية، عقب تعرض أفرادها للاعتداء والسرقة من قبل بلطجية، لم يجزم الأهالى هناك كونهم ينتمون لجماعة الإخوان أم لا.

السير فى شوارع ناهيا عملية شاقة، فالشوارع غير ممهدة، والطرق ضيقة لا تخلو من القمامة وبالوعات الصرف المفتوحة، فضلاً على المشاحنات اليومية بين الأهالى، والتى تصل إلى حد التشابك بالأيدى.. أغلب سكان ناهيا يعملون بمصانع الطوب المنتشرة على أطراف القرية، فى حين تعرف المنطقة بمحاولات دائمة غير مجدية للأهالى للحفر بحثًا عن الآثار الفرعونية أسفل منازلهم، سعيًا وراء أحلام الغنى السريع، وتصديقًا لقصص غير حقيقية، يتناقلها السكان بين الحين والآخر.

ويرجع الأهالى كل ما تعانيه القرية من تجاهل الحكومات المتعاقبة، إلى ضلوع أفراد من عائلة الزمر فى حادثة اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الأمر الذى حول القرية إلى منطقة منبوذة، تُحرم عمدًا من الخدمات ومشروعات التنمية.

وبينما يؤكد عدد من الأهالى أن القرية يمنع دخول أبنائها الكليات الحربية والشرطة، يؤكد آخرون أن هناك حالات محددة فقط يتم فيها الرفض التام، بسبب التاريخ السياسى لعائلة الشاب.

ومنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسى أصبحت المشادات بين سكان القرية شبه يومية، فى حين انقسم الأهالى إلى فريقين، أحدهما يطلق على نفسه «مؤيدى السيسى»، والآخر «مؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى»، وأحيانا ما تصل الخلافات بين الفريقين إلى حد الاشتباك، أو استخدام السلاح المسرب منذ الانفلات الأمنى الذى شهدته ثورة 25 من يناير وحتى يومنا هذا، حيث باتت الأسر تتفاخر بنوع السلاح وكميته التى تملكها العائلة.

يمتد الأمر ليصل إلى طلاب المدارس كما تؤكد «فاطمة»، إحدى مؤيدات السيسى، كما تحب أن تطلق على نفسها، والتى تؤكد أنه يتم تنظيم مسيرات شبه يومية لطلاب المدارس من مؤيدى المعزول ومؤيدى السيسى، وكثيرًا ما تشتبك تلك المظاهرات مع الأهالى، مضيفة أن أتباع جماعة الإخوان المسلمين بالقرى كثيرًا ما يدفعون بناتهم للاحتكاك بقوات الداخلية المتواجدة بالقرية حاليًا، إلا أن القوات تتجاهلهم وترفض استفزازهم، مضيفة أن أتباع الإخوان بالقرية يرسلون رسائل تهديد يومية للعائلات من مؤيدى السيسى، فى إشارة إلى انتظار أنصار المعزول مغادرة وحدة القوات المسلحة للقرية، حتى يعاقبوا أهالى القرية المخالفين لهم فى الرأى عقابًا جماعيًا.

أمام منزل الحاجة سامية شنن، بمنطقة جامع السهراية، يتناقل السكان سيرة المرأة المحيرة التى تحولت من امرأة صالحة إلى امرأة عنيفة، متورطة فى التمثيل بجثث ضباط كرداسة، فى حادثة اقتحام القسم الشهيرة. جيران السيدة المتحفظون يؤكدون أن السيدة هى وزوجات أبنائها الثلاث كنّ إحدى أذرع إرهاب الجماعة بالمنطقة، فمنذ عزل الرئيس محمد مرسى، وهن لا يتورعن فى الفتك بأى مؤيدة للسيسى، حتى أنهن سبق لهن تجريد إحدى معارضات الجماعة من ملابسها أمام جميع أهالى الشارع.

أمام عربة لبيع «الفول النابت» وقف أحمد العربى، يعمل فى نشاط، ويبتسم فى صبر، يقول إن ناهيا تشبه أراضى ضائعة فى دنيا الله الواسعة، فلا أحد يهتم لشكاوى الأهالى، وذلك منذ اتهام أفراد من عائلة الزمر الشهيرة بالقرية فى حادثة اغتيال السادات.. يروى «العربى» كيف أن أبسط طلب يقدم للحى لا يتم النظر فيه لسنوات، فها هو ينتظر منذ ثلاث سنوات موافقة الحى على بناء كشك صغير له، يؤمن له رزق عائلته.

يلتقط الخيط السيد أبوالسعود، والد أحد التلاميذ بالمرحلة الإعدادية بمدرسة ناهيا المشتركة، ليكشف عن مأساة حقيقية يشهدها التعليم بناهيا، حيث التكدس الشديد بالمدارس، والذى يصل إلى 97 طالبًا فى الفصل الواحد، مما يجبر التلاميذ على اللجوء إلى الدروس الخصوصية لتحصيل دروسهم.

ولا تتوقف شكاوى أهالى ناهيا عند ذلك، إذ تعانى المنطقة من نقص الخدمات الطبية، واقتصار المنشآت الطبية الحكومية بالقرية على وحدة صحية بها طبيب واحد فقط لكل التخصصات.


المنشية.. الانفصال هو الحل


فى مدخل قرية المنشية جلس أحمد عبدالفتاح، منجد، يحمل فى يده إبرة طويلة، بجانب كومة من القطن والأقمشة، يشكو وقف الحال، بعد أن ساعد عدم الاستقرار السياسى بالبلاد فى زيادة الأزمات المادية لديه، ولأصحاب الحرف وعمال اليومية من أبناء القرية، خاصة البنائين، وهى المهنة التى يعمل بها أغلب سكان القرية من الشباب، بسبب عدم وجود مصانع أو منشآت حكومية تستوعب الشباب العاطل من حملة الشهادات المتوسطة بالقرية.

يقول «أحمد» إن القرية غالبا ما تخلو من شبابها يوميا، منذ مطلع الشمس وحتى غروبها، فالجميع يسعى وراء الرزق خارج القرية الفقيرة، مضيفًا أن القرية لم تتعرض لأى من أعمال العنف منذ إسقاط الرئيس المعزول محمد مرسى، وحتى اليوم، بسبب خلوها تماما من الخدمات والمنشآت الحكومية المهمة.

مشكلة الصرف الصحى والمياه هى المشكلة المؤرقة الأساسية لسكان القرية، فكما يقول الحج حلمى أبوحسين، فإن الأهالى يقومون بمد شبكات صرف بدائية بالمجهود الذاتى، بتكلفة تصل إلى 2000 جنيه فى الشارع الواحد، يتم جمعها من سكان الشارع، كل على قدر استطاعته، ورغم ذلك فإن طفح المجارى الليلى أمر متكرر رغم جهود الأهالى، والشكوى للمسؤولين.

التركيبة السياسية لقرية المنشية يغلب عليها الطابع السلفى المعتدل، ولا يوجد بها جهاديون أو تكفيريون، فيما تظهر الأعداد المحدودة لجماعة الإخوان فى المنطقة بسبب قدرتها التنظيمية وحشدها المستمر لأفرادها، تأييدا للرئيس المعزول مرسى، وضد إرادة العديد من أهالى القرية.

يقول عادل الكردى، صاحب مخبز بالقرية، إن أكثر ما يغضب سكان القرية هو إصرار أنصار الرئيس المعزول على حشد مظاهرات صاخبة بعد العشاء، فى حين أن الجميع اعتادوا النوم مبكرًا، فى الوقت نفسه تقاعست الجماعة عن حل أزمة المياه والصرف غير المحتملة خلال مدة حكم الرئيس المعزول محمد مرسى.

غضب أهالى القرية من صدى أحداث العنف بكرداسة دفع وليد الدالى، أحد أفراد عائلة الدالى، إلى جمع توقيعات من أهالى القرية على غرار توقيعات حركة تمرد، وذلك لفصل قرية المنشية الكبرى عن مركز كرداسة، وضمها إلى حى الهرم، كما كان الأمر قبل ثلاث سنوات مضت قبل إنشاء الكوبرى الدائرى. يقول وليد الدالى إن أهالى قرية المنشية الكبرى يريدون الانضمام مرة أخرى إلى حى الهرم حتى تلتفت الحكومة لمشاكلهم، وتنتفى عنهم صفة العنف التى باتت ملاصقة لكل من يسكن قرى مركز كرداسة.

صفط اللبن.. مؤيدو المعزول يخفون هويتهم

فى منطقة صفط اللبن، توقف العمل بعشرات من ورش تصليح السيارات فى شارع السنترال، أحد الشوارع الرئيسية بالمنطقة، بعد أن عزف أصحاب السيارات الأجرة والملاكى عن اللجوء إلى تلك الورش، خوفًا من المداهمات الأمنية لمنطقة كرداسة، القريبة من صفط اللبن، وكذلك ما تردد عن أن منطقة صفط اللبن هى الذراع الخفية لمنطقة كرداسة، حيث لجأ عدد من المطاردين من قبل أجهزة الأمن إلى هناك، للاحتماء بالعائلات الكبيرة المتواجدة بالمنطقة.
أحد أفراد جماعة الإخوان طلب عدم ذكر اسمه، أكد أن كل ما يتردد حول كرداسة وقرية صفط اللبن لا أساس له من الصحة، فما يحدث بقرى مركز كرداسة، ما هو إلا انتقام أمنى من الأهالى، الذين كانوا يملؤون ميدانى النهضة ورابعة العدوية، خلال الاعتصام الذى نظمته جماعة الإخوان المسلمين، ردًا على عزل الرئيس السابق، الدكتور محمد مرسى.

أهالى صفط اللبن أكدوا أن أغلب العائلات الكبيرة المنتمية لجماعة الإخوان بالمنطقة، لها أقاربها بكرداسة، وأن الزيارات العائلية تبدأ بعد المغرب، وهو نفس الوقت الذى تنسحب فيه قوات الشرطة والجيش من منطقة كرداسة، عقب ساعات محددة يومية من التطهير الأمنى للمنطقة، فى نفس الوقت يؤكد الأهالى أن المنطقة لم تشهد أيًا من أعمال العنف، خلال الفترة ما بعد فض اعتصامى النهضة ورابعة العدوية.

أشرف حسين صاحب محل كهرباء بالقرية، أكد أن الحالة الأمنية بالمنطقة تزداد سوءًا، فرغم عمليات التطهير الأمنى التى تحدث فى منطقة كرداسة القريبة، فإن سرقات الليل فى الشوارع ما زالت مستمرة، فأصحاب عربات الأجرة والملاكى، وحتى سائقو التوك توك، هدف دائم للسرقة بالإكراه، فى ظل التواجد الأمنى المنعدم بالمنطقة.

على واجهة منزل الحاج جمال الفيومى، علقت لافتة كبيرة لتأييد الفريق عبدالفتاح السيسى، فى مواجهة العديد من إشارات رابعة العدوية، المرسومة باللون الأزرق والأسود على جدران القرية، وتعليقًا على المشهد المتناقض السابق أكد الحاج فيومى على الاستقرار النسبى الذى يشعر به أهالى القرية، وتقاربهم، الذى يفرض احترام الآخرين، والاحتكام إلى رؤوس العائلات فى حل المنازعات، لذا لم يقم أى من مؤيدى الطرفين من تمزيق أو مسح لافتات الآخر.

يقول الحاج جمال، المنتمى إلى عائلة الفيومى، التى احتكر أفرادها منصب العمودية لعشرات السنين، إن أهالى القرية يعرفون بعضهم البعض، وكل شىء يتم حله بالمجالس الهادئة، كما أن مؤيدى الرئيس من جماعة الإخوان بالقرية، سلميون تمامًا، ولم يسبق لهم اللجوء إلى العنف فى أى من مسيراتهم.

غضب فى كومبرة وكفر حكيم

فى مدخل قرية كومبرة بمركز كرداسة، تنطلق مسيرة محدودة العدد لفتيات المعهد الأزهرى، حاملات المصاحف، ومرددات شعارات «الإسلام مش هيضيع»، الفتيات يرفضن الرد على أسئلة الغرباء حول مطالب المسيرة.

ورغم ما تعانيه القرية من نقص فى الخدمات، وارتفاع نسبة الأمية والفقر، فإن الأهالى لا يجدون حاجة للشكوى، «فكل شىء تمام»، وإن كانوا يتمنون من الحكومة تسهيل إجراءات الحصول على رخص القيادة، واستثناء القرية من شرط تعلم القراءة والكتابة، حيث تنتشر الأمية بالقرية، وتنعدم فرص العمل، فى حين تختفى العائلات الغنية خلف أبواب موصدة، وتنصرف إلى زراعة أراضيها، التى تتقلص مساحتها عاما بعد آخر، بسبب البناء العشوائى بالقرية، الذى نتج عن صفوف من المبانى القبيحة، تطل على شوارع غير ممهدة.

الطريق من قرية كومبرة إلى قرية كفر حكيم يستغرق ربع ساعة فقط بعربة التوك توك، إحدى أهم وسائل المواصلات المتوفرة بالقرية، التى تكاد تخلو من وسائل المواصلات إلى ضواحى الجيزة الأخرى، ليس ذلك فقط، فالروح العدائية بالمنطقة لا يمكن إخفاؤها، فى حين يخيم الخوف على البيوت، خاصة مع التهديدات التى تتلقاها القرية، بأنها ستكون الهدف التالى للتطهير الأمنى، عقب الانتهاء من قرية كرداسة.

أغلب الأهالى رفضوا الحديث مع الإعلام، وأكدوا أنهم مؤمنون بأن هناك حالة من العقاب الجماعى لكل قرى كرداسة، بسبب مساندتها لاعتصامى رابعة العدوية والنهضة، أو على حد قول أحد أهالى القرية «إحنا اللى كنا ملين الميدان»، فى نفس الوقت أكد الأهالى أن مشاكل القرية الموالية لجماعة الإخوان لم يتم حلها، خلال عام من حكم الرئيس المعزول محمد مرسى، وذلك رغم الخطر الذى تتعرض له حياة المواطنين هناك، مع كل نقطة مياه يشربونها، حيث تختلط مياه الصرف بمياه الشرب، وقد ناشد الأهالى المسؤولين عشرات المرات، لتحسين أوضاع المياه بالقرية، وكل ما نجحوا فى الحصول عليه، هو توقف انقطاع المياه، فباتوا يحمدون الله على توقف انقطاع المياه المختلطة بالصرف.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة